رأي الميثاق -
الاحـتـجــاج الـمـدمّـــر
المخربون استهدفوا كل شيء تقريباً، الممتلكات العامة كانت هدفاً لهم والممتلكات الخاصة كانت هدفاً لهم، ورجال الشرطة كانوا هدفاً لرصاصاتهم وأحجارهم وزجاجاتهم الحارقة، حتى المنازل انتهكوا حرماتها، مقرات المؤتمر الشعبي العام كانت من ضمن أهداف المخربين.. لقد اعتدوا على الوزارات والمكاتب الحكومية والبنوك والشركات والمتاجر ومحطات الوقود والنقل والسيارات وخربوا الشوارع، وقتلوا عددا من رجال الشرطة ، واسفر هذا العدوان والتخريب عن خسائر فادحة..
هذا التخريب كان بالمقابل موضوعاً للإدانة في بيانات الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وكل أبناء الشعب، باعتباره سلوكا غير مشروع وغير حضاري، يجرمه القانون ويعاقب عليه..
إن أولئك المخربين اعتدوا على الأرواح والممتلكات ومارسوا العنف والنهب بجرأة وفي ابشع صورة، وأعلنوا صراحةً تحديهم للقانون. على آن الادانة وحدها لا تكفي، كما ان عودة الحياة العامة الى وضعها الطبيعي لا ينبغي ان تنسينا الهدف الآخر وهو ملاحقة الفاعلين، وعلى الحكومة التنبه الى اهمية هذه القضية، فلن يعذرها احد ان لم تحقق في القضية وتكشف للرآي العام حقيقة ما جرى وتقديم مرتكبي هذه الاعمال التخريبة للعدالة لينالوا جزائهم..
لم يكن هذا التخريب رد فعل عفوي غير رشيد، ولم يندفع هؤلاء المخربين من تلقاء أنفسهم وبدون قيادة.. فقد جرت الاحداث على الارض بصورة منسقة ومنظمة في الغالب، وهي بطبيعتها تكشف كما لو ان هناك قيادة كانت تخطط، كانت لديها شعاراتها الجاهزة وطريقتها في حشد الجموع واثارتها، تقطع الطرق وتعيق حركة التنقل وتخرب كل متجر مفتوح الباب لتدفع الجميع الى إغلاق محلاتهم، كانت هناك قيادة تعرف جيداً العناوين التي يجب أن يصل إليها المخربون، وتحدد الأهداف المختارة..
إن أحداث الأربعاء والاحداث التي تلتها ينبغي أن لا تسجل ضد مجهول، فما حدث ليس بالأمر الهيّن، ولابد من اجراء تحقيق شامل ومتأنٍّ للكشف عن الفاعلين الرئيسيين في هذه الأحداث ومساءلتهم، وتحميلهم نتائج أفعالهم..
إن الذين يحرضون ضد المؤتمر الشعبي العام وحكومته لم يكفوا عن هذا التحريض في هذه الأثناء بعد أن صعَّدوا هذا التحريض وهم يقودون الغوغاء ويدفعون بهم الى اقتلاع كل شيء يمكن اقتلاعه وممارسة العنف في أقسى صورة ضد الآخرين بما في ذلك رجال الشرطة.. كل شيء كان مباحاً، يهتفون »الله أكبر« ليقتلعوا شجرة، يكبرون وهم يكسرون، يكبرون عندما ينهبون، وعندما يرمون رجال الشرطة ويحطمون سيارات المواطنين ويُكرِهون أصحاب المتاجر على إغلاق محلاتهم، وكان الله براء منهم ومن اعمالهم.
لقد كشفت هذه الأحداث أن بعض الاطراف المتضررة من الاصلاحات التي تشعر بتراجع حصتها من التهريب، تحاول أن تجرب طريقة أخرى لجذب الجماهير نحوها، ولكنها هذه المرة جذبت إليها المخربين وقادت مجموعة بلاطجة ومعهم بعض المخدوعين والمتأثرين بالتحريض السياسي الممنهج ضد المؤتمر الشعبي وحكومته التي تحملت مسؤوليتها بشجاعة في هذا الوقت الذي يرفع فيه الاخرون ايديهم عن حمل مسؤولياتهم ولجأوا الى التحريض والمزاودة والمكايدة السياسية حول قضية لا تحتمل هذا الهزل.
منذ زمن اعتادوا وصف الاصلاحات الاقتصادية »بالجرعة« وظلوا يعبئون المواطنين من خطر هذه الاصلاحات وخاصة الأخيرة منها والتي قالوا عنها »الجرعة القاتلة« وهم يدركون مثلنا - جيداً أن هذه الاصلاحات ضرورية وملحة، وأن رفع جزء من الدعم عن المشتقات النفطية سيصب في النهاية في خدمة الاقتصاد الوطني وتحسين ظروف معيشة الناس، لكنهم يحاولون استغلال الارباكات التي تشهدها السوق في مثل هذه الحالة، ويقولون للمواطنين: انظروا هذا هو جزاؤكم لأنكم وقفتم الى جانب المؤتمر الشعبي في الانتخابات، وها هي حكومة المؤتمر ترفع أسعار السلع، وهذا يعني في الأخير أن عليكم أن تمنحونا أصواتكم في الانتخابات القادمة.
أصحاب هذا المنطق المتهافت سوف يفتضحون في النهاية لأن ما يعتقدون أنه مصدر قوة لهم للتأثير في الناس وتهييج الغوغاء هو نفسه مصدر ضعفهم، وأن استغلال الظروف الآنية لا يحقق سوى متعة مؤقتة سرعان ما تزول بزوال تلك الظروف التي لن تستمر سوى لفترة محدودة، وسيكتشف المواطن بعد ذلك أن الاصلاحات الاقتصادية تخدمه ولا تضره..
إن هؤلاء الذين يستغلون الآثار الجانبية المؤقتة لهذه الاصلاحات ليشعروا الناخبين أنهم لم يحسنوا الاختيار عندما صوَّتوا للمؤتمر الشعبي في انتخابات ٣٠٠٢م لا يفطنون شيئاً في علم الاقتصاد وليس لديهم أي برنامج اقتصادي.. إنهم يحسنون التحريض ويطالبون بالاصلاح السياسي، أما الاصلاح الاقتصادي والمالي والاداري على آهميته وأولويته بالنسبة لنا اليوم، فليس مطلباً من مطالبهم.