المؤتمر نت - نزار العبادي -
المؤتمر .. ضرورة تاريخية للبناء الوطني
ثلاث وعشرون عاما من العطاء والنهوض والمكاسب الثورية الخالدة لابد أ، يتوارى على أفقها البعيد سر عظيم يتبوأ من مقادير عصره موضع الاقتدار, ويحمل على واقعها المخيف بإرادة جبارة. ليسلخ منها السرطانات القاتلة وينتزع أسباب وجودها للأبد.. ليسود الأمن والسلام، ويعم الخير أرجاء الوطن، ويرتفع طود اليمن الشامخ.
أن مسيرة الأعوام الثلاث و العشرين التي حمل لواءها المؤتمر الشعبي العام لايمكن أن نفهمها على أنها محض ولادة مجردة لتنظيم سياسي يمني اقتضت وجوده قيادة الرئيس علي عبد الله صالح لتجاوز مرحلة صراع سياسي من نوع ما, أو لتثبيت دعائم سلطة بعينها، لأن كل الشواهد والاختبارات التي تخللت مسرة المؤتمر الشعبي العام تؤكد بما لا يقبل الشك أن ما حدث في 24-29 أغسطس 1982م كان تصويبا حكيما لمناهج عمل الحركة الوطنية اليمنية, أسفرت بمخرجاتها النهائية عن انبثاق حقبة تاريخية فريدة من نوعها, كانت بمثابة منعطف مهم وتحول استراتيجي ليس ضمن حدود الوطن اليمني وحسب بل على النطاق الإقليمي والدولي أيضا, ووفقا لما اقتضته الثوابت الميثاقية من علاقات وارتباطات ومصالح مع دول المنطقة, وما شكلته من نفوذ على الخارطة السياسية العالمية.
** الضرورات الوطنية
يمكننا القول – جزما- إن تأسيس المؤتمر الشعبي العام كان ضرورة حتمية أملتها الظروف التي آلت إليها ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وأهدافها الستة. فالفترة التي أعقبت الثورة شهدت موجات صاخبة من الصراعات والانشقاقات السياسية، وغلبت صفة عدم الاستقرار على الوضع العام في اليمن، حيث تعثرت المفاهيم في بعض مراحلها ولم تتضح رؤاها الوطنية، وتغيبت تراجمها الواقعية عن الساحة السياسية.. ولعل الفراغ السياسي وغياب المؤسسسات الدستورية دفع بالوضع الداخلي إلى حالة حرجة ومعقدة للغاية، دخلت فيها الثورة مأزقاً مصيرياً مع قوى فكرية معاكسة كادت أن تطيح بكل أرصدتها الفكرية والثورية والنضالية.. وهو الأمر الذي جر الحالة الثورية إلى وضع أدنى بكثير مما كانت تتطلع إليه الجماهير اليمنية، او مما يتفق وحجم التضحيات المبذولة في تفجيرها وحمايتها والذود عن مستقبلها.
إذن فمسألة إنقاذ الثورة، وتفعيل أهدافها بصيغ ملموسة، وانتشال الوطن اليمني من واقع الفوضى الثورية والقلق كانت كلها تمثل مهمة نضالية وطنية لا تقل أهمية عن الثورة نفسها، وكانت تنتظر من يضطلع القيام بها وأداء أدوارها الكبيرة بروية ودقة ومسئولية.. فما كان من الرئيس علي عبد الله صالح إلا أن يأخذ على عاتقه هذه المهمة الخطيرة، ويجازف بحياته منعا لانتكاس الوطن، وطمعا بعزة وكرامة ومستقبل أبناء الشعب اليمني العظيم، ولكن عظمة المسئولية وحجم التحديات وما يقابلها من تطلعات جماهير لا حدود لها جعلت الحاجة إلى بلورة إرادة الجماهير وأهدافها الثورية في صيغة عملية متفاعلة مع مبادئها وقيمها واحدة من أهم ضرورات المرحلة ومن أقوى ركائز الحكم في تلك الفترة، وهو ما تمخض عنه صياغة "الميثاق الوطني" وأداته السياسية القائمة على تنفيذ مبادئه، وتخطيط برامج العمل السياسي على أصوله والتي عرفت بـ"المؤتمر الشعبي العام".
ومن هنا نجد أن المؤتمر الشعبي العام لم يسلك طريقه إلى الساحة السياسية اليمنية الا من واقع الضرورات التي أقرت أسلوبه السياسي خياراً مصيريا لمستقبل الثورة السبتمبرية ذاتها، ومسارا طبيعيا لتمثيل أهدافها الوطنية العظيمة، وإطارا لالتقاء القوى الوطنية المختلفة على مناهج العمل الديمقراطي الثوري الذي أطلق مصاريعه المؤتمر الشعبي العام.
** ضرورات البناء الديمقراطي
يعتبر المؤتمر الشعبي العام من أبرز الحركات الوطنية الثورية يمنيا وعربيا في أسلوب البناء المرحلي والتدرج في ممارسة العمل السياسي.. ولعل ما يمكن أن نعترف به للمؤتمر الشعبي العام اليوم هو أنه كان مدرسة حقيقية لتأهيل جميع القوى الوطنية اليمنية المتواجدة في ساحة العمل السياسي في وقتنا الحاضر على الممارسة الديمقراطية والعمل السياسي من خلال الرؤى الثاقبة التي انطلق بها الرئيس علي عبد الله صالح في تحديد معالم الهوية الوطنية لكينونة المؤتمر الشعبي العام والبنى الأساسية التي وضعت صياغاته الأولية، بقصد الوقوف على أرضية صلبة قادرة على حمل قواعد الحركة الثورية للدولة اليمنية الحديثة عبر موائمة الجهد الشعبي تكاملياً مع غايات العمل الوطني والبناء الشامل للدولة.
فالرئيس علي عبد الله صالح لم يحتكر المؤتمر الشعبي العام لفئة محددة او شريحة دون غيرها، بل أنه رأى فيه ميدانا رحبا لترجمة الهدف الديمقراطي للثورة إلى صيغة عملية تنقل القوى الوطنية إلى موضع مسئول من العمل والمشاركة في صناعة القرار السياسي، حيث وأن الفراغ الذي ألقى بظلاله على الساحة السياسية طوال السنوات المنصرمة من عمر الثورة لم يجعل أمر إطلاق التعددية الحزبية في مقتل عهد الرئيس صالح أمرا ممكنا بسبب انعدام التجربة الجماهيرية في الممارسة الديمقراطية، مما يعني حاجتها للتأهيل والخبرة أولاً.. وهو ما يعبر عنه الرئيس بقوله: " لم يكن ينبغي حرق المراحل بشكل غير مسئول".
إن تأسيس المؤتمر الشعبي العام بالطريقة التي نعرفها جميعا كان قفزة مميزة في أسلوب العمل السياسي وخطوة من أذكى صفحات التاريخ السياسي الحديث، لأنها عبرت عن وعي وقراءة موفقة للواقع اليمني، ومن جهة أخرى شخصت حاجة وطنية وثورية ملحة للغاية، علاوة على كونها أفصحت بطلاقة عن حنكة وحكمة الرئيس علي عبد الله صالح في وقت مبكر من عهده بالقدر الذي أكسبه ثقة الجماهير الكبيرة، وشد من وحدة الصف الوطني اليمني.. وبهذه الطريقة نجح المؤتمر الشعبي العام بقطع المراحل المتتالية, والتحول من إحداها إلى الأخرى بخطى واثقة، فعقد دورته الثانية في أغسطس 1984م والثالثة عام 1986 م والرابعة في الفترة 12-15 نوفمبر 1988م, ثم الخامسة عام 1997م والسادسة بتوريتها ( الأولى عام 1999م والثانية علم 2002م. وأجرى ايضا انتخابات المجالس المحلية للتطوير التعاوني عام 1985م وتوج مسيرته الديمقراطية بانتخابات مجلس الشورى في يوليو 1988م ومن ثم تأسيس المجلس الاستشاري عام 1989م وصولا إلى إطلاق التعديد الحزبية بعد الإعلان عن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م.
وعليه فإن المؤتمر الشعبي العام كان ضرورة ملحة لارتقاء سلم العمل الديمقراطي وتطوير التجربة والخبرة السياسية للقوى الوطنية المختلفة في مسيرة البناء الديمقراطي وتأهيل كوادرها ومناضليها لمرحلة التعددية الحزبية واكتساب صفتها الحركية المستقلة بعد الإعداد الكبير الذي حظيت به في مدرسة الرئيس علي عبد الله صالح- المدرسة الديمقراطية للمؤتمر الشعبي العام.
[email protected]