الحياة / عبدالوهاب بدرخان -
معالجة سياسية، كيف؟
بعد يومين من تفجيرات لندن قال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ان معالجة ظاهرة الارهاب لا يمكن ان تتم بالوسائل الأمنية فحسب، مشيراً الى ان هناك الكثير المطلوب سياسياً. وفي الوقت نفسه تجدد الحديث عن «تجفيف المنابع» لوضع حد لانتشار تلك الظاهرة. ما هي السبل السياسية، وماذا تعني «تجفيف المنابع»؟ الاجتهادات كثيرة، والتجارب أكثر، وليس من «تعريف» واضح لهذه العناوين، ولا تحديد دقيقاً لآليات العمل. هناك دول خاضت في «التجفيف» وتوصلت الى نتائج عملية، إلا انها مضطرة الآن للاعتراف بأن المضاعفات الجانبية تبقي السلطات في حال قلق دائم ولا تمكنها من الجزم بأنها بلغت الأمان أو انتهت من المهمة. أما الوسائل غير الأمنية، وأهمها حوارات رجال الدين المعتدلين مع الشبان المتطرفين، فحققت بدورها بعض النتائج في نطاق محدود، لكن نجاعتها الدائمة والمستمرة تتوقف على الجو العام وهو ليس تحت سيطرتها، لأن استمرار السياسات الداخلية والخارجية على حالها لا يشكل عنصراً مساعداً، فهذه السياسات هي من بين «الينابيع» التي تعصى على التجفيف.
في النقاش الدائر حول التفجيرات الارهابية، قدم التلفزيون البريطاني مجموعة من المحللين والخبراء الأميركيين والأوروبيين الذين أشاروا بشكل مباشر وغير مباشر الى ان «تورط» الغرب في الشرق الأوسط ساهم في تأجيج ظاهرة الارهاب. اقترح بعضهم ما يمكن ترجمته بـ «فك ارتباط» مع المنطقة، كما ان الاعلام الاسرائيلي تنبه الى ان بعضاً آخر من أصحاب الرأي طالب بحل لقضية فلسطين مثلما ألح على توضيح الموقف في العراق، وكذلك بمبادرات أكثر جرأة وسخاء لمساعدة الحكم في افغانستان. وهناك من لفت الى ان تبني الحكومة البريطانية لمسألة دفع التنمية في افريقيا، وإلحاحها على خروج قمة الدول الـ8 في اسكوتلندا بنتائج استثنائية، جاء من تفكير استباقي لانفجار قنبلة الفقر الافريقية كنوع متوقع من الارهاب.
الفارق بين 11 ايلول (سبتمبر) الاميركي و7 تموز (يوليو) البريطاني ان النقاش لم يتجمد في خانة ان حضارة الغرب هي المستهدفة، وان البرابرة خرجوا من أدغالهم ليهاجموا التجمعات المدنية، بل بدأ من حيث وصل تحليل الظاهرة الارهابية وتقلباتها خلال السنوات الأربع الأخيرة. طبعاً لا تزال الكلمة الأولى للجانب الأمني، ولعله سيبقى هو المسيطر لفترة طويلة، إلا ان العقليات تغيرت وكذلك المفاهيم. بل ان ما قد يؤخر أو يعرقل المسار السياسي للمعالجات هو ان تفجيرات لندن ابرزت حقيقة مرة، هي ان المنفذين بريطانيو أو أوروبيو المنشأ، وانهم بطبيعة الحال موجودون في نسيج المجتمع، لكن تحديداً في صفوف الجاليات المسلمة. هذه الحقيقة ستستدعي بلا شك جراحات باتت حتمية لأن أي سلطة لا يمكن أن تتعايش مع مجموعات قتلة كامنين لا ينتظرون سوى الأوامر ليتحركوا متمتعين بغطاء المواطنية وما يوفره من حقوق وأيضاً من قدرات على التضليل. لذلك تتفاوت التكهنات بشأن عدد هؤلاء، فمن كان من الخبراء من يعتقد أنهم قلة أصبح يتوقع أنهم آلاف، ومن كان يعتبر أنهم محصورون في بؤرة صغيرة بات مضطراً لتصور أنهم شبكة ممتدة ومتوسعة في أوروبا.
وهكذا تظهر المشكلة بكل تعقيداتها وقساواتها لتطرح على الجاليات المسلمة مهمات وواجبات قد تتصدى لها حماية للغالبية الآمنة والمسالمة والمنضبطة لكن شيئاً لا يضمن أن يكون ذلك كافياً ومجدياً. فالجالية المسلمة، في بريطانيا مثلاً، لم تكن حاضنة ومتبنية للرموز المتطرفة التي أسال الإعلام البريطاني كثيراً من الحبر في التحدث عنها. ولم تستشر الجالية حين استضيف هؤلاء كلاجئين، ولا هم استشاروا الجالية حين باشروا نشاطاتهم. وكما أن العراقيين لم يختاروا «القاعدة» لخوض مقاومة الاحتلال بالنيابة عنهم، كذلك لم تختر الشعوب والمجتمعات الإسلامية «القاعدة» لتدافع عن قضاياها ضد شعوب الغرب ومجتمعاته وحكوماته. هذه حرب اختار أحد طرفيها الآخر ووضع الشعوب في المصيدة. لكن أحداً لا يعوّل على «القاعدة» وإرهابها لتجد حلولاً للمظالم، في المقابل ليس هناك خيار آخر غير التعويل على الدول لتجد تلك الحلول.
عودة إذاً الى المسار السياسي الذي لا بد منه، طالما أن المسار الأمني لن يتوقف عن العمل في أي حال. انتظر العالم اجابات من الولايات المتحدة عن الأسئلة التي طرحتها غداة 11 سبتمبر، وأهمها: لماذا؟ ولم يمكن الحصول عليها. ثم كانت الحرب على الإرهاب واستمرت ولم توفر الاجابة الصحيحة عن: كيف نكافح الإرهاب؟ والآن كثرت الأسئلة لأن الأخطاء كثرت أيضاً. ربما يمكن المراهنة على أن بريطانيا ستكون أكثر جرأة في توفير الاجابات، وإذا لم تفعل فهذا يعني أن شيئاً لن يحصل لمعالجة ظاهرة الإرهاب سياسياً.