المؤتمرنت- متابعات - الأسبرين.. دواء سحري تدور حوله الأبحاث برغم مرور أكثر من مائة عام على استخدام الأسبرين بهيئته النقية كحبوب دوائية فإن الباحثين حتى اليوم يواصلون البحث في أفضل طرق استخدامه وكيفية جني فوائده وتجنب آثاره الجانبية، وآخر الابحاث كان في الأسبوع الماضي من الولايات المتحدة ومن أستراليا. حبوب الاسبرين التي أنتجتها لأول مرة شركة باير الألمانية عام 1899 كخافض للحرارة ومخفف للألم والتهابات المفاصل ما لبثت أن طرحت نفسها منذ منتصف القرن الماضي كأفضل ما هو متوفر لمنع جلطات القلب لمن لم يصب بها من قبل أو من أصيب بها، وأصبحت واسعة الانتشار لدرجة أن تناولها السنوي في دولة واحدة فقط وهي الولايات المتحدة يبلغ سنوياً ما يربو على 30 بليون حبة، ناهيك عن إجمالي الاستخدام العالمي لها، حوالي نصفهم يتناولها لأمراض شرايين القلب.
الأسبرين للوقاية وكان كثير من دراسات المراجعة فصلت في شأن تناول الأسبرين كوقاية أولية من قبل من هو ليس مريضاً بالسكري وليس لديه إصابة بأمراض شرايين القلب، أي لم تسبق إصابته بجلطة قلبية أو الشكوى من ألم الذبحة الصدرية. والأساس في النصيحة الطبية اليوم هو نسبة احتمال إصابة المرء في أي سن كان، بأمراض شرايين القلب في خلال السنوات العشر المقبلة من عمره. ويستطيع الطبيب تحديد مقدارها وفق جداول منها ما هو خاص بالذكور ومنها ما هو خاص بالإناث، وتشمل مقدار العمر وضغط الدم ونسبة كوليسترول الدم والتدخين. السبب في التفصيل هو أنه كما للأسبرين فوائد فإن له آثاراً جانبية، والضابط في استخدام أي دواء هو حينما تغلب الفائدة المحتملة للتناول على الضرر المحتمل لذلك. فلو كانت النسبة تتجاوز 15% فاحتمال الفائدة يغلب على الضرر ولذا يُنصح الشخص بتناول الأسبرين علي سبيل الوقاية من تداعيات أمراض الشرايين، وإن كانت أقل من 6% فالضرر يغلب على الفائدة ولا يُنصح الشخص بتناوله للغاية المذكورة، ولو كانت النسبة بينهما فعلى حسب وجود أمراض أخرى كدرجات الفشل الكلوي وغيرها تزيد من احتمال التعرض لتداعيات أمراض الشرايين وهي مما يُراجع فيها الطبيب. وفي أواخر الشهر المنصرم نشرت الكلية الأميركية للطب الوقائي نتائج إحصاءات استخدام الأسبرين في الولايات المتحدة التي أظهرت أن 48% من مرضى السكري البالغين ما فوق الأربعين من العمر، هم في واقع الأمر لا يتناولونه بشكل يومي للوقاية من تداعيات أمراض شرايين القلب والدماغ ولم يسبق لهم أن تم مناقشة الأمر فيما بينهم وبين طبيبهم المتابع لعلاجهم. وهذه الشريحة أي من المرضى البالغين ممن هم مصابون بمرض السكري عرضة بصفة عالية لنشوء حالات تصلب الشرايين والمعاناة من تداعياته سواء التي في القلب أو الدماغ أو الأطراف، وبالتالي يمثل تناولهم للأسبرين كوسيلة دوائية وقائية أولوية ضمن قائمة العلاجات التي يُنصحون بها وهو ما تُنبه عليه إرشادات الهيئات الطبية العالمية اليوم كالرابطة الأميركية لمرض السكري والحملة الأميركية لخدمات الوقاية من الأمراض. فالجلطات القلبية أو الدماغية نتيجة أمراض الشرايين فيهما هي أهم ما يهدد حياة مرضى السكري نتيجة للإصابة المزمنة به، وتحصل بنسبة تبلغ ضعف ما يُصاب به غيرهم، والوفيات منهما تشكل حوالي 65% من أسباب الوفيات لدى مرضى السكري عموماً. ووفق تأكيد رابطة مرض السكري الأميركية والتقرير الثالث للجنة الخبراء في الحملة القومية الأميركية للتثقيف حول الكوليسترول فإن ظهور مرض السكري بحد ذاته لدى البالغ يُعد أمراً موازياً تماماً لظهور أعراض مرض شرايين القلب وخاصة الإصابة بجلطة القلب سواء بسواء، مما يعني أن الحاجة إلى تناول الأسبرين يومياً ما لم يكن هناك مانع منه هو أمر حتمي لمن أراد السلامة من تداعيات تصلب شرايين القلب والدماغ المهددة للحياة أو الصحة.
وبرغم الإرشادات العلمية الواضحة فإن الإحصاء الأخير هذا يشير إلى أن تناول الأسبرين ما زال دون المستوى المطلوب بمراحل لدى مرضى السكري، وأحد الأسباب هو عدم إدراك مرضى السكري لأمرين، ارتفاع احتمال تعرضهم لمشاكل شرايين القلب وغياب حقيقة استفادتهم العظيمة من الأسبرين. ولذا كان تعليق الدكتور جورج أندرسون الرئيس السابق للأكاديمية الأميركية للطب الوقائي هو قوله: الإحصاء يشير إلى أن نسبة غير كافية من مرضى السكري الأميركيين يدركون دور حماية القلب الذي يقوم به الأسبرين، وهناك حاجة ملحة أن يُولي الأطباء ومرضى السكري ممن تجاوزوا الأربعين من العمر اهتماماً أكبر لخفض نسبة الخطورة المعرضين لها علي حد قوله.
ليس هذا فحسب بل إن الإحصاءات قبل ثلاث سنوات أشارت إلى أنه بالرغم من النمو الإيجابي في تناول الأسبرين من قبل مرضى شرايين القلب من نسبة 6% في عام 1980، فإن النسبة لم تتجاوز 30%! وعلق عليها الدكتور سيندي سيميث الرئيس السابق للجنة العلمية في رابطة القلب الأميركية قائلاً يُوصف الأسبرين لوقاية مرضى شرايين القلب من تكرار الإصابة بتداعياتها وهو ما يُطلق عليه الوقاية الثانوية، كما يُوصف لوقاية من هم عُرضة للإصابة بها من السليمين وهو ما يُطلق عليه الوقاية الأولية. وكان الدكتور سيميث أشرف على وضع إرشادات رابطة القلب الأميركية الأخيرة للوقاية من تداعيات أمراض تصلب شرايين القلب كالوفاة أو الجلطة القلبية وقال عن الأسبرين إنه لا مجال للشك في فائدته كوسيلة للوقاية الثانوية، لكن تحديد الحاجة إليه في الوقاية الأولية للسليمين يتم ضمن ضوابط على حسب نسبة عرضة الإصابة بأمراض الشرايين خلال الأعوام القادمة من العمر وما لم تكن هناك حساسية منه أو هناك خطورة من النزيف الدموي في المعدة أو الدماغ. ولذا فإن على المرء أن يعلم مدى نسبة خطورة إصابته بأمراض الشرايين مرة كل خمس سنوات على حد قوله. المعدة والأسبرين من هنا فإن مناقشة بين الطبيب والمريض تحدد مدى الفائدة أو الضرر، وبحسب دراسة تدعى دراسة جيبوتير نشرت الأسبوع الماضي فإن هناك مؤشرات قوية على أن الأسبرين ما يزال من أفضل ما يحمي من نوبات الجلطات القلبية والدماغية لكن يجب الحذر من نشوء قرحة المعدة نتيجة لتناوله ومن دون علامات تحذيرية تنبئ بقرب ظهورها. الدراسة قام بها مجموعة من الباحثين من دول مختلفة كجامعة سيدني في أستراليا وجامعة لوزانو بليزا في زراراغوسا بأسبانيا ومايوكلينك في روشستر بمينوسوتا بالولايات المتحدة وجامعة ألبرتا بإدمنتون في كندا وجامعة نوتنهام ببريطانيا، وشملت مرضى من أستراليا وبريطانيا وكندا وأسبانيا بإشراف البروفسور نيفيللي يومانز عميد كلية الطب بجامعة غرب سيدني الأسترالية، وبينت أن من بين كل عشرة أشخاص يتناول جرعات منخفضة من الأسبرين على سبيل الوقاية من تداعيات أمراض الشرايين بشكل يومي فإن واحداً سيعاني من قرحة في المعدة يوماً ما، خصوصاً من تجاوزوا السبعين من العمر أو لديهم بكتيريا المعدة المسماة هيليكوبكتر بايلوري Helicobacter pylori فهم عرضة ثلاث مرات أكثر للإصابة بها مع تناول الأسبرين. والغريب أن هذا النوع من قرحة المعدة لا يشبه في ظهوره ما يحصل في العادة من الشعور بألم في أعلى البطن أو الإحساس بطعم الحمض المعوي في الحلق أحياناً أو التلبك المعوي أو غيرها من الأعراض، بل إن القرحة تظهر بصورة مفاجئة غالباً وفي أكثر الأحيان يتم تشخيصها بمنظار المعدة.
و لذا كما يقول البروفيسور يومانز بالرغم من فائدة الأسبرين فإن من المهم وزن الفائدة والضرر من تناوله ومحاولة معرفة من هم عرضة أكثر للمعاناة من آثاره الجانبية، خاصة نزيف المعدة نتيجة لقرحتها. وما لم يتضح حتى الآن هو هل زيادة معدل نزيف المعدة هو نتيجة لزيادة معدل نشوء القرحة ابتداءً أم أنه يزيد من معدل النزيف في القرحة الموجودة بالأصل لدى الإنسان؟ لكن خبرة الكثيرين من الأطباء متجهة للنصيحة بتناول الأدوية الخافضة لدرجة حمضية المعدة بغية الوقاية من نشوء قرحة المعدة والقضاء على ميكروب المعدة إن وجد بشكل تام ومتابعة أي أعراض في الجهاز الهضمي إن شكا منها متناول الأسبرين.
* تناول الأسبرين يزيد سيولة الدم يقوم الأسبرين بحماية القلب من حصول السد المفاجئ للشريان عبر آليتين، الأولى منع الصفائح الدموية من الترسب بعضها فوق بعض وبالتالي التصاقها وسد مجرى الدم من خلال الشريان، والثاني تخفيف حدة عملية الالتهاب في منطقة ضيق الشريان التي يُعد التهابها حافزاً مغرياً لتجلط الدم فوقها بالصفائح وعوامل تخثر الدم.
لكن نظراً لأن سيولة الدم تزداد نتيجة لهذا فإن كثيراً من الأطباء في السابق كانوا ينصحون بوقف تناوله قبل العمليات الجراحية أو خلع الأسنان وغيرها خوفاً من حصول نزيف يصعب التحكم فيه ووقفه. هذه النظرة لم تعد كذلك اليوم، لسببين، الأول هو أن كثيراً من الدراسات الحديثة نبهت إلى حقيقة كانت غائبة عن الأذهان وهي أن الوقف المفاجئ لتناول الأسبرين لفترة طويلة من قبل مرضى الشرايين يؤدي إلى نتائج عكسية علي القلب، وهو ما يظهر على هيئة زيادة احتمال حصول جلطة القلب نتيجة ارتفاع قدرات الصفائح على الالتصاق بعضها على بعض، الأمر الذي تحدث عنه الدكتور إميل فيري من نيس بفرنسا أثناء اللقاء السنوي هذا العام للكلية الأميركية لأطباء الصدر، وتؤيده دراسة بريطانية نشرت عام 2004 في مجلة مدونات الطب الباطني الأميركية مفادها أن التوقف عن تناول الأدوية المسكنة للألم والتهابات من نوع غير الستيرويد يرفع من احتمال الإصابة بجلطات القلب في أول شهر من ذلك بنسبة 50% بعد تناولها لفترة طويلة. و السبب الآخر هو ما أعلن عنه الباحثون الألمان بعد مراجعة مضاعفات النزيف في العمليات الجراحية للحالات ما بين عام 1996 وعام 2002، وبالنتيجة وجدوا أن الأسبرين لم يكن سبباً في ظهور حالات نزيف مهمة بعد عمليات القلب والشرايين أو العظام. وهو ما يتبناه الجراحون في هارفارد ضمن نشراتهم في أكتوبر هذا العام، لكن الاستثناء الوحيد وما يحتاج إلى مزيد من البحث هو عند إجراء عمليات الدماغ لأن الخوف من النزيف حتى لو كان بنسبة ضئيلة له آثاره السلبية البالغة على المريض.
الرياض: «الشرق الأوسط»
|