المؤتمر نت- جابر حبيب جابر - الجامعة والمهمة الأصعب في العراق بعد تأخر عربي دام ما يقارب ثلاث سنوات جاء التحرك العربي ممثلا بأمين عام الجامعة العربية الى العراق، هذا التأخر الذي يعكس في جوانب منه الثنائيات الحاكمة للموقف العربي تجاه العراق، والتي شلت هذا التحرك، فهي تدرك المخطط الامريكي الطامح الى اعادة تشكيل المنطقة ، حيث أراد واضعو مخطط التغيير في العراق ان يكون الحجر الاول في نظرية التدحرج الاستتباعي، وبالتالي فان النجاح الامريكي يبدو مخيفا، في حين ان الفشل سيكون اكثر رعبا اذ انه لا يمر الا عبر حرب اهلية وتفتت وتقسيم لن يبقى العراق وحده مجاله ومداه .
كما أن نجاح نموذج ديمقراطي في العراق، مقروناً باستقرار وقدر من الرفاه ، سيحفز شعوب المنطقة على المطالبة بالإصلاح، في حين ترى الانظمة التي استجابت للضغوط الخارجية من اجل التغيير، ان ذلك يجب ان يكون محدداً بسقوف معينة ، واستجابة لظروفها الخاصة ولدرجة نضج شعوبها وقواها الفاعلة.
وبسبب من الانقسامات للمكونات العراقية، والتي تماهت في انقسامات سياسية، فان الموقف العربي وضع في ثنائية محرجة، اذ ان هناك تحالفا شيعيا كرديا انخرط في العملية السياسية، في حين ان السنة فضلوا البقاء خارجها، بل شكلت مناطقهم وقواهم البشرية البنية الاساسية لإدامة زخم التمرد المسلح، لهذا فان المأزق وقع ما بين دعم عملية سياسية صورت بأنها لا نصيب للسنة فيها، او دعم المقاومة التي يشكلون عمودها الفقري. كل ذلك، فضلا عن حسابات شارع عربي ونخب مسلطة عليه فكرياً، ولا يستهان بدورها في تشكيل قناعاته بان من الممكن لخيار المقاومة ان ينتصر، وان الامريكيين يمكن ان ينهزموا عن طريق العمل المسلح، ويترتب على ذلك ان اي تدخل سيفهمه هذا الشارع العربي، المعادي بطبيعته لأمريكا، بأنه دور عربي يأتي لتخفيف العبء عن الولايات المتحدة.
بخلاصة، قامت الاستراتيجية العربية ضمناً او اتفاقا على ابقاء ما يجري في العراق في حدوده حصرا سواء اذا كان قصة نجاح او قصة فشل، ولإدراك استحالة ذلك في منطقة شديدة السيولة والتأثر، فان هذه الاستراتيجية تحولت الى ابقاء الوضع العراقي متأرجحاً ما بين النجاح والفشل.
الا ان الذي جرى في مسيرة الاحداث الماضية، فكك كثيرا من هذه الثنائيات واستدعى تغيير المواقف، فالاستراتيجية الامريكية يبدو انها ستبقى على الاقل في حدود المستقبل المنظور في اطار العراق، وان الطموح للاطاحة ببعض رؤوس من تصفهم هذه الاستراتيجية بأنهم انظمة شر، تحول الى السعي لتغيير السياسات فقط ، وليس الاطاحة بالأنظمة ، مع توقف زخم السعي الى دمقرطة المنطقة واستبدال ذلك بالحفاظ على استقرار الانظمة القائمة ، مع حثها على الاصلاحات الداخلية المحسوبة في بنية الحكم ، اذ ان اي تغيير باتت محصلته اما الوقوع في حضن القوى الاسلامية او في هاوية الفوضى ، وكل ذلك، فضلا عن انفتاح الوضع العراقي على كل الممكنات ، من حرب اهلية الى تفتت ، في منطقة ذات قابلية عالية على التأثر لما تختزنه من عوامل الصراع ، بجانب ان المراهنات السابقة على الوضع العراقي اثبتت خطلها ، اذ ان العملية السياسية تطورت بشكل ثابت، رغم التضحيات الجسام ، واتسع حجم الاشتراك فيها .
على الجانب الاخر فإن خيار المقاومة اثبت وهنه، اذ انه فشل في الانتقال الى ان يكون خياراً وطنياً، بل ظل مناطقيا وبات ينحسر، ولا احد يتخيل او يتوهم بقدرته على ان يهزم الوجود الامريكي في العراق، ثم ان التيار الاقوى في العمل المسلح اصبح هو التيار الاصولي التكفيري، والذي في كلا الحالتين، اذا ما انتصر او انهزم، فإنه سينتقل وسيمتد الى دول المنطقة.
فما هو إذن المطلوب من الدور العربي في العراق ؟
ابتداء لا احد يستطيع ان يتفاءل بسهولة او يسر هذه المهمة، او ان يعطيها حدا عاليا من حظوظ النجاح، ولكن مع تأخرها الزمني، وكونها جاءت مدعومة من الدول العربية الاثقل وزنا في المنظومة العربية، فإن المهمة اذا لم تكن محكومة بالنجاح، فيجب ان لا تلقى الفشل.
ان الذي يعزز جوانب النجاح كون العملية السياسية وانتقالها باتت امرا واقعا، وان الذين قاطعوها بدواعي معروفة في بداية العام، عادوا وانضموا اليها لاحقا وباندفاعات مختلفة ، ولهذا فإن الآفاق المفتوحة للعملية السياسية تساعد في الحث على الانخراط فيها، فالذي يشكو العزلة والتهميش والإقصاء ، يجد أن هنالك انتخابات لا يفصلنا عنها الا اسابيع ، والذي يرفض الحكومة يستطيع الاطاحة بها عبر صناديق الاقتراع ، ومن اعتبر الدستور في بعض جوانبه مفرطا لحقوقه او لمستقبل العراق، فان هناك فترة مراجعة خلال اربعة شهور لبنود الدستور.
ومع ذلك، فالذي يصعب مهمة الجامعة العربية ، هو تشرذم وتشتت القوى التي تسعى الى التحاور معها، وصعوبة جلبها الى ممكنات سياسية، رغم سجل الجامعة السابق في استقبالها لكثير من هذه الجماعات ووقوفها على مطالبها، الا ان اغلبها، ان لم اقل كلها، ليس لها من تأثير حقيقي على الارض، ناهيك من اي قدرة على خفض او ايقاف منسوب العمل المسلح في العراق، حتى وان ادعت صلاتها به ، فإن ذلك لن يتعدى كونه اكثر من محاولة استثمار سياسي.
لهذا يجب على الجامعة العربية ان تتوجه الى القوى الحقيقة الفاعلة، وان تكف عن السماع الى الاخرى التي لا تعدو ان تكون فقاعات اعلامية، ولا تجرؤ ان تعقد تجمعا واحدا في الاماكن التي تدعي تمثيلها، لهذا ارى ان يعطى الامين العام ورقة بيضاء، وان يكتب فيها مطالب القوى الرافضة، على ان تكون فقط ذات أحجام سياسية.
بجانب ذلك فإن الدور الذي يجب ان تضطلع به الجامعة، اذا اريد له ان يكون حقيقيا وليس «اسقاط فرض»، لا بد له من التوجه الى عموم فئات الشعب العراقي ، التي سئمت القتل والدمار والباحثة عن بلد يسوده الاستقرار، وهذا لا يتم بمظلة مصالحة او وفاق وطني فقط ، بل عبر عمل جدي عربي وإرادة سياسية قادرة على ضبط الحدود الرخوة لتسرب العنف الى العراق ، مع ترافق ذلك مع حملة دعم وضخ مساعدات للبلد ، وان تكون شاخصة وجالبة للحياة ، بدلا عن الانتحاريين الوافدين الذين جلبوا الموت.
بهذا فقط لا ندفع العراق الى الحضن الامريكي او الجوار القومي غير العربي.
عن: الشرق الأوسط |