المؤتمر نت - نـزار العبـادي -
المهمّة الديمقراطية المناطة باليمن
بين ما يثار من جدل حول الديمقراطية في اليمن، وآفاق ما يمكن أن تتمخض عنه هذه التجربة مستقبلاً، وبين إيلاء اليمن مسئولية مساعدة الديمقراطية في المنطقة بجانب كل من إيطاليا، وتركيا – الدول الثلاث التي أولتها قمة الدول الثماني الكبرى ثقتها في لعب هذا الدور – يبرز سؤال مهم: هل بلغت التجربة الديمقراطية اليمنية من النضوج ما يؤهلها لمساعدة الآخرين ؟ ولماذا اليمن دون سواها من بلدان الشرق الأوسط !؟
لا شك أن التقييم الموضوعي للتجربة اليمنية يتخذ بُعدين: أولهما داخلي تتجاذب محاوره قوى المعارضة عبر تصريحات سياسية مباشرة من قبل رموزها القيادية، أو غير مباشرة عبر وسائلها الإعلامية، وهي في كلا الحالتين تنهال على الممارسات الديمقراطية بالنقد، والتجريح، وحتى القذف العلني الذي يخرج عن طور الحريات التعبيرية المتاحة ديمقراطياً.
أما البعد الثاني فهو خارجي تتناوله مؤسسات دول الديمقراطيات الراسخة بمحاور عقلانية ومنطقية ترى من خلالها كل ما تثيره قوى المعارضة من صخب حول مختلف الشئون السياسية اليمنية بمثابة مخاض ديمقراطي حقيقي – خلافاً لما تقوم بترويجه بنفسها – لأن من غير المنطق الادعاء بغياب الديمقراطية؛ في الوقت الذي تمتلك فيه المعارضة إرادتها في التعبير عن آرائها، وبلورة مواقف سياسية جماعية أو منفردة إزاء السياسات الحكومة، وتنفيذ الإضرابات، والاعتصامات، والمظاهرات دونما ردع من أجهزة السلطة أو تغاضٍ عن المطالب التي تنشدها.
ومن هنا لا تجد المؤسسات الدولية المعنية بتطور الديمقراطية في العالم في تلك الممارسات ، أو فيما تتداول الصحف المعارضة أية إساءة للتجربة اليمنية، أو ما يمكن عدهّ خطأ ديمقراطياً بقدر ما تفهمه على أنه سلوك طبيعي تستنفذ فيه القوى الوطنية في دول الديمقراطيات الناشئة خياراتها، ومحاولاتها، حتى تصل إلى قدر من الوعي والنضوج الذي يحوّلها إلى قوى سياسية فاعلة وضاغطة، ومؤثرة بشدة على اتجاهات القرار السياسي للسلطة – على غرار المخاض الذي مرت به التجارب الراسخة للديمقراطية.
وبالعودة إلى سؤالنا حول مدى نضوج التجربة الديمقراطية اليمنية وأهليتها لمساعدة الآخرين، فإن القراءة الموضوعية للتجربة تؤكد أنها في طور التنامي، والتطور، ولم يكتمل نضوجها بعد بالقدر ا لذي تضاهي به تجارب دول أوروبية، أو دولة عربية كالمغرب العربي – رغم أن بعض الممارسات اليمنية تتفوق على المغرب وبعض دول أوروبا مثل حريات الصحافة – بحسب تقييم السيدة "ديبريانسكي" مساعدة وزير الخارجية الأمريكية خلال زيارتها لليمن مطلع العام الجاري.
لكن الديمقراطية اليمنية تتمتع بخصوصيات جعلتها موضع ثقة قمة الدول الصناعية الكبرى بأنها قادرة على تبني دور الريادة في المنطقة ومساعدة دولها على التحول الديمقراطي في إطار "لجنة مساعدة الديمقراطية" المشكّلة من إيطاليا وتركيا واليمن.
ولعل في مقدمة تلك الخصوصيات هي أن الديمقراطية اليمنية ذات هوية إسلامية، وانتماء عربي تجعلها أنموذجاً مثالياً لدول المنطقة في شبه الجزيرة العربية، والخليج العربي، والقرن الأفريقي التي ما تزال بلدانها تتهيب التحولات الديمقراطية، وتلصق بها الكثير من الاتهامات مثل: مخالفة العقيدة الإسلامية، ومسخ الأعراف، والتقاليد والتعارض مع القيم الأخلاقية لشعوب المنطقة وغيرها من الذرائع التي تتنصل بها بعض الأنظمة عن مسئولياتها في التحول الديمقراطي – في الوقت الذي لم يحدث شيء من هذا القبيل في اليمن على الرغم من مرور ما يناهز خمسة عشر عاماً على التحول إلى النظام التعددي الحزبي، والحريات الصحافية، وحريات المرأة ومشاركتها الاجتماعية، والسياسية والمهنية.
أما الأمر الآخر الذي حمّل اليمن مسئولية مساعدة الديمقراطية في المنطقة هو أن تجربة اليمن لم يتم استنساخها من تجارب أوروبية أو أمريكية أو غيرها، بل سلكت طريقاً خاصاً جداً مهّد خطاه الرئيس علي عبد الله صالح بخيارات توسّم فيها عمل جميع القوى الوطنية تحت مظلة صيغة موحدة "المؤتمر الشعبي العام"، في إطار تعددية سياسية، تم خلالها بناء الكوادر، وتطوير مهارات العمل السياسي لمختلف القوى، ومراكمة الخبرات والتجارب، وصولاً إلى المناخ الملائم للانتقال إلى التعددية الحزبية عقب إعادة تحقيق وحدة الثاني والعشرين من مايو 1990م.
وهي بذلك لم تقفز فوق ظروفها المحلية بواقعها الاجتماعي، والثقافي، والاقتصادي، والإقليمي بل كان التحول إليها تدريجياً، وهو الأمر الذي يتيح أمام دول المنطقة فرصة الاقتداء بتجربة اليمن في البناء الديمقراطي، والاستفادة من خبرات القيادة السياسية اليمنية في كيفية التوفيق بين ظروف الواقع وغايات التحول الديمقراطي المنشود.
إن ما يعزز التوجه الدولي في إمكانية قيام اليمن بدور إيجابي على الصعيد الديمقراطي هو الامتداد الجغرافي والثقافي والتاريخي الذي تمثله اليمن لدول المنطقة، وبالتالي فإن تقارب الظروف، يعني تقارب فرص النجاح لأي تجربة تعتزم إحدى دول المنطقة محاكاة اليمن فيها،، وهذا ما يفسر اختيار اليمن دون سواها من دول الشرق الأوسط لحمل مسئولية المساعدة الديمقراطية.
من المؤكد أن المسئولية الملقاة على عاتق اليمن كبيرة، وهو الأمر الذي لا يحصر المهمة بالسلطة بقدر ما يوزعها على جميع القوى السياسية الوطنية ، التي ينبغي عليها تقديم ممارسات مسئولة، وناضجة تليق بها كنموذج تحتذي به القوى السياسية في المنطقة عند شروعها بأي تجربة ديمقراطية مماثلة. .
[email protected]