المؤتمر نت- أمين الوائلي -
عن الحوار والابتزاز على قاعدة (تذكر دين أبيه)!!
لم نعد بحاجة إلى امتداح الحوار كفكرة عامة أو إظهار محاسنه و محامده، أعتقد أننا صرنا نؤمن عموماً بأهمية الحوار وأولوية الدفع به إلى مقدمة خياراتنا ووسائلنا في الحياة المدنية والسياسية والفكرية، وانتهاج خطة الحوار في مناقشة وتداول سائر الشئون والاهتمامات ومواضيع التباين والاختلاف في وجهات النظر وأوجه التفسيرات والتأويلات المتعارضة والمتقاطعة حول قضايانا الوطنية ومواضيع الشأن المحلي في السياسة والحزبية والمجتمع الديمقراطي ومفردات الإصلاح ومجابهة الأخطاء والاختلالات في الحياة الاقتصادية والإدارية.
وصرنا نعرف أكثر من أي وقت مضى أن الاختلاف حالة طبيعية ومقبولة بل وإيجابية في أحايين كثيرة وهو لا يكون كذلك إلا بالترافق مع حالة حوارية دائمة تجمع الفرقاء وتوحدهم في شراكة هادفة تنشد توظيف الاختلافات لصالح صيغة توافقية ثالثة أقرب إلى الثراء والإجماع هي حصيلة رؤيتي الطرفين وناتجة عن تقريبهما والتوفيق بينهما بما يعني لزوماً أنه لا يوجد اختلاف أبدي لا سيما في السياسية وإلا صار مرضاً وفساداً وتحول إلى خانة التطرف في السكونية والثبات على حالة وجودية واحدة وهذا يخرج به عن كونه اختلافاً بالمعنى اللغوي والاستخدام المهني في السياسة والفكر وحينها يكون خلافاً حقيقياً بما يعنيه اللفظ ويحتمله الاشتقاق اللغوي والأدائية المهنية.
وما منا إلا ويقدم الاختلاف على الخلاف، هذا شعار السياسيين وأحزابهم على كل حال، وهو حسن، وقد كثر قول ذلك والإشارة إليه في الصحف والكتابات والخطابات وبيانات الأحزاب وتعليقاتها على الأحداث والقضايا بين فينة وأخرى وسيكون حسناً أكثر لو توقف قليلاً الناس عند خطاباتهم وكتاباتهم وأحاديثهم لتأمل الكلمات وتفهم معانيها ودلالاتها وتمثلها بالتالي في السلوك والممارسة العملية وفي معترك السياسية والجدل الحزبي الدار الدائم.
فلا يقول الحزب أو السياسي مثلا أن الاختلاف شأن حيوي مقبول ومعقول ثم لا ينفك يتعامل معه وكأنه يعني الخلاف لا أكثر !
إن أحوال القطيعة والتصلب في المواقف، والثبات عند مواضع أقدام الآراء الأولى الشخصية وانعدام المرونة في المواقف وتعمق التباعدات النظرية والخطابية كل ذلك يشي بخطأ منهجي ولابد في تناول المفاهيم ودلالاتها كما يشير إلى أزمة معرفية معيبة تتبدى آثارها وعلاماتها بشكل واحد وجلي في خطاب وأداء الحزبيين وجنوح أحزابهم إلى لغة إعلامية شرسة مكتضة بالنتوءات والتشوهات الحادة والجارحة ثم لا تفعل الأحزاب وقاداتها شيئاً يخفف من غلو الاختلاف ووعثاء الرحلة الفاصلة –الواصلة- بين اختلاف مقبول وخلال محذور ومرفوض جملة وتفصيلاً.
وعلى ذلك، لا نحسبنا في حاجة إلى مزيد تنظير وتدبيج في مادة الحوار أعني مرادفاته اللغوية قدر ما نحن في حاجة ماسة إلى تعمق تمعن المفردة ومجالها المعنوي والأخلاقي والأدبي وعكس المعنى عملياً في السلوك والممارسة والأداء اليومي ومباشرة الحياة وشئونها العامة وقضايا الخاصة بانفتاح ومرونة كبيرين، وتجرد مبدأي حاسم لحساب الحقيقة والمصلحة العامة أياً كان مجالها ومهما تكن التنازلات في سبيلها بالتخلي عن رأي شخصي أو موقف ذاتي للاقتراب من نقطة التلاقي في منطقة الوسط الجامعة الرافعة.
علمنا أن الحوار مهم وحضاري ومدني وأخلاقي وإنساني و .. و .. الخ.ولكن لا ولم نعلم لماذا إذاً أهملناه وأسقطناه وتجاوزناه وأغرينا به الحرائق والمهلكات ؟!
لماذا طالما والحوار كما قالوا ويقولون خياراً وحيداً والتزاماً مبدئياً يقطعون شعرته ويجزون رأسه ويفكون دمه ناسين أو متجاهلين عن عمد مادرجوا على ترديده من شعار واستهلاكه من خطاب إعلامي تجملي بحت !
نتذكر كيف عطل (المشترك) حواره الذي لم يكن قد بدأ بعد مع المؤتمر الشعبي العام بأسلوب فيه الكثير من التهاون والاستهتار والتمنع المثير للدهشة والحسرة معاً.
في البداية عطل الحوار إلا باشتراطات عجائبية تبكي بقدر ما تضحك فالحوار حينها استخدام بصورة اقصائية استعلائية بحتة ثم بموجبها إسقاط أكثر من نصف المجتمع الحزبي والسياسي في (عطسة) واحدة واستثناءه من حضور الحوار وفعالياته والسبب يدعو للعجب العجاب قبل أن تكتل أحزاب المعارضة الآخر ضعيف وهزيل ومسكين يرحم الله ؟! وأسباب أخرى لا تقل طرافة عن هذا الأول المهم أن الحوار أريد له أن لا يظل مع المجموع وإنما انفراداً واستحواذاً في أـحسن أحواله
في الثانية عطل الحوار لأنهم رأوا في شأن محلي طارئ مالم يره مالك في الخمرة فقالوا (منك يا بيت الله) و لا للحوار ؟!! وبالترافق مع ذلك كما هو قبل وأثناء وبعد كان هؤلاء أنفسهم يخطبون ويكتبون ويصدرون البيانات في تأييد الحوار والدعوة إليه والتغزل به وترتيل المدائح والمراثي فيه !
لم يكن الحوار غنيمة للمؤتمر الشعبي العام حتى تتمنع وتتعزز الأحزاب على هذا النحو بل لعله كان ولا يزال مصلحة وطنية عامة وغاية أدبية وأخلاقية مؤكدة وهو في ذلك غنيمة ومصلحة للأحزاب بالمقام الأول والمعارضة على وجه الخصوص إذا كانت راغبة بالفعل في تليين مواقف الحاكم واستدراجه إلى مربع مطالبها وقضاياها المرفوعة وهو مالم يتم بغير حواره ومناقشته وإلزامه الحجة أما أن تلفظ الحوار بعيداً عنها وتظل تتغنى به كشف لا أكثر فهذا ما يمنح المرء فسحة لتلمس معاني أخر للحوار غير التي نعرفها ويعرفها خلق الله منها : القطيعة والخصومة والمكابرة والمقامرة و.. مكانك (ارتزع)!
قد توفر الحالة الحوارية بين أحزاب المشترك دليلاً آخر على ذات الإشكالية لديها فحوارها فيما بينها ليس أسعد ولا أوفر حضاً من سابقيه: ما زلنا في طور الإعداد والتدارس ! هناك اليوم من يساوم بالحوار ويناور به جاعلاً منه وسيلة للابتزاز وتحقيق مطالب شخصية طامحة قضايا الحوار الحقيقية تغيب دائما وكل يستذكر (دين جده وأباه)!! شكراً لأنكم تبتسمون.