نصر طه مصطفى -
سباق المبادرات السياسية في اليمن
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية اليمنية التي ستجري في شهر سبتمبر/ ايلول من العام القادم تزداد حمى مبادرات الإصلاح السياسي من مختلف الأطراف بدءا بمبادرة أحزاب المعارضة التي تنضوي تحت مسمى “اللقاء المشترك” وتضم الأحزاب الرئيسية في المعارضة كالتجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، وهي المبادرة التي لم تأخذ شكلها النهائي بسبب عدم التوقيع النهائي عليها من قياداتها.. وحتى يتم ذلك تبنت اللجنة المركزية للتنظيم الوحدوي الناصري الأسبوع الماضي مبادرة منفردة للإصلاح السياسي تتفق في معظم تفاصيلها الأساسية مع مبادرة اللقاء المشترك. وبين هذه وتلك فاجأ الرئيس علي عبدالله صالح الرأي العام اليمني أواخر شهر سبتمبر/ ايلول الماضي بإعلانه مبادرة سياسية تتضمن بعض مطالب المعارضة وتتمثل في الدعوة لتطوير نظام السلطة المحلية بانتخاب محافظي المحافظات ومديري المديريات “المحافظة تتكون من مجموعة من المديريات” وتطوير النظام البرلماني بانتخاب جزء أو كل أعضاء مجلس الشورى المعين بالكامل والذي يتبع حاليا رئيس الجمهورية من الناحية الدستورية، وسيؤدي انتخابه بالكامل أو جزء منه إلى أن يصبح الغرفة التشريعية الثانية إلى جانب مجلس النواب ومن ثم تطوير اختصاصات المجلس عما هو عليه الآن، وهو في كل الأحوال تطور سياسي مهم رغم أنه يحتاج إلى تعديل دستوري.
لا يستطيع المراقب السياسي أن يفصل ما يجري عن عملية الاستعداد للانتخابات الرئاسية التي اكتسبت اهتماما مبكرا نتيجة إعلان الرئيس صالح في شهر يوليو/ تموز الماضي أنه لن يرشح نفسه فيها رغم أحقيته باعتبار أن الدستور يسمح له بفترة رئاسية أخيرة، حيث أربك إعلانه هذا الساحة السياسية اليمنية وخلط حسابات أحزابها التي كانت تستعد لمنافسته رغم إدراكها أن بقاءه في السلطة لفترة أخرى ضرورة لها قبل الحزب الحاكم نفسه لأنه الوحيد القادر على تهيئة الملعب السياسي لعملية التداول السلمي للسلطة وهو أمر يحتاج لبعض الوقت، وحيث مبادرات الإصلاح السياسي التي تتبناها أحزاب المعارضة تصب في هذا الغرض بحسب ما تدعيه... فيما جاءت مبادرة الرئيس صالح كإعلان تمهيدي لمبادرة سياسية مكتملة سيتبناها حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في برنامجه السياسي خلال مؤتمره العام السابع الذي سينعقد في الثلث الأول من شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل في مدينة عدن، وستكون هذه المبادرة جزءا من البرنامج الانتخابي لمرشحه للانتخابات الرئاسية والذي لن يتم تحديده في هذا المؤتمر على الأرجح باعتبار أن الوقت لايزال مبكرا وسيتم اختياره في مؤتمر عام استثنائي في الصيف القادم إن لم يفوض المؤتمر العام لجنته الدائمة المركزية باختيار مرشحه لهذه الانتخابات المفصلية.
تتفق مبادرة أحزاب المعارضة مع مبادرة التنظيم الناصري في مسألة انتهاج النظام البرلماني كبديل عن النظام القائم الذي يخلط بين النظامين الرئاسي والبرلماني كما هو حال النظام الفرنسي.. والواضح أن اختيار المعارضة لهذا النظام لم يتم بناء على دراسة علمية بل على رؤية سياسية تستهدف تحجيم دور رئيس الجمهورية عموما، وشخص الرئيس علي عبدالله صالح تحديداً.. ورغم ذلك فإنها تعود لتناقض نفسها عندما تنص في مبادرتها على انتخاب رئيس الجمهورية في انتخابات تنافسية وألا يكون منتمياً لحزب سياسي وهي بذلك تريد إرضاء الرئيس صالح رغم أن دور رئيس الدولة في الأنظمة البرلمانية دور شكلي وبروتوكولي لا أكثر، ولذلك لا يتم انتخابه إلا من قبل البرلمان وعادة ما يكون عضوا في الحزب الحاكم كما هو حال الأنظمة البرلمانية في العالم كله.. وناقضت أحزاب المعارضة نفسها مرة أخرى بمطالبتها بالفصل الكامل بين السلطات وهو أمر لا يستقيم عادة في الأنظمة البرلمانية حيث الفصل فيها شكلي تماما وحيث لايمكن تجسيده تماما إلا في الأنظمة الرئاسية كما هو معروف لدى الخبراء الدستوريين!
في غمرة الخلاف السياسي وعدم تنزيهه عن الأغراض الشخصية فات المعارضة اليمنية أن النظام الرئاسي يظل هو الأصلح ليس فقط لليمن بل وللدول العربية عموما لأنه منسجم مع ثقافتها وتراثها وطبيعتها، إضافة إلى أن النظام الرئاسي الديمقراطي يملك من الضوابط ما يحول دون طغيان الحاكم المنتخب ويمكن تأمل ذلك في كل الأنظمة الرئاسية الديمقراطية في العالم كله وفي المقدمة النظام الأمريكي، كما أنه يوفر الفصل الكامل بين السلطات، وفي كل الأحوال فإن أحزاب المعارضة لا تقصد من مبادرتها الرأي العام اليمني بقدر ما تهدف إلى مخاطبة الرأي العام الدولي ولفت نظره إلى حاجة اليمن لإصلاح سياسي مثل غيره من الدول العربية التي تتعرض لضغوط غربية.. ومع ذلك فإن دول الغرب تبدي ارتياحا واضحا لتطور التجربة الديمقراطية اليمنية رغم ما توجهه أحيانا من انتقادات لما يتعرض له بعض الصحافيين من محاكمات رغم أن اللجوء للقضاء في قضايا الصحافة أمر معمول به في دول الغرب وحيث يصدر في بريطانيا على سبيل المثال بمعدل حكم قضائي يوميا بتغريم صحيفة أو صحافي، ومع ذلك فقد كان الرئيس اليمني بارعا عندما استبق جولته المهمة في كل من الولايات المتحدة وفرنسا واليابان خلال النصف الأول من الشهر القادم بإعلانه مبادرة انتخاب قيادات السلطة المحلية وأعضاء مجلس الشورى وهو تطور سياسي حقيقي ومهم لقي ترحيبا كبيرا من دول الغرب.. وهو بهذه المبادرة يكون قد أفقد مشروع أحزاب المعارضة للإصلاح السياسي قيمته السياسية وأهدافه الخارجية.
يجمع المراقبون السياسيون على أن أحزاب المعارضة اليمنية تعيش مخاضا حقيقيا منذ المؤتمرات العامة لثلاثة منها هي الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري واتحاد القوى الشعبية، حيث من الواضح أنها ترغب في فتح حوار جاد مع الحزب الحاكم وتقوم بتغييرات كبيرة في صفوفها تنسجم مع هذا الهدف خاصة إذا لم تتمسك بمبادرتها كأساس للحوار.. فيما يخوض أكبرها وهو التجمع اليمني للإصلاح بالفعل حوارا جادا مع الرئيس والحزب الحاكم وصل إلى حد البحث في إمكان قيام ائتلاف حكومي بينهما، ورغم التوقعات بفشل الحوار حول الائتلاف، إلا أن الواضح أنه سيستمر بهدف تهيئة أجواء صحية للانتخابات الرئاسية والمحلية التي ستتم العام المقبل، ولذلك قد تموت مبادرة المعارضة للإصلاح السياسي قبل أن تعلن رسميا في ظل الخلاف بين أحزابها حول بعض بنودها وحول التناقضات الواردة فيها، وفي كل الأحوال فإن الشهور المقبلة ستحمل معها مفاجآت ومتغيرات كبيرة وكثيرة ستعيد تشكيل خارطة المستقبل السياسي لليمن.