ساطع نور الدين -
تفجيرات لنــدن الدموية
منذ هجمات 11 ايلول على واشنطن ونيويورك، جرى كل شيء بخلاف المنطق والعقل. تفجيرات لندن جاءت في هذا السياق لتستكمل عمليات الثأر المتبادلة، ولتثبت ان طرفي المواجهة لم يفقدا قدرتهما على توجيه الضربات الموجعة، برغم السنوات ال12 التي مرت حتى الان على بدء اطلاق النار.
ولعل الخلاصة الاخطر التي يمكن الخروج بها من تفجيرات لندن الدموية، هي ان تنظيم القاعدة لم يهزم وربما لن يهزم ابدا في ساحات الحرب المفتوحة، بل هو يزداد قوة وانتشارا واحترافا: لم يفقد أي مقاتل في <<الغزوة>> الاخيرة، على غرار ما جرى في واشنطن ونيويورك والرياض وبالي.. ولم يترك أي اثر مادي يمكن ان يدل على الخلية التي يمكن ان تنفذ بسهولة المزيد من العمليات المروعة في أي عاصمة اوروبية او عالمية تشاء.
قد يكون ذلك دليل ضعف او وهن في التنظيم الذي تعرض لضربات ومطاردات مشددة خلال الاعوام الاربعة الماضية، ولم تعد تتوافر له اعداد كافية من الراغبين في الموت، الذين تستهلكهم ميادين القتال في افغانستان والعراق، باعداد ومعدلات مخيفة تصل احيانا الى ما يزيد على خمسة انتحاريين في اليوم الواحد.
لكن المرجح ان خلايا التنظيم تتجدد بشكل تلقائي، وتكتسب يوما بعد يوم المزيد من الزخم المستمد من حقيقة ان الحرب تتسع على الدوام وتوفر المزيد من الحجج والدوافع والمبررات لانضمام متطوعين جدد مستعدين للتضحية بالنفس او بالمال او بالسلاح وهو بسيط وبدائي جدا ، بالمقارنة مع ما يستخدمه الطرف الاخر في ساحات المعركة.
في المقابل لا يبدو ان الغرب يظهر علامات الضعف او التردد: في اعقاب تفجيرات لندن عبرت الحكومة البريطانية برئاسة طوني بلير والمعارضة ومختلف مؤسسات المجتمع البريطاني عن التضامن في وجه الماساة الجديدة ، وعن الحزم في مواجهة المنفذين، واستعار الجميع المفردات الاميركية نفسها التي ترددت في اعقاب هجمات 11 ايلول وقادت الاميركيين الى حربين متعثرتين في افغانستان والعراق ..
لعله من السابق لاوانه الرجاء بان تكون بريطانيا هذه المرة اشد حكمة وتعقلا من حليفتها اميركا. فالصدمة لا تزال في بدايتها، ولم تنته بعد عملية احصاء القتلى والجرحى والاضرار المادية: لكن الفرصة تبقى متاحة لكي يوقف البريطانيون ذلك المسار الذي بدأ بعد هجمات 11 ايلول وادخل العالم كله في نفق مظلم، وجعل من تنظيم القاعدة اسطورة عالمية، وطليعة مقاتلة باسم المسلمين تدافع عن ارضهم وتذود عن دينهم.
لا يعني ذلك اعلان الاستسلام امام الارهاب، بل فتح الافاق المغلقة حتى الان امام العمل السياسي الهادف الى تحقيق المصالحة التاريخية مع العالمين العربي والاسلامي، التي تساهم في عزل تنظيم القاعدة وانهاء تلك الظاهرة المشينة التي تسببت بقتل اعداد من المسلمين اكبر بكثير من سواهم.. واخرهم السفير المصري في بغداد ايهاب الشريف.