الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:39 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
السبت, 16-يوليو-2005
المؤتمر نت - انتهج الرئيس علي عبدالله صالح منذ بداية عهده أسلوباً سياسياً قائماً على الوضوح، والشفافية، والتدرج في الغايات – أو كما نسميه ( بناء المراحل)، وهو الأمر الذي حال دون الانزلاق إلى مراحل خاطئة، أو تجارب مفرغة الأساسيات.. ولا شك أن ذلك الأسلوب كان منطلق نجاح مسار العمل من أجل الوحدة اليمنية، وقاعدة نماء التجارب الديمقراطية... نزار العبادي* -
علي عبدالله صالح.. مغامرة رئاسة اليمن
كثير من الشعوب تستوقفها أيام تسنم زعمائها مقاليد الحكم، فتحميها لمجرد أنها بعض مراسيم ما ينبغي إحياؤه في البلد، وتقديم التهاني البروتوكولية بمناسبتها.. لكننا حين تستوقفنا اليمن في السابع عشر من يوليو 1978م بمناسبة مماثلة فإن مخيلاتنا – كباحثين – قبل أن تتيه في إحصاء إنجازات وأحداث، ومواقف تبلورت في عهد الرئيس علي عبدالله صالح، تنغمس في استذكار صفحات مؤلمة سجلت مفردات واقع اليمن التي قدم الرئيس علي عبدالله صالح من تفاعلات أحداثها وظلت قرينة أي حديث عن العهد الحالي.
فالرئيس علي عبدالله صالح لم يأت إلى السلطة من خلفيات سياسية آمنة، أو بيئة مستقرة، أو من ثنايا صفوف وطنية متلاحمة، ومدركة لمسئولياتها، بل دخل القصر الرئاسي بمغامرة توقع معظم السياسيين والمراقبين أنه لن ينجو بحياته منها، ولن يصمد أكثر من ستة أشهر – كحد أقصى بتقديرات أوروبية.
فالثورة التي فجرها اليمنيون عام 1962م بشق الأنفس وبتضحيات جسام لم يبق من ملامحها منتصف العام 1978م سوى المسمى والعلم الجمهوري، وثوارها المغلوبين على أمرهم بعد الشتات الذي آلت إليه القوى الوطنية اليمنية ضمن تيارات، واتجاهات فكرية وسياسية تعددت بها رؤى العمل السياسي، وتكرست بعض الجهود نحو الاقصاءات للآخر المختلف حتى تحولت إلى عبء على الثورة نفسها، فيما ظل الإرث لعهود الجهل والفقر والمرض والظلم متوارثاً يقصم ظهر الأنظمة المتعاقبة.
وإن الخلافات وغموض الأفق السياسي للسلطة والصدامات المستمرة قادت جميعها إلى تعطيل مسارات التنمية، وشل حركة النماء الاقتصادي، والثقافي والاجتماعي، كما كرست وضعاً إتكالياً ظلت الدولة فيه تعتمد بحوالي 80% من ميزانيتها على مساعدات دول الجوار – وبالدرجة الأولى المملكة العربية السعودية. وهو الأمر الذي فتح باب التدخلات الخارجية بالسياسة الوطنية على مصراعيه إلى درجة تسمية بعض رموز الحكومة.
ونتيجة لاخفاق الأنظمة الجمهورية المتعاقبة في وضع قراءة موفقة لمقتضيات المرحلة أصبحت كل الظروف على ساحة الشطر الشمالي – سابقاً - مهيأة للاختراق من قبل النظام السياسي الذي آلت إليه مقاليد حكم الشطر الجنوبي ضمن مناهج الإيديولوجيات الاشتراكية (الماركسية، واللينينية، والماوية). وبدا واضحاً أن الخلاف المتأجج بين نظامي صنعاء وعدن ما كان محصوراً في خلاف حدودي يطمع أحد أقطابه بشيء من أراضي الآخر، بقدر ما كان يرتكز إلى منهجية أيديولوجية يتطلع الاشتراكيون بها إلى تصدير فكرهم إلى ساحة الشطر الشمالي – ولو بقوة السلاح – ومن ثم إذابته تحت لواء دولة اشتراكية يحكمها قادة الجنوب؛ ليتجه السعي بعد ذلك نحو دول الجوار اليمني.
ولعل مجرد التفكير بأن عدن كانت أذاك تمثل ذراع القطب السوفياتي بالمنطقة في زمن الحرب البادرة لأدركنا أي قوة تلك التي تتحدى نظام صنعاء، في نفس الوقت الذي لم تكن صنعاء على قدر كاف من الحنكة السياسية لتقدير جسامة الخطر، أو تدبير سبل تحصين ساحتها الثقافية، وحماية دوائر سلطانها من الاستهداف. فقد تفاقم الشتات الوطني بتطوير وعي الأطياف السياسية واتسعت هوة الفراغ السياسي جراء غياب الأطر الدستورية التي تكفل فرص العمل السياسي، وبذلك أتيحت أمام بعض التيارات الماركسية فرصاً ذهبية لتصدير أفكارها، والاستشراء داخل مجتمع شطر الشمال.
إن ذلك التوغل المتنامي بسرعة مذهلة بلغ أوج خطورته في اختراقة القصور الرئاسية، وبالتالي اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي قبل يومين فقط من موعده في عدن لتوقيع اتفاقية الوحدة. ثم بعد سبعة اشهر تم اغتيال الرئيس أحمد الغشمي، وبعده بيومين تصفية الرئيس سالم ربيع علي – رئيس الشطر الجنوبي – بعد اتهامات جزافية ومحاكمة صورية.
إذن فاليمن عشية اغتيال الرئيس الغشمي بحقيبة ملغومة حملها بمعوث سالمين (بعد إبداله) استحالت بلداً مباحاً لمن يجرؤ على نهبه والاستيلاء على مراكزه السيادية.
أما فيما يتعلق بثورة (26) سبتمبر وأهدافها، فقد باتت هي الأخرى رهن من يصادرها، فالسيادة الوطنية منتهكة على نحو صارخ، والهوية العقائدية والثقافية آخذة بالانصهار في ركب المد الماركسي، فيما قسم العدالة والمساواة نسفتها الأوضاع الطائرة للدولة جراء صدامات القوى الداخلية مع بعضها، والمواجهات الحدودية، والاغتيالات السياسية. أما التنمية فقد شلتها أوضاع البلد غير المستقرة – بما يعني أن الثورة حتى عام 1978م لم تبلغ شيئاً من أهدافها الستة غير النظام الجمهوري وعلمه. وظل الإرث الملكي هو التحدي الأكبر.
إن التحديد الدقيق لملامح فترة ما قبل السابع عشر من يوليو 1978م يرسم صورة واضحة لجسامة التحديات التي كانت اليمن تواجهها أنذاك، وتؤكد صعوبة المهمة التي ينبغي على أي رئيس يقبل بحكمها القيام بها من أجل إعادة الآمن والاستقرار أولاً، وتطهير المؤسسات السيادية من الاختراق وإيقاف زحف عصابات التخريب للجبهة الوطنية المدعومة من نظام عدن، وتحصين الساحة الوطنية من الغزو والفكر الماركسي، وإعادة جمع شمل صفوف القوى الوطنية، وشغل الفراغ السياسي، ثم الالتفاف إلى المساواة التنمية المختلفة.
ومن هذا المنطلق والفهم التاريخي لسياق الظروف اليمني نعتبر السابع عشر من يوليو 1978 هو الفاصل التاريخي الحقيقي بين حقبة انتكاس اليمن وثورتها وبين حقبة انتعاش اليمن وثورتها.. وهو أمر لم يكن من السهل التحول إليه لولا المهارة السياسية العالية التي تعامل بها الرئيس علي عبدالله صالح مع كل تلك التحديات الآنفة الذكر.
ويمكن القول أن أهم أسباب نجاة الرئيس علي عبدالله صالح من مغامرة قبول الترشيح للرئاسة هي أنه راهن أولاً على الوحدة الوطنية، مستفيداً من مهارته وطول نفسه في الحوار، وأسلوبه المتميز في الإقناع، فكان أن شكل من تلاحم تلك القوى سياجاً أمنياً، وكان له الفضل الأول في صد فلول الجبهة الوطنية الماركسية. والقضاء عليها نهائياً بحلول عام 1982م.
لقد انتهج الرئيس علي عبدالله صالح منذ بداية عهده أسلوباً سياسياً قائماً على الوضوح، والشفافية، والتدرج في الغايات – أو كما نسميه ( بناء المراحل)، وهو الأمر الذي حال دون الانزلاق إلى مراحل خاطئة، أو تجارب مفرغة الأساسيات.. ولا شك أن ذلك الأسلوب كان منطلق نجاح مسار العمل من أجل الوحدة اليمنية، وقاعدة نماء التجارب الديمقراطية والتحول من التعددية السياسية إلى التعددية الحزبية، ولعل إيلائه الخيار الأول لمناهج العمل السياسي السلمي كان في مقدمة عوامل انتعاش حركة التنمية الوطنية وازدهار الحياة اليمنية.
من المؤكد أن القراءة الأصوب لعهد الرئيس علي عبدالله صالح لا ينبغي أن تبدأ من يوم السابع عشر من يوليو 1978م بل من فترة زمنية سابقة لذلك التاريخ من أجل فهم الواقع اليمني، وإشكالياته، وتحدياته السياسية، وحقيقة الخيارات التي تبناها الرئيس لمواجهة الظرف التاريخي العصيب. ولكي نفهم أيضاً لماذا يصف الباحثون صعود الرئيس علي عبدالله صالح إلى رئاسة اليمن بأنه مغامرة!
وحتماً إن الإلمام بظروف وملابسات ما قبل السابع عشر من يوليو 1978م سيغني عن الحديث عن إنجازات الرئيس علي عبدالله صالح وتضحياته، وما قدمه لليمن، وشعبها؛ وربما يكفي المرء جولة ساعة في صنعاء اليوم ليدرك أي نوع من الزعماء هو الرئيس علي عبدالله صالح..
* كاتب وباحث عراقى




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر