الخليج / د. عبدالعزيز المقالح /متابعات -
مقاومة أم إرهااب ؟
ليست المرة الاولى ولن تكون الاخيرة التي ينقسم فيها الفكر الانساني بحثاً عن العثور على تحديد مفهوم دقيق وثابت للتفريق بين المقاومة والإرهاب. وكان ينبغي ان يصل هذا الفكر الحائر الى مثل هذا التحديد المطلوب منذ سنوات، وقبل ان تصل الامور الى ما وصلت اليه من مأساوية، يضاعف منها ما يحدث من خلط في المفاهيم لدى وسائل الاعلام، علماً بأن الامر على درجة عالية من الوضوح ولا يستحق كل هذا العناء والاختلافات ومحاولات التعتيم على الحقيقة، فالإرهاب واضح ولا اسباب له، والمقاومة واضحة ولها اكثر من سبب وأكثر من مبرر.
واذا كان هناك تداخل بين أحاديث الارهاب والمقاومة فالاسباب راجعة الى الكبار المتنفذين، والذين يرفضون الاعتراف بوجود المقاومة ويعتبرون تصرفاتهم فوق كل شبهة. ومنذ احداث 11 سبتمبر/ايلول 2001 وقبلها وما بعدها، ثم منذ احتلال العراق وما رافقه وتلاه، بل ومنذ احتلال فلسطين وما حدث ويحدث على تلك الارض الطيبة من ارهاب استيطاني لا يعترف به الكبار، ومن مقاومة مشروعة للشعب الفلسطيني لا يعترف بها الكبار ايضا. واخيرا منذ تفجيرات لندن وما سبقها، والكبار لا يعترفون بأن هناك عوامل وأسباباً تقف وراء كل محاولة. ومن يتابع المناقشات والتحليلات العميقة والطويلة التي اعقبت تفجيرات لندن الاخيرة سوف يعثر على ثلاث حقائق من شأنها ان تفرق بين الارهاب والمقاومة والحقائق الثلاث هي:
* اولاً: مأساة فلسطين وشعبها المشرد في الملاجىء والخاضع للاحتلال والارهاب والاستيطان، وما يبعثه ذلك الواقع المأساوي غير الانساني من ردود افعال لمقاومة مشروعة ومبررة.
* ثانياً: حالة العراق الخاضع للاحتلال الامريكي البريطاني والذي اصبح مسرحاً لقتال فاجع سببه الحقيقي وجود الاحتلال واستمرار جنوده في المداهمات ومحاولة تصفية كل من يشكون في عدم اخلاصه وولائه للاحتلال الغريب الذي يدعي انه انما جاء لتخليص العراق من الطاغية الذي لم يعد موجوداً.
* ثالثاً: الفقر، هذا العدو اللدود الذي يقسم البشرية الى اغنياء يتمتعون بكل شيء يحلمون به، والى فقراء لا يربطهم بالحياة إلا أمل يتضاءل كل يوم ويتحول الى سراب لا يمكن الامساك به. وهذا الواقع يشكل مقاومة من نوع خاص تقوم على بذر الكراهية والشعور بعدم جدوى الحياة وانتظار الموت على سرير الجوع!
تلك هي الحقائق الثلاث التي ترسم ملامح الاسباب المؤدية الى التذمر والمقاومة في الوطن العربي، والتي تستدعي وقفة صادقة من المتنفذين الكبار في العالم، حتى لا يصحو العالم كل يوم على صوت دوي الانفجارات وأصوات المناحات والتحليلات العاجزة عن متابعة الاحداث وربطها بأسبابها ومسبباتها المعلنة والخفية.