.. - ماتحتاج إليه المعارضة يبدو انه لم يتبق لبعض أحزاب المعارضة السياسية اليمنية أن تدفع به افتضاح عجزها المخجل في معتركات العمل والبناء والإنجاز غير التمترس وراء مفردات هجومها الخطابي الطائش وغير المسئول على تعامل الحكومة مع تداعيات الاعلان عن اصلاحاتها السعرية مؤخرا.. غير أن هذا فى الواقع لا يعنى أن تلك الأحزاب ستكون قادرة من خلاله على عمل شيء يذكر ، لاعلى تضليل هذا الشعب وتزييف وعيه- بعد أن خبرها واكتشف غير مرة زيفاً شعاراتها - ولا على التشكيك بجدية ونجاعة الإصلاحات التي تجريها الحكومة على حالة الاقتصاد الوطني، ولا حتى على إخفاء مظاهر الإفلاس الأخلاقي وظواهر الفساد السياسي التي تغرق فيه تلك الأحزاب حتى أذنيها ليس الآن فقط ولكن ايضاً منذ زمن ليس بالقصير لم تستطع خلاله أن تنتشل نفسها، من وهدة ما تعانيه داخل أُطرِها وتكويناتها ودوائر عملها من عبث وفوضى وتكلس، واستبداد، ومن وهنٍ وتخلف؛ ناهيك عن أن تكون في وضع يؤهلها للانتقاص من جهد وبذل غيرها وفى طليعة ذلك موسوعة الإنجازات والمكاسب الضخمة، التي أحرزتها باستحقاق جدير بالتقدير حكومات المؤتمر الشعبي في كل مسارات التطور التاريخي لليمن وشعبه.
من يتصورون اليوم أن اليمن (وصل إلى نهاية النفق المسدود) لا شك إنما يرسمون صورتهم لا صورة اليمن، وإنما يعبرون عن مأزقهم الخاص، وليس عن هذا الظرف الاستثنائي الذي تعبره البلاد كما عبرت من قبله عشرات المآزق التي وضعها فيها أولئك المتباكون اليوم –كذباً- على أحوالها..
هؤلاء الذين يعلنون اليوم رفضهم لسياسات "الجرع" دون أن تكون لديهم رؤية للإصلاح الاقتصادي، بديلة عن إجراءات حكومة المؤتمر؛ لا يمكن لهم أن يثيروا برفضهم هذا غضب الشعب، أو حتى اكتراثه بما يزعمون، ولن يثيروا – فى أي حالٍ- سوى الرثاء لديه عليهم، وغير إشفاقه على مراوحتهم عند ذات الاقاصيص ؛ بل والمفردات ذاتها وغير ذلك من الخطب الرنانة والتعبيرات المتشنجة مما عفى عليه الزمن، وتجاوزه وعي ذلك الجمهور نفسه الذي دفعوا ببعضه ذات يومٍ ليهتف (تخفيض الراتب واجب)!
إن قراءة عابرة في أفق ذلك الخطاب المنبري لا السياسي لأحزاب (المشترك) لترسم للجميع صورة واضحةً عن تلك المسافة التي لا تزال تعزل النخب المستبدة من قيادات تلك الأحزاب عن قواعدها وتفصلها عن العصر الذي نعيشه اليوم فى اليمن ؛ كما تفصح تلك الصورة ايضا عن استفحال عجز تلك القوى عن التعبير عن قضاياها واستحقاقاتها المطلبية، وعن خلافها واختلافاتها مع الذات أو الآخر بواقعية سياسية معاصرة ومتمدينة تأخذ بعين الجدية والاعتبار طبيعة وعمق التحولات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، التي يشهدها الوطن والمنطقة والعالم.
لقد طوى الشعب اليمنى كل ملفات الماضي وخلفها منذ زمن طويل وراء ظهره متجاوزا عن قضاياها ومترفعاً عن خطايا المسئولين عنها، ولن يفلح احد بعد اليوم فى اشغاله بإعادة انتاج صراعات الأمس ونبش جراحاته او صرفه عن مجابهة تحديات ومهام المسقبل..
وإن ما تحتاجُ قوى كثيرة فى المعارضة السياسية اليمنية بحق اليه هو أن تعيَ جيداً أنه مالم لم يكن لديها من البدائل البرامجية الجادة ما يبرهن على موضوعية خطابها وصدقية مواقفها النقدية لسياسات الحكومة؛ فما من ممارسة أخرى يمكن أن تجعل لها فى الساحة وزناً او تعطى لمعارضتها أى معنى.
|