رأي البيان/ متابعات -
خطر الوقوع في الفخ
نشوب حرب أهلية فلسطينية، هدف إسرائيلي استراتيجي. تل أبيب طالما سعت إليه تحت ستار مطالبة السلطة بضرورة محاربة «الإرهاب» وتفكيك بنيته التحتية. يعني تجريد الفصائل الأخرى من سلاحها وبالقوة. ومثل ذلك وصفة للاصطدام معها.الأطراف الفلسطينية جميعها أعلنت مراراً وتكراراً أنها واعية لهذا الفخ وأن السلاح الفلسطيني لن يرتفع بوجه أهله، تحت أي ظرف من الظروف.
حتى اللحظة، الالتزام سارٍ بهذا التعهد. وذلك على قاعدة الإدراك بأن النزف الداخلي خدمة مجانية لإسرائيل. لكن التسليم بهذه الحقيقة شيء والقدرة على ترجمتها على الأرض شيء آخر. التطبيق له شروط موضوعية وليس فقط مسألة نوايا. وما يدعو إلى القلق أن الفترة الأخيرة بدأت تكشف عن ضمور هذه القدرة وسرعة عطبها، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من انكشاف الوضع الفلسطيني ومن تآكل مناعته أمام الاستهداف الإسرائيلي.
من البداية، قامت العلاقة بين الخطين المختلفين فوق الساحة الفلسطينية على حد معيّن من التفاهم. ومن البداية كان هذا التفاهم من الصنف الإجباري الذي تفرضه الحاجة الظرفية، وليس من صنف التوافق الاختياري. لذلك بقي محكوماً بالهشاشة، كان يُصاب بالخلل عند أي اهتزاز. والخلل كان يعالج بالاحتواء والحاجة إلى التعايش. الأمر الذي ترك الاحتكام للسلاح خارج اللعبة.
لكن عند كل هزّة كان التعايش يُصاب بالتآكل. ومع ازدياد الضغوط أو اقتراب الاستحقاقات، كانت تجري عمليات استدراك برعاية إقليمية، لضبط التصدع. ومن هنا جاءت الحاجة لمباحثات ولقاءات القاهرة بين كل الفصائل. تكررت وتعثرت وجرى تعويمها باتفاقات ضبابية، في أحسن أحوالها. مع ذلك بقيت الخلافات قابلة للاستيعاب. على الأقل حسابات كل طرف فرضت ذلك.
إسرائيل لا يروق لها ذلك. بعد كل اتفاق بين الفصائل وبالتحديد اتفاقات «الهدنة» أو «التهدئة» كانت تعمد إلى الاستفزاز بالاغتيالات أو بتشديد الحصار، ناهيك بالجدار والتمدُّد الاستيطاني، وبالدرجة التي تكفل الرد على عدوانها. وعندما يحصل ذلك، تسارع الحكومة الإسرائيلية إلى الضغط على السلطة وتجديد طلبها القديم ـ الجديد، حول وجوب «ضرب الإرهاب» مع التهديد بعدم العودة إلى «خريطة الطريق» إذا لم يتحقق ذلك تدين السلطة الرد وتعود مرة أخرى إلى الفصائل لضبط الأمور ورأب الصدع.
ومع تكرار هذه الدورة ازداد التوتر بين الاثنين. وأكثر من مرة وقعت احتكاكات مسلحة بينهما، وأول من أمس شهد آخر عيّنة من هذا النموذج، ومن جديد تصاعد الضغط الإسرائيلي وحملاته العسكرية، ومعه سارع الرئيس الفلسطيني إلى غزة لإحياء التهدئة. في الواقع لإحياء التفاهم الفلسطيني ـ الفلسطيني ومن شبه المؤكد أن تواصل إسرائيل اللعب على التفاهم الهش بين الفلسطينيين للإيقاع بينهم. فهل يقوى هؤلاء على تفويت الفرصة وعدم الوقوع في هذا الفخ؟.