المؤتمرنت - احمد الحسني -
مقاهي عـدن.. شاهد على التأريخ وتاريخ مشهود
دخل المقهى رجل أ شيب الشعر جاحظ العينين وبرفقته أحد أبناء المنطقة جلس الرجل ورفيقه وطلب من النادل الذي كان يوليهما اهتماماً خاصاً أن يحضر لهما رقعة شطرنج , كان يجلس بالقرب منهما نجيب محفوظ محملقا في الأصابع النحيلة الطويلة وهي تنقل قطع الشطرنج .
من هذا التأمل في ملامح الرجل الذي عرف محفوظ أنه اللواء حمزة البسيوني المدير السابق للسجن الحربي الرهيب وفي مقهى أحمد عرابي ولدت رواية الكرنك الشهيرة عام 1971م . يقول نجيب محفوظ متحدثاً عن حياته مع المقاهي (بخلاف قهوة قشتمر وعرابي والفيشاوي التي كنت ارتادها للقاء الأصدقاء كانت هناك العديد من المقاهي التي كنت اذهب إليها لألتقي بالكتاب والمثقفين وكان أول منتدى أدبي هو كازينو الأوبرا ثم بعد ذلك جاءت قهوة ريش ثم علي بابا في حياتي الكثير من القهاوي فقد جلست مثلاً على قهوة البوديجا التي كانت واحدة من أفخم المقاهي في عماد الدين جلست أيضاً على قهوة أم كلثوم بميدان عرابي وفي الصيف كنت اتمشى إلى كافتيريا فندق شهرزاد القريبة من مسكني وتتميز القهوة البلدي على غيرها بأنك لاتحتاج أن تذهب إليها مع صديق فبمجرد أن تجلس يمكنك أن تصادق أما في القهاوي الأخرى فإذا ذهبت وحدك فقد تتركها معظم الأحيان وحدك أيضا وقد كتبت بعض السيناريوهات أحدها لفيلم من إخراج صلاح أبو يوسف بقهوة التريانون بالإسكندرية كما كتبت سيناريو فيلم ريا وسكينة في جليمو نوبولو أما أعمالي الأدبية فكنت أتوصل إلى بعض أفكارها في المقهى وحين أعود إلى المنزل أدونها .. أكثر قهوة استلهمت فيها أفكار وأحداث رواياتي كانت "الفيشاوي" ) .
لم يكن نجيب محفوظ الشهير الوحيد بين مرتادي المقاهي فهناك حافظ إبراهيم وعبد العزيز البشري ومحمد البابلي ود. محمد حسين هيكل وزكي مبارك والصحفي والقانوني محمود عزمي الذي شارك في صياغة الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وفكري أباظة وإبراهيم الدسوقي أباظة وطاهر أبو فاشا ومصطفى حمام وعبد الحميد الديب وعبد العزيز جاويش وحفني ناصف واحمد السكندي ومحمد الخضري ومحمود دياب وحسن منصور ومحمد عبد المطلب بل أن رئيس تحرير الأهرام أنطوان الجميل كان حريصاً على أن يترك مكتبه ليتخذ من موائد قهوة بار اللواء مكتبا مفتوحاً يلتقي فيه الأدباء والمفكرين , يقول العلامة السوري محمد كرد علي في مذكراته "إن التاريخ الأدبي حافل بالكتابة عما يدور في المقاهي ولم يكن ما كتبه أبو حيان التوحيدي في كتابه الإمتاع والمؤانسة غير اقتباسات من مجالس السمر التي كانت تدور في دار الوزير في قضايا الفكر والأدب وحرص الأمير على مسامرة ذويه في تلك الليالي التي شهدها أبو حيان وسجل خلاصتها بأسلوبه البارع فتميز كتابه بالتنقل بين المواضيع كما يحدث في المجالس عادة وبتلقائية غير مقصودة .
كما في القاهرة كانت مقاهي "البرازيل" و "شارع بورسعيد" و "هافانا" في دمشق منتديات لأدباء ومثقفين مثل أحمد الصافي النجفي وبديع حقي وأنور العطار وشاكر مصطفى ...الخ ومقاهي شارع الحمراء في بيروت ومقاهي بالحاج وباب سويقه والأحباش في تونس وغيرها من مقاهي المدن العربية في القرن الماضي.
عالمياً الهم الرصيف "شارلي شابلن" أروع قصص أفلامه وكتب سارتر وسيمون دي بوفوار الجزء الأكبر من أعمالهما في مقهى يطل على رصيف عموماً لم تكن المقاهي ساحات أدب وفنون وحسب وإنما لعبت دوراً مهما في الحركات الوطنية والفعاليات النقابية وكان المقهى علامة بارزة في نشأة الكثير من الحركات والتنظيمات السياسية والتيارات الأيدلوجية تكفي الإشارة إلى أن حزباً كبيراً مثل حزب البعث العربي الاشتراكي وقع تأسيسه في احد مقاهي دمشق وكانت انطلاقة الحزب وانطلاقة منظريه من أمثال صلاح البيطار وميشيل عفلق من ذلك الفضاء ومن مقهى شارع الفلكي بالقاهرة كانت بداية تنظيم "حدتو" حركة الديمقراطية والتجمع الوطني التي عرفت بالحزب الشيوعي المصري في الأربعينيات ومن مقهى بالحاج بالحلفاويين في تونس شكل عبد العزيز الثعالبي حركة الشباب التونسي التي أصبحت الحزب الحر الدستوري عام 1920م.
عدن البداية:
المقهى اسم مشتق للمكان الذي تقدم فيه القهوة وارتبط ظهوره بتجارة البن التي كانت تحتكرها اليمن يقول الدكتور سالم البيض من المعهد العالي للعلوم الإنسانية تونس .
"كما هو الشأن في اغلب أقطار الوطن العربي العثمانية ظهر المقهى مع انتصاب الأتراك إذ تعتبر اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية أولى الفضاءات التي عرفت هذه الظاهرة وهو نفس التاريخ الذي انتشرت فيه أولى المقاهي بالايالة التونسية بالرغم من أن تجارة القهوة تعود بافريقية إلى ما قبل ذلك التاريخ والتي يرجح أنها وافدة من المشرق العربي وتحديدا من اليمن وقد انتشرت بعدة مدن من ذلك عدن والقاهرة "
أما الأستاذ جمال الغيطاني فقد أورد في دراسة له في السبعينيات عن القهوة موشحاً للشيخ عبد اللطيف بن كثير الذي تولى القضاء في مكة وجدة ينسب انتشار القهوة إلى المتصوف اليمني الكبير الشيخ العيدروس يقول فيه:
قهوة الـبن مرهم الحـزن وشفا الأنفــس
فهي تكسو شقائق الحسن من لها يحتسي
شاذلي المخا لها أســـس قطــب الزمان
ولها العيدروس قد كيس وابن ناصر أعان
وفي ظل هذه الخصوصية التاريخية لعدن اين تقع مقاهي عدن التاريخية بين مثيلاتها العربية وإذا كان مقهى الفيشاوي يزيد عمره عن قرنين من الزمان فما هو أقدم مقهى في عدن التي ينسب لها ولوليها العيدروس اكتشاف القهوة وانتشارها وإذا كان مقهى ريش في القاهرة موضوعاً لأطروحة جامعية للباحثة رانيا أحمد فما الذي قدمه الباحث اليمني عن مقاهي عدن التاريخية.
توجهت بداية إلى الزميل محمد زكريا الصحفي والباحث في التراث اليمني وصاحب أحد أشهر المقاهي التاريخية في عدن مقهاية "زكو" بلطف حدثني بداية الأمر وبتحفظ عجيب اعتذر بعد ذلك بدقائق عن تقديم أية معلومة عن تأسيس والده لهذا المقهى أو أي مقهى آخر في عدن وكأنني طلبت منه أن يفشى أسرار وزارة الدفاع أو ينقلب على النظام السياسي في البلاد
القميري كانت مكتب الرئيس سالمين المفتوح
لم يدم أسفي على هذه البداية كثيرا فقد كان يجلس أمامي شخص كله تأريخي بدءا بشعره الأبيض وانتهاء بقدميه المعروقتين النحيلتين كان ينظر إلي من خلف نظارته وابتسامته تزيح تخزينته الصغيرة قليلا وكأنما يتعجب كيف لا أسأله انه أستاذنا في المولعة والصحافة عمنا عبدان دهيس الذي أجابني دون تحفظ قائلا :
"في منتصف السبعينات كنت أنا وزملائي نستعد لإنهاك رحلة العمل الصحفي اليومية بالذهاب إلى مقهى سيلان المشهور في كريتر أو مقهى كشر الذي يملكه السيد هاشم عبدالله السقاف رحمه الله كنا نذهب بعد صلاة الفجر لسماع صوت العرب وإذاعة الـ بي بي سي من راديو القهوة ذي الحجر الكبير الكل منتشٍ بهذه اللحظات ومنصتٌ باهتمام للمذياع كانت بعض المقاهي تبيع اللبن البقري الطازج والملاي " دهن اللبن" والخمير الحلو الذي يسمى "المقصقص" كانت مقاهي عدن ملتقى الوطنيين الأحرار وكان بعض أصحاب المقاهي منخرطين في صفوف العمل النضالي ضد الإمامة والاستعمار ودعم المقاومة الشعبية سواء في صنعاء أو عدن وفي هذا المقام اذكر الدور المتميز للسيد عبدالله هاشم الذي قدم الكثير للحركة الوطنية والرياضية حتى انه جعل المقهى وسطحه سكناً لهم في بعض الأحيان وانفق على ذلك أمواله وثمن حظائر الأبقار التي كان يملكها كثير من الوطنيين اعتقلوا داخل هذه المقاهي ..مثل المناضل عبدالله محفوظ وكانت القوات البريطانية مركزة على المقاهي وكما كانت المقاهي موعد لقاء بين صديقين وأصحاب حاجة كانت مقاهي عدن تاريخاً مشهوداً وشاهدا على التاريخ ساد ولا يزال يسود انه جزء من بنية الإنسان العدني الثقافية وموروثه الاجتماعي والنضالي.
أما أعرق مقاهي الشاي في الشيخ عثمان فقد كانت مقهاية الشجرة لصاحبها عبده مكرد عزعزي إلى جانب مقهاية القميري المشهورة التي انتهت مؤخراً فمقهاية الشجرة إلى جانب شهرتها في بيع الشاي وخبز الطاوة كانت ومازالت ملتقى الأدباء والفنانين والشعراء والرياضيين والتربويين أمثال الرياضي قيراط والشاعر محمد سعيد جرادة وإدريس حنبلة والبعيصي.
اشتهرت مقاهي الشيخ عثمان بوجود كتاب عرض الحالات "الشكاوي" الذين كانوا يكتبون شكاوي المواطنين باليد ثم بالآلة الكاتبة لاحقاً.
ايضا كانت المقاهي عنوانا دائما لسائقي الأجرة التاكسيات
أما أنواع الشاي الذي تقدمه هذه المقاهي فهي
1- المُحَوَّج "الزائد الجوز
2- العَصْمَلِّي " الثقيل
3- الجَرْو" الخفيف اللبن
4- الشاهي النص " نصف كأس
5- الشاهي الدبل " الكأس الممتلئ
وهذه الطريق التقليدية في صناعة الشاي العدني لا تزال مستمرة إلى الآن ولم تدخلها التحديثات والاتيكيت الجديد ومرتاد القهاوي يمضون أوقات تسلياتهم في لعب الورق والدمنيو أتذكر أن الرئيس سالمين كان مولعاً بشرب الشاي في مقهى القميري بالشيخ عثمان خاصة في المساء والفجر وكانت الكثير من القضايا يحلها في هذا المقهى..
أهل عدن يحمدون الله انه لم يتم تأميم المقاهي لقد حاول الحزب أن يؤمم مقهى الحاجة في كريتر ولكن أبناء عدن فضلوا أن يبقى المقهى عدنيا محضا لا علاقة لماو ولاللينين به... للأسف الشديد الكثير من المقاهي أغلقت أبوابها وتحولت إلى مطاعم أو مخابز .
تدخل الزميل جمال عرب قائلا : إنها العولمة ما الذي يستفيده صاحب المقهى إذا كان يربح500ريال ويدفع ألف ريال إيجار المحل..
الرئيسي هنا والفرع في القاهرة
كان علي أن ابحث عن التاريخ الحقيقي بعيداً عن النخبة واستقرى ملامحه من الوجوه التي تضحك بتلقائية وتتحدث بعفوية هذه المدينة وحميميتها فدخلت كريتر عدن القديمة حيث كانت المقاهي القديمة تنفض عن الصيادين ليلاً تعب اليوم المضني وتلملم أشجان الغربة من فوق عيون القادم من أقصى الأرض إليها والضحكة تعقد بين الأجناس المختلفة عهد سلام ومحبة والنشوة تسري من ( قَلَصْ) الشاي العدني في الأنفس والبخور العدني يتسلل بين أزقتها يحمل أسرار مخادعها.. قصص القبلات بأعشاش الأحلام و....
" شاهي محوج .. وواحد نص زايد لبن .
جرو ياولد ..جرو"
أهلا وسهلا
بغاية اللطف والابتسامة تملا وجهه ذي للحية الطويلة قالها نصر هاشم وهو يستقبلنا في مقهى "كُشَر" في الميدان في قلب كريتر احد اًعرق مقاهي عدن قال :
" كان هذا محل قطايف وصاحبه يسمى كشر وحوله والدي إلى مقهى حوالي 1955 ولكن الاسم ظل على حاله اسما للمقهى بل حمل والدي هذا الاسم إلى القاهرة التي كان دائم السفر إليها وهناك فتح أصدقاءه مقهى بهذا الاسم كان والدي متعهدا بتوفير الألبان إلى هذه المنطقة فقد كان الحليب والزبد يباع في المقاهي وكان لديه حظائر أبقار لهذه الغاية ولكي حبه للرياضة وتشجيعه للشباب دفعه لأن يفتح هذا المحل مقهى يلتقي فيه لاعبو نادي الشباب الرياضي حينها الذي كان والدي عضوا فيه وداعماً لشبابه ورويدا تخلى الوالد عن حظائر أبقاره لصالح الشباب والرياضة لدرجة أن مقهى كشر عرف بمقهى الشباب الرياضي يحتفلون فيه بانتصاراتهم ويتشاجرون فيه بعد المباراة التي يخسرونها تستطيع أن تقول أن هذا المقهى كان مقهى الرياضيين واغلب النقاشات التي كانت تدور فيه كانت عن الرياضة ونادي الشباب الرياضي .. كان مفتوحاً على مدار الأربع والعشرين ساعة يقدم لزبائنه الشاي والخمير وبعد حرب الانفصال أصبحنا نغلقه عند منتصف الليل تجنباً للمضايقات كنت صغيراً في فترة النضال الوطني ولكن من خلال الشخصيات السياسية والأدبية التي ترددت عليه لابد أن قضايا الأدب والسياسة كانت ضمن ما يدور بداخله من نقاشات واذكر من رواده الأستاذ إبراهيم صعيدي – سفيرنا السابق في الصين ـ وصادق حيد والفنانين محمد مرشد ناجي والمرحوم محمد عبده زيدي والأستاذ الكبير عمر الجاوي رحمه الله الأستاذ سعيد عولقي الأستاذ عبد الرزاق باذيب الرئيس علي ناصر محمد كان يأتي إلى هنا أيام أن كان وزيراً للتربية والتعليم لملاحقة الطلبة الفارين من مدارسهم ولكن كما قلت لك كان المقهى رياضيا بدرجة رئيسة .. كان هنا العديد من المقاهي بعضها أغلق مثل
مقهاية الحاجة وهذا كان لامرأة
مقهاية الاغبري
مقهاية فارع
مقهى زكو أصبح مطعما
اما اشهر المقاهي التي بقيت فهي مقهى سكران مقهى سيلان مقهى عبدان كنت صغيراً كما قلت لك ولكن هذا (الحاسر) احد وارد القهوة من رياضيي تلك الفترة وبإمكانه أن يحدثك..
كشر قبة الشباب الرياضي
(الحاسر) تعني المرهق او المتعب لكنه اقبل علي نشيطا على عكس لقبه وانطلق سريعاً يسرد علي
اسمي محمد درويش عياش الملقب "بالحاسر" احد لاعبي نادي الشباب الرياضي في عدن وكابتن سابق في النادي الأهلي في الحديدة.... كشر"قبة الرياضيين" هذه القهوة كانت أمنا وصاحبها السيد هاشم رحمه الله أبو الشباب والرياضة كان عضواً في النادي وفتح هذه القهوة لتكون قبلة الشباب الذين صرف عليهم ثمن حظائر البقر التي كان يملكها ولم يبق لنفسه شيئاً غير حبنا له وذكراه التي لا تنسى كان احد مناضلي الجبهة القومية وراعي الشباب وهنا كنا نجلس نناقش هموم الرياضة ونسمع من صوت العرب خطب حبيبي جمال عبد الناصر .. حبيبي جمال عبد الناصر سمعت حبيبي جمال عبد الناصر..
في عام 1963م أخذنا دوري كاس بركسون وكان من عادة السيد هاشم أن يغلق المقهى الساعة التاسعة صباحاً ولكن في ذلك اليوم ظل واقفاً وفاتحاً للمقهى حتى يصل الشباب بالكأس وبالفعل كانت قهوة كشر أول مكان حملنا إليه الكأس ووضعناه على طاولة السيد للاحتفال به قبل أن ننقله إلى مقر النادي
خرجت من الميدان مودعاً ألطف مطوع نصر هاشم بعد أن حسّرني الحاسر بنشاطه في الكلام الذي أشكر له منه نصيحته لي بترك القات والتدخين ولم يكن في الميدان من مقهى آخر فمقهى زكو قد أصبح مطعماً ومقهى الحاجة قد انتقل وأصبح مقهى أمين كما قيل لي ومقهى عبدان ليس بشهرة تلك المقاهي في حارة الشيخ عبدالله سيلان وسكران كنت امضي في الأزقة أنا ودليلي قيصر المخرج الصحفي في الصحيفة وليس بالتأكيد ملك الرم وإن كان بطيبة قلبه أحب إلي من قيصر الروم وكسرى انوشروان كانت الأزقة قديمة ولكن المحلات مليئة بأحدث صيحات الموضة ودليلي يحملق في الملابس الداخلية النسائية ـ مجازا فكل مابداخلها خارجي ـ على دمى العرض في الفاترينات وأنا اهدده بان افضحه لدى زوجته التي أتمنى ألا تقرأ هذا الاستطلاع ..
مقاهي عدن رياضية
في مقهى سيلان استقبلني صاحب المقهى محمد سيلان الذي حدثني عن المقهى قائلاً:
تأسس المقهى عام 1968م ولا يزال على عادته يقدم الشاي العدني وإن كان الزحام لم يعد كسابق عهده كان الرواد قديماً أكثر من الآن انشغل على لمقة العيش ولم يبقى لديهم وقت يجلسون فيه على المقاهي أم عن دور المقاهي في الحركة الفكرية والسياسية فكلما ترى أن صغير السن ما اعرفه أن شخصيات شهيرة كانت ترتاد هذا المقهى مثل محسن وهيثم وسالم صالح محمد وسالمين وعبد الكريم الضالعي أول رئيس نقابة عمال بعد الثورة الموضوع الأكثر تداولاً في المقاهي على حد معرفتي هو الرياضة واستطيع أن أقول لك أن مقاهي عدن مقاهي رياضية دعاني بلطف إلى تناول الشاي فاعتذرت إليه لأني كنت على موعد مع صاحب اعرق مقهى في كريتر مقهى السكران نسبة إلى صاحبه علي عبدان محمد سكران الرجل الوحيد الذي لا يزال حياً من أصحاب المقاهي التاريخية في عدن والذي عاصر الحركة الوطنية مقاتلاً في صفوف القوات المسلحة وسياسياً في جبهة التحرير التي يشغل الآن منصب الأمين العام لها .
الموالد والسيرة النبوية في ليالي المقاهي الرمضانية
مقدماً اعتذارات له عن تأخري عن موعدي قائلاً الذنب ذنبكم فلو لم تطردوا البريطانيين من اليمن لتعلمت وأبناء جيلي منهم كيف نحترم المواعيد ونقدر قيمة الوقت..
دخلت خلفه إلى مكتب ولده المحامي قبالة القهوة كانت القهوة لا تزال على حال تدرك منها أنها مقهى عدني قديم رغم أن المقاعد بلاستيكية لكنها على الرصيف وفي الشارع والطاولات البسيطة مابين الكراسي والرواد أكثر بداية قال لي :
مقهى السكران أسسه جدي محمد عبدالله سكران عام 1910م في مبنى محمد الفقيه ثم نقله والدي عام 1944م إلى جوار مسجد الأهدل في شارع الزعفران ثم نقلته أنا إلى هنا في مطلع السبعينيات وهو أقدم مقهى في عدن موجود حتى الآن كان هناك مقاه عديدة لكنها لم تعد موجودة وجاءت أخرى بعد هذا المقهى ولكنها ذهبت أيضا لديك مقهى زكو أصبح مطعماً ومقهى الحاجة وهو من أقدم مقاهي عدن ومقهى فارع ولم يبق من المقاهي القديمة في كريتر غيرها ومقهى كشر وسيلان وعبدان هناك في الشيخ عثمان مقهاية القميري و مقهاية الجرك و مقهاية حجازي و مقهاية محمدو ومقاهيه الدبعي و مقهاية عبد الجبار في التواهي وانتهت ايضاً مقاهي الحرفين مثل مقاهي الجمالة (أصحاب الجمال) في السائلة مقهى بياعين الغنم في الطويلة انتهت ايضاً بانتهاء أصحاب هذه المهن كانت المقاهي تقدم للناس القهوة المرة مع التمر والبن المحروق والبن المطري والبن الوادعي والقهوة "المزغولة" أي المحلاة بالسكر وحليب البقر وكانت القهوة منتشرة في البيوت والمقاهي على حد سواء ثم تراجعت القهوة وحل محلها الشاي ولم يبق في عدن مقهى واحد يقدم القهوة غير مقهى واحد أمام مسجد الأهدل في كريتر بعض المقاهي الآن مع الشاي الخبز والفاصوليا لزبائنها..
كما كانت المقاهي ملتقى الأصدقاء كانت ملتقى أصحاب المهنة الواحدة من مختلف شرائح المجتمع جلس عليها ساسة وأدباء وفنانون وكبار تجار واذكر منهم على سبيل المثال محمد القادر مكاوي ومحمود ابنه وحسن جاوي ومحمد علي شماخ وعلي محمد حاجب وحسين علي بيومي ومحمد فضل القمندان ومغلس وعبد الله صالح عنتري وعمر غبة والحاج علي بوبكر ومحمد عبد الرحمن مكاوي كثيرون كانت تجمعهم على المقاهي منتديات أدب وفن وفكر بالنسبة للسياسة خلال مرحلة الكفاح المسلح ضد الاستعمار والإمامة وما تلاها أولاً أحب إن أقول لك كل فصائل العمل الوطني انبثقت من نادي الأدب العربي الذي أسسه عبدالله المحضار والسيد علوي الجفري وسالم باسويد سنة 1947م وانضم إليه الشيخ الحبشي سنة 1950م فمن هذا النادي انبثقت الجبهة الوطنية وحزب الشعب العربي الاشتراكي سنة 1952م وحزب البعث سنة 1954م وحركة النقابات الست ورابطة أبناء الجنوب سنه 56م وحركة القوميين العرب سنة 57م وكذلك حزب الشبيبة بقيادة عبدالله عبد الرزاق باذيب ومنظمة علي عبدالله السلفي وكلاهما يساريان بالنسبة إلى توجهت مع مجموعة من الزملاء بعد ثورة سبتمبر 62م إلى تعز ومنها إلى صنعاء حيث التحقت بالفرقة 13 صاعقة بقيادة عبد الرقيب عبد الوهاب ولكننا عدنا بعد انفجار ثورة الجنوب في 64م فالتحقت بالجبهة القومية وكان المسؤول عليها حينها محمد حسين أم دوري وبعد الدمج القسري في جبلة بين منظمة التحرير والجبهة القومية والخلاف بين الحركيين والتقدميين الذي أدى إلى تشكيل جبهة التحرير في 13 يناير سنة 66م انضمت إليها وبقيت حتى أصبحت الآن أمينها العام .."
لم أشأ مقاطعته فالحقيقة هي ما يتحدث به هؤلاء لا ماتكتبه السلطات إلا أنه فهم قصدي فقال :
كانت النوادي هي مكان الاجتماعات السرية للقوى الوطنية مثل نادي الاعبوس ونادي الاغابرة ونادي الذباحنة ونادي أبناء رداع ونادي الندوة العدنية منذ عام 74م بدأت تطغي الرياضة على المقاهي وأصبح اغلبها مقاهي رياضية .. ولكن هذا لم يلغ الجوانب الأخرى في المقاهي قديما في رمضان خاصة كانت تقام الموالد النبوية وتتلى على الناس السيرة النبوية من كتاب الهجرة المخطوط وبعدها القصص الشعبية مثل فتوح الشام وأبو زيد الهلالي والمقدار بن الأسود والزير سالم..وكان المداحون يتواجدون بجوار المقاهي لم يبق شيء من هذا الآن مقاهي الأنترنت لم تؤثر على المقاهي الشعبية فتلك نوع وهذه نوع ولكل زبائنها.
كان الحديث ذو شجون ولكن الوقت أسرع من أن ينتظر رغباتنا فتركته مكتفيا بسرده لي تأريخ الحركة الوطنية ودوره فيها دليلا على الدور السياسي الذي لعبه المقهى العدني الذي لا يقل عن مثيله في تونس أو القاهرة أو دمشق أو بيروت غير أننا نهتم بالمقهى الذي جلس فيه ميشيل عفلق صاحب حزب البعث في دمشق أكثر من المقهى الذي مازال يديره علي عبدالله سكران أمين عام جبهة التحرير ونعرف عن مقهى صفية حلمي في القاهرة أكثر مما نعرفه عن مقهى الحاجة في كريتر
خاتمة
من بحث للدكتور سالم لبيض : المعهد العالي للعلوم الإنسانية ـ تونس
لاشك ان المقهى بالرغم من انتمائه الى الفضاءات المخصصة لأوقات الفراغ وللمعاملات غير الرسمية والشكلية فإنه استطاع ان يلعب أدوارا كبرى وخطيرة في احداث سياسية ونقابية وفي الترويج للافكار والايديولوجيات والاداب والفنون وفي عقد الصفقات الهامة وفي ارتباطه باحداث وبشخصيات على درجة كبرى من الاهمية في تاريخ البشرية (مقهى جلس فيه ماركس أو سارتر). وقد بات يشكل موضوع ابداعات ادبية وفنية سينمائية ومسرحية وهو في واقع الامر نتاج لحراك اجتماعي وتاريخي عاشته البشرية في اطار اجابتها على الاسئلة والتي كثيرا ما ترتبط بالحاجات البشرية المادية والمعنوية المتجددة وهو يعيش التحولات التي يعيشها المجتمع بأكمله ويتأثّر بها ويؤثر فيها بشكل أو بآخر.
عناوين
مقاهي العالم تقدم قهوة العيدروس ومقاهي عدن تقدم الشاي الصيني
مقهى القميري كان مكتب الرئيس سالمين المفتوح
البريطانيون يلاحقون المناضلين في " الشجرة " والرئيس علي ناصر يلاحق الطلبة في " كشر"