المؤتمر نت- نزار العبادي -
ما يحمله الرئيس إلي واشنطن !
سُئل الأخ الرئيس علي عبدالله صالح وهو في طريقه إلى نيويورك لحضور قمة الألفية الثالثة عمّا يحمله إلى القمة ؛ فرد على الصحافي السائل : (أحمل الديمقراطية التي حققناها في اليمن، وحقوق الإنسان، وحريات المرأة...).
يحضرني هذا الموقف بينما أتساءل مع نفسي: يا ترى بماذا عسى الأخ الرئيس سيجيب لو تعرض لسؤال مماثل قبيل زيارته المرتقبة للولايات المتحدة - خاصة وقد احتلت أنباء الزيارة من الاهتمام لدى مختلف الأوساط السياسية والإعلامية مالم تحض به أية زيارة مماثلة - رغم أن الجولة المكوكية التي يقوم بها رئيس الجمهورية إلى عدد من الدول الصديقة باتت تقليداً سنويا ليس غريبا على أحد من اليمنيين.
أعتقد لو أن الرئيس كرر الجواب ذاته فإنه سيكون محقاً أيضاً لأن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحريات المرأة التي سيراهن عليها في تعزيز علاقات التعاون مع الولايات المتحدة غير تلك التي حملها إلى نيويورك قبل ما يناهز الأربعة أعوام.. لأننا اليوم أمام نظام سياسي يسبق قواه المعارضة إلى مبادرة إلغاء عقوبة حبس الصحافي، وتوسيع تجربة السلطة المحلية لتشمل انتخاب المحافظين، ومدراء المديريات، و يتبنى على عاتقة حمل الآخرين على توسيع الحقوق السياسية والعامة للمرأة ، وتمكينها من المراكز السلطوية والمهنية.. علاوة على كونه أول نظام سياسي عربي يبدي رئيسه عدم رغبته لترشيح نفسه للرئاسة مجدداً.
ولكن ما زال بيد الرئيس رهاناً كبيراً يفاضل به مراحل التطور في اليمن، فالجهود التي بذلتها اليمن في مكافحة الإرهاب والتطرف، وترسيخ الأمن والسلام الإقليمي هي جهود تفوق التصورات، والحسابات التي يمكن التقييم على أساسها لما يمكن أن تحققه دولة بنفس ظروف اليمن والتحديات التي واجهها أمام غول الإرهاب الذي لديه من الإمكانيات ما ساعدته على اختراق المنظومات الأمينة لأقوى دول العالم.
وفي كل الأحوال فإن القياس إلى تجارب سابقة في عهد سياسي طويل يصبح المنطق الذي يتم التكهن بأبجدياته بطبيعة الملفات التي سيحملها رئيس الجمهورية بيده لتداولها مع الإدارة الأمريكية والتي في مختلف الظروف ستختص بقضايا التنمية، وحجم الدعم الأمريكي المقدم لليمن، واتجاهات الشراكة الدولية في مكافحة الإرهاب ، وتطورات التجربة الديمقراطية والدور الإقليمي المناط باليمن في إطارها إلى جانب المستجدات الطارئة على المنطقة العربية والإسلامية.
لا يبدو لي أن متعلقات قضايا الإرهاب، وإشكاليات ضم أسماء شخصيات يمنية الى قوائمها ، ووجود آخرين في معتقلات أمريكية وما يكتنف ذلك من تباين رؤى سياسية حولها هو بالأمر الجديد الذي يستحق الجدل في إمكانية بحثه أم عدمه، كونها قضايا بديهية في أجندة الأخ الرئيس، وطالما تداول مثيلاتها مع الدول التي يزورها.
تعتقد بعض القوى السياسية أن إقامة الجدل في هذا الموضوع، وإلقاء الشبهات حول أجندة الزيارة المرتقبة، والتكهن بمساومات، وصفقات سياسية هي الطريقة الشريفة لممارسة الحريات الديمقراطية، وهي الأسلوب الذي يجري عليه العمل السياسي، والحوار بين أي قوتين سياسيتين..
ولعل ذلك يحدث في إطار ما يطلق عليه باحثو علم الاجتماع بـ (محدودية التفكير) التي تُخضع كل الظواهر والسلوكيات لتأويل ما تمتلك من ثقافة ذاتية ومعرفة خاصة بها، بحيث أنها لا يمكن أن تتخيل وجود نمطاً مختلفاً من السلوك الذي تمارسه ؛ وبالتالي فهي تُسقط أخلاقياتها على الآخرين بكل ما يكتنفها من جهل وتخلف وانغلاق وسوء ظن!
ومع أن هؤلاء يتحدثون عن صفقات ومساومات وضغوط ويسعون من خلالها لخلط الأوراق الوطنية على الجماهي،ر إلا أنهم تُنسيهم بَلادتهم المعهودة أن الثرثرة بمثل تلك الأمور قد تعيد لذاكرة الجماهير تاريخهم الطويل من الوقوف في طوابير المزادات الدولية التي يعرضون بها أنفسهم، وجهودهم لمضاربات أسواق الدول الكبرى ، والتي لم تتردد في استثمارهم لحماية مصالحها وبلوغ مآربها في أقاصي الشرق.
كما أن الغفلة التي يضعون أنفسهم فيها تفضح أي نوع من الناس هؤلاء الذين يتوارون خلف الشعارات الوطنية في الوقت الذي يراهنون على تدخل الخارج المباشر، ويستدعونه لممارسة ضغوطه المختلفة على بلدانهم.. من غير أن يخجلهم البوح بذلك..
يقيناً أن ما يحمله الرئيس الى واشنطن لن يختلف بالشيء الكثير عمّا عوّد شعبه اليمني الوفي خلال جولاته المكوكية السابقة التي لطالما كانت عنوان المكانة الدولية البارزة التي تحضى بها اليمن اليوم بين دول العالم.