عبدالوهاب بدرخان /ص الحياة - إرهاب لا دين له حكومة بريطانيا وأحزابها دانت الارهاب، مسلمو بريطانيا ويمينها المتطرف استنكروا هذا العمل الاجرامي، لكن هذا الموقف المشترك لم يمنع جماعات اليمين المتطرف من ان يباشروا استغلال الحدث للتحريض على المسلمين. وهؤلاء باتوا يتوقعون الاسوأ متمثلاً بمضايقات وتشددات وتحرشات وربما ايضاً باعتداءات.
ليس معروفاً ماذا يمكن ان يكون «الاسوأ» ولا كيف سيكون «التشدد»، فالدولة والاجهزة لم تقعد منتظرة الضربة لتتصرف في ضوئها، وانما تحركت منذ أحداث 11 ايلول (سبتمبر) الاميركية واتخذت كل الاجراءات والاحتياطات التي يوجبها حفظ الأمن. وبديهي انها وضعت الجالية المسلمة والعربية تحت المجهر، حتى لم يعد هناك ما يخفى عليها. وما ذلك، جاءت المفاجأة مما يمكن اعتباره «خلايا نائمة» أو حتى «خلايا وافدة» حديثاً.
لم يكن مسؤولو الأمن مطمئنين دائماً ولا متأكدين دائماً بأن المفاجأة مستبعدة كلياً. فهذا العدو، الارهاب، يصعب تجنب شروره كلياً، كما يصعب تنميطه أو حتى التعرف تماماً الى طبيعته. انه يعرف ان الاجهزة تبحث عنه في نسيج تلك الجالية، ولعله وضع نفسه بمنأى عن المكان المتوقع وجوده فيه، خصوصاً ان مسلمي بريطانيا تعلموا في السنوات الاخيرة انهم لا يستطيعون الحصول على حماية دولة القانون التي يعيشون فيها إلا إذا احترموها، وبالتالي لم تعد الجالية كجالية العنوان الصالح للبحث عن «الفئة الضالة» فيها، حتى لو حسبت عليها.
لا شك ان اعتقالات ستحل، في أوساط المسلمين إذ ان توني بلير كان بالغ الوضوح بقوله: «نحن نعلم ان هؤلاء الناس يعملون باسم الاسلام»، فلا بد للسلطة من ان تبحث عنهم في مكان. لكن بلير اضاف: «لكننا نعلم ايضاً ان الغالبية الكبرى والساحقة من المسلمين سواء هنا أو في الخارج هم أشخاص محترمون ملتزمون بالقانون ويمقتون هذا النوع من الارهاب بمقدار ما نمقته نحن». ومع وضوح التمييز، من الطبيعي ان يتوقع مسلمو بريطانيا ان يترجم هذا التمييز في ما سيأتي. لكن حدسهم ومخاوفهم تقول ان 7 تموز البريطاني سيقود لندن الى حيث وصلت واشنطن بعد 11 ايلول الأميركي.
في اي حال لم يهتم ارهابيو 11 ايلول ولا ارهابيو 7 تموز بمصير العرب والمسلمين في الولايات المتحدة وبريطانيا، فهم يخوضون حربهم وفقاً لرؤيتهم وخططهم، كما لم يأبهوا بأوضاع المسلمين في اسبانيا، ولا بمعاناة مسلمين آخرين في بلدانهم، كما في السعودية وتركيا واندونيسيا. الواقع ان هؤلاء اصبحوا خارج كل الأديان والمعتقدات، ولم يعد مهماً ان يزينوا أدبياتهم بآيات قرآنية أو باستشهادات من أحاديث نبوية أو شذرات من التفاسير الكثيرة. أصبح لهم دين هو القتل ومعتقد هو العداء للغرب، وللولايات المتحدة تحديداً، بل اصبح لهم نهج واضح يقوم على مصادرة الاسلام كوسيلة للاحتيال والتلفيق تغطية لارهابهم وإجرامهم.
لو كانت المسألة مجرد أبيض أو مجرد أسود لكان في العالم اليوم إرهابيون بمقدار ما فيه مسلمون. ما يعني أيضاً وجود خمسين ونيف من الدول التي تعتمد الإرهاب وسيلة للتعامل مع العالم. لذلك فإن هذه الشريحة الهامشية التي تعتنق الوحشية نتاج خاص يتحمل الجميع، الداخل والخارج، مسؤولية إتاحة الفرصة لها كي توجد وتتمكن وتضرب. وللأسف، على رغم كل المحاولات المخلصة وتلك الملتوية، لم تكن هناك الشجاعة والإرادة الضروريتين لمواجهة أسباب انبثاق هذا الإرهاب ولا لتسميتها، وبالتالي لتحديد معالجاتها. ويبدو الأمر كأن السنوات التي انقضت على 11 أيلول 2001 اضيعت، أو بالأحرى استخدمت لإفساح المجال لظهور أنواع أخرى من الإرهاب، بل حتى لإتاحة الوقت الكافي للإرهابيين كي يعيدوا تنظيم أنفسهم ويطوروا وسائل العمل والتضليل. فهنا حال «منطق الدولة» دون التحليل والنقاش، وهناك حال «منطق الهيمنة» دون تحديد المسؤوليات، وهنالك حال «منطق القوة» دون تحريك الأمني بالتوازي مع السياسي لمعالجة ظاهرة بات الجميع متفقين على أنها ستستمر «بعض» الوقت، ليتبين واقعياً أنها يمكن أن تستمر وقتاً أطول مما هو متصوّر.
لا بد للعقل الأمني من أن يعمل حيث يتاح له، لكن لا بد للعقل السياسي أن يبرهن أنه قادر على أن يضع الفارق الجوهري. لكن هناك عجزاً سياسياً فادحاً لا يراد الاعتراف به، إما مكابرة وإما التفافاً على المعطيات والخيارات. وازاء مثل هذا العجز يبقى التطرف سيد الموقف على رغم أنه يأكل من رصيد «منطق الدولة» ويربك «منطق الهيمنة» ويستهزئ بـ «منطق القوة»، ويكون الناس كل الناس نتيجة لذلك الضحية التي يدعي الجميع العمل لأجلها، سواء كانت جالية مسلمة في بريطانيا أو مواطنين يعيشون في بلادهم. ثم يأتي بعد ذلك من يقول للناس: دينوا الإرهاب لنعفو عنكم، بل يقال لهم دينوا الإرهاب «بكل وضوح». هل هناك إدانة أكبر وأوضح للإرهاب من أن تكون أنت ضحيته مثل الآخرين تماماً؟
|