الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:50 ص
ابحث ابحث عن:
عربي ودولي
الأربعاء, 20-يوليو-2005
المؤتمر نت - الدكتور سيف العسلي د. سيف العسّلي/ متابعات -
تصحيح أسعار المشتقات النفطية.. ضرورة اقتصادية واجتماعية وسياسية
يصاب المرء بالحيرة لحجم المزايدة التي يشمها من النقاش الجاري هذه الأيام حول قرار الحكومة تصحيح أسعار المشتقات النفطية، ويصاب المرء بالإحباط لتجاهل المصلحة الوطنية في هذا النقاش والتركيز القوي على الآثار السلبية فقط.. ويصاب المرء لغياب الموضوعية في نقاشات مهمة كهذه يصاب بالدهشة إزاء هذه السلبية التي اجتزأت الموضوع في التركيز على الجانب السعري وفصلته عن أثره على الإصلاحات الأخرى وخصوصاً الإصلاحات الإدارية وفعالية شبكة الضمان الاجتماعي، فالأحزاب السياسية مع الأسف تهتم فقط بتشويه سمعة الحكومة، ولذلك فهي لا تفرق بين ما هو ضروري للمجتمع وما هو غير ذلك ومن ثم فإنها تعارض لمجرد المعارضة دون أن تقدم بدائل لحل هذه المشكلة.
في ظل هذه الحيرة لا يدري المواطن العادي من يصدق، ما من شك بأن عملية التصحيح هذه مؤلمة.. لكن فإن أي علاج فلا بد أن تكون له مضاعفات جانبية واذا تمت المقارنة بين الآثار السلبية والآثار الايجابية فإن الآثار الايجابية تفوقه بكثير، صحيح أن المواطن العادي سيمسه بعض الضرر لكن ما سيترتب على عملية التصحيح هذه من منافع ايجابية له كثيرة جداً، لا توجد حكومة في العالم تتعمد الاضرار بمواطنيها لكنها قد تجبر على ذلك لمنع ضرر أكبر، وفي هذا الإطار فإنه من الضروري الأخذ بعين الاعتبار الضرورات التي تملي عملية تصحيح أسعار المشتقات النفطية هذه.
في هذا المقال سنحاول ذكر بعض هذه الضرورات وفي هذا الإطار فإنه يمكن القول بدون مزايدة أن هناك ضرورات اقتصادية لتصحيح أسعار المشتقات النفطية الاحتياطيات المتوفرة لليمن من النفط الخام متدنية جداً ومن المتوقع أن تنضب في المستقبل القريب وفي حال الاستمرار في بيع مشتقاتها بأسعار متدنية فإن ذلك سيعمل على سرعة نضوبها. وعندما يتم ذلك فإنه لا مناص من رفع أسعارها إلى المستويات الدولية. أي أن عملية تصحيح أسعار المشتقات النفطية أمر حتمي الآن أو في المستقبل القريب.
ان بيع أي سلعة بأقل من سعرها الحقيقي يؤدي إلى تبذيرها في الأجل القصير وانعدامها في الأجل المتوسط والطويل بسبب المبالغة في استهلاكها في الداخل وتهريبها للخارج. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن بيع سلعة كالمشتقات النفطية بأقل من سعرها يعني توزيع الموارد العامة بين المواطنين بما يخالف مبدأ العدالة لذلك نجد حتى الدول الغنية بالنفط مثل المملكة العربية السعودية وعمان وأمريكا وروسيا تبيع مشتقاتها النفطية بأسعار مرتفعة جداً عن مثيلاتها في اليمن.
المستفيد الأكبر من بيع المشتقات النفطية بأقل من سعرها الحقيقي هم الأغنياء وبما أن هذا المورد هو ملك لجميع المواطنين فإنه لا ينبغي أن يستفيد منه البعض على حساب الآخرين وخصوصاً الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة، المستفيدون من الأسعار المنخفضة للمشتقات النفطية هم المهربون وكبار القوم الذين لديهم مولدات كهربائية تشغل الديزل وكبار المزارعين وتجار المياه. أما الغالبية العظماء من الناس البسطاء وخصوصاً سكان الريف فإن استفادتهم من الأسعار المنخفضة للمشتقات النفطية محدودة تتمثل في تكاليف نقل السلع والخدمات فقط.
ان تصحيح أسعار المشتقات النفطية سيمكن الحكومة من الاستمرار في توسيع التعليم وتحسين الخدمات الصحية وتوسيع شبكة الطرق وايصال الكهرباء إلى جميع مناطق البلاد وبناء شبكات الصرف الصحي وتنقية المياه وتحليتها. ان تصحيح أسعار المشتقات النفطية سيمكن الحكومة من تحسين مرتبات موظفي الدولة المدنيين والعسكريين. ان تصحيح أسعار المشتقات النفطية سيمكن الدولة من التوسع في عملية التعليم الفني والاستثمار في البنية التحتية وتوفير فرص العمل وتخفيض معدل البطالة، ان تصحيح أسعار المشتقات النفطية سيمكن الدولة من توسيع شبكة الضمان الاجتماعي.
لذلك فإن لتصحيح أسعار المشتقات النفطية فوائد جمة لجميع المواطنين والتي يمكن أن تعوض بعض المتضررين، فإذا لم يتم القيام بهذه الاجراءات فإن العواقب ستكون وخيمة، ففي هذه الحالة فإن الحكومة ستجبر إما على إيقاف بناء المدارس الجديدة وعدم صيانة المدارس القائمة أو إغلاق بعضها لعدم توفر المدرسين لها وعدم تزويدها بالكتب وإغلاق المستشفيات والجامعات وتسريح عدد كبير من موظفي الخدمة المدنية واما على تمويل هذه الانشطة من طباعة النقود الأمر الذي سيعمل على رفع الاسعار بطريقة جنونية، وبلاشك فإن تحمل ارتفاع صغير ومتحكم به في أسعار بعض السلع والخدمات أفضل بكثير من تحمل الارتفاع المستمر للأسعار الذي سيعمل للقضاء على الأخضر واليابس.
أما الضرورات الاجتماعية التي تقتضي تصحيح أسعار المشتقات النفطية فتتمثل في تحقيق العدالة بين المواطنين اذا أخدنا في الاعتبار بأن الجميع لا يستفيد من الأسعار المتدنية للمشتقات النفطية بالأغنياء يستفيدون على حساب الفقراء والحضر يستفيد على حساب الريف.
مع أن العدالة الاجتماعية تقتضي تصحيح أسعار المشتقات النفطية واستخدام الإيرادات المترتبة على ذلك في تحسن الخدمات الاجتماعية التي يستفيد منها الفقراء في الريف.
أما الضرورات السياسية فتتمثل في أن ارتفاع عجز الموازنة المترتب على استمرار دعم المشتقات النفطية سيدفع الحكومة إلى طلب المساعدة من الخارج أو الاقتراض منه ولاشك أن ذلك سيترتب عليه الخضوع للشروط الخارجية وتبني مواقف قد لا تتفق مع المصلحة الوطنية.
لذلك فإن على المواطنين تفهم الضرورات التي استدعت مثل هذه التصحيحات في أسعار المشتقات النفطية وعلى الحكومة أن تحرص على توجيه الموارد الجديدة إلى المجالات التي تخدم الاقتصاد الوطني في توليد مصادر دخل جديدة تحل محل موارد النفط وأن تعمل على اتخاذ السياسات والاجراءات الضرورية لتعويض الفئات الأكثر تضرراً من هذه التصحيحات السعرية وعلى أحزاب المعارضة أن تتعاون مع الحكومة في عملية الإصلاح هذه لأن الأمر يتعلق بالمصلحة الوطنية العليا التي يجب أن تكون بعيدة عن المناكفات السياسية.
فبدلاً من التركيز على التصحيحات السعرية الضرورية فإن على الحكومة والمعارضة التنافس في حجم وطبيعة الاصلاحات الاقتصادية الأخرى الضرورية لتحسين المستويات المعيشية للمواطنين فإذا ما نجحت الحكومة في تنفيذ عملية تصحيح أسعار المشتقات النفطية فإن ذلك سوف لن يحل لها كل مشاكلها أو أن المعارضة لن تجد أي قضية أخرى لإسقاط الحكومة.
تستطيع المعارضة أن تراقب الكيفية التي ستتصرف بها الحكومة في استخدام الايرادات الجديدة. وإذا لم تحسن استخدامها فإن المعارضة تستطيع أن تسقطها عندئد.
فيجب علينا أن نحدد ما يمكن أن نختلف عليه وما يجب أن نتفق عليه إنني أعتقد أن التصحيحات السعرية قضية يجب أن يعمل على إنجاحها الجميع.
نقلاً عن الثورة




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر