الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 05:58 م
ابحث ابحث عن:
كتب ودراسات
الأربعاء, 14-ديسمبر-2005
إعداد: نزار خضير العبادي -
المؤتمر الشعبي .. وتطور تجارب العمل السياسي (دراسة تحليلية) ج 3-3

** (( تطور البناء التنظيمي للمؤتمر))

بمقتضى الأوضاع السابقة لنشأة المؤتمر الشعبي العام، كان التقاء القوى السياسية اليمنية حول صيغة فكرية لقواعد العمل السياسي يعد خطوة جريئة على طريق المنهج السياسي الآمن، ساعدت على تهيئة أسباب الاستقرار والتمهيد لقيام التعددية الحزبية بعد قيام الوحدة عام 1990م.
فالتيارات السياسية التي كانت قائمة من قبل خارج رحم التشريعات الدستورية لم تكن قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية من جراء أزمتها الفكرية وما كانت تقاسيه من عجز في إمكانية نقل فكرها السياسي إلى حراك تفاعلي مع الظرف التاريخي .
فكان تشكيل لجنة الحوار الوطني بموجب القرار الجمهوري رقم (5) لسنة 1980م بتاريخ 27/5/1980م يمثل لتلك التيارات تحولاً باتجاه أدوات أكثر شمولية وقدرة على تحريرها من سكونها في إطار ما كلفت به لجنة الحوار من فتح الحوار مع مختلف العناصر الوطنية بشأن مسوّدة الميثاق الوطني والقيام باستبيان شعبي عام ومن ثم انتخاب نسبة الـ 70% من أعضاء المؤتمر الشعبي العام المزمع الدعوة لانعقاده بموجب قرار جمهوري جديد.
إن عناصر البناء الهيكلي التنظيمي الأول للمؤتمر ا لشعبي العام اتسقت على نحو مختلف عما هو كائن في إرث النشوء للتنظيمات السياسية المعروفة آنذاك في اليمن، والتي في معظمها كانت تمثل إمتدادات تاريخية لتجارب عديدة سابقة.
فهو على الرغم من كون السبب الرئيسي لتأسيسه يكمن في احتواء نشاط التنظيمات الحزبية التي كانت تعمل بهدوء في ظل الحظر الدستوري للعمل الحزبي، إلاّ أنه آثر الأخذ بنمط العضوية الفردية وليس الأسس التنظيمية الممثلة بكياناتها الحزبية الكاملة.
حيث أن قيامه لم يكن يعني القضاء على تلك الأحزاب التي بقي لها نشاط ملموس من خلف الكواليس السياسية "سريا" كما هو الحال مع الناصريين والبعثيين وذوي التوجيهات القومية والماركسية الأخرى.
المؤتمر الشعبي العام استهل علمه السياسي بكيان تنظيمي قوامه (1000) ألف عضوية فقط وفقاً لما نص عليه قرار رئيس الجمهورية رقم (19) لسنة 1981م، والذي حدد 70% منهم يتم انتخابهم من قبل المواطنين في جميع أرجاء الجمهورية، في حين أن ما نسبته 30% من مجموع الأعضاء الألف يتم تعيينهم من قبل قيادة اليمن السياسية.
الأمر الذي يفهم منه أن صفة عضوية الدخول بالمؤتمر الشعبي العام كانت مرهونة بأحد الخطين السابقين وحسب –وبهذا المعنى يصبح الشخص هو الذي يسعى إلى اكتساب العضوية من خلال هيئة ناخبة أو بموافقة السلطة، إن كان معيناً. مع الأخذ بالاعتبار أن تلك العضوية ليست أبدية على غرار ما هو معمول به عند الأحزاب الأخرى، بل أن أجلها أربع سنوات ما لم يتم إعادة انتخابه.
إن القراءة الدقيقة لأسلوب النشأة التأسيسية للمؤتمر العام التي عقد بها مؤتمره العام الأول (24-29 أغسطس 1982) تضعنا أمام حقيقة مهمة مفادها أن المؤتمر الشعبي العام حدد سلفاً حجم تنظيمه بألف عضو؛ والتحديد هنا يعتبر أسلوباً غريباً عن واقع نشأة الأحزاب السياسية، وربما يعطي انطباعاً آنياً بمحدودية الهدف أيضاً، وضيق الأفق الزمني للمهمة المناطة به، فضلاً عن غياب أية رؤى تنطوي على رغبة الامتداد إلى الصيرورة التنافسية العددية ضمن محور عمل سياسي متعدد القوى.
فطبيعة ما استوت إليها ظروف النشأة ، ثم إقرار مشروع الميثاق الوطني والمصادقة عليه في صيغته النهائية، إضافة الى تحديد أسلوب العمل لتطبيقه في المرحلة التي تعقب المؤتمر الشعبي العام، بحسب ما نص عليه قرار رئيس الجمهورية رقم (54) لسنة 1982م الصادر بتاريخ 12/8/1982م اقتضت كلها بداية حذرة ، ومحدودة الأفق من حيث خواص الهيكل التنظيمي ، ودائرة نشاطه السياسية.
وعلى هذا الأساس يكون المؤتمر بالصيغ والانطباعات التي انتظم عليها يوم 24 أغسطس مستوفياً عناصر عمله تماماً.
لكن إقرار المؤتمرون للمشروع الذي تقدمت به لجنة التصور للعمل السياسي باستمرارية المؤتمر الشعبي العام ، ولد حاجة لتوسيع بنيته التنظيمية بقدر ينسجم مع ماهية ما تم توصيف المؤتمر الشعبي العام به في برنامج العمل السياسي المنبثق عن المؤتمر العام الأول ى، باعتباره: "أسلوب للعمل السياسي يضم ممثلين عن الشعب بمختلف فئاته الوطنية ضمن منهج فكري عام يجسده الميثاق الوطني".
وبذلك التوصيف أو التعريف بات المؤتمر مؤطراً بصيغ سياسية مؤسسية تقترب به كثيراً من صيغ المؤسسات البرلمانية ا لكبيرة ، إلاّ أن ما يجعله مختلفاً عنها آنذاك هو أن المؤتمر كان يمزج بين أجهزته التنظيمية الجماهيرية وبين أجهزة الدولة، ثم بين المناصب الحزبية والحكومية.. وبالتالي فهو ديناميكية يمنية مبتكرة لأصول لمشاركة في الحكم - وفي نفس الوقت- مؤسسة رديفة لمؤسسات السلطة.. الأمر الذي اضطره إلى تطوير هيكلية البنية التنظيمية له بصورة ملموسة وفعالة مع ما آل إليه من دور .
ففي الدورة الثانية للمؤتمر (21-23 أغسطس 1984) أقر المؤتمر توسيع عضويته من (1000) عضو إلى (18000) عضو ، وتم إعداد برنامج خاص للتوعية السياسية في جميع أنحاء الجمهورية بقصد رفع كفاءة الأعضاء الجدد في ممارسة العمل السياسي بجانب تعزيز ثقة الجماهير بجدوى المؤتمر الشعبي بما ينقل حركة العمل الوطني إلى دائرة حراك تفاعلي نشيط يحررها من مواريثها السابقة .
ومن جهة أخرى فإن التطور الأخر في الهيكلة التنظيمية للمؤتمر كان باستحداث "اللجنة العامة" ، التي ضمت كلاً من الأمين العام للمؤتمر بوصفه رئيساً لها، ثم ثمانية أعضاء بحكم مناصبهم في هيئات المؤتمر والحكومة . وقد حددتهم المادة (20) من اللائحة الداخلية للمؤتمر وتكويناته بأنهم: " نائب رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الوزراء، أمين سر اللجنة الدائمة، مساعد أمين السر، ورؤساء اللجان المتخصصة المنبثقة عن اللجنة الدائمة".. كذلك تم استحداث "أمانة سر اللجنة الدائمة" و المتخصصة المنبثقة عن اللجنة الدائمة..
كذلك تم استحداث " أمانة سر اللجنة الدائمة" و "اللجان المتخصصة"،فأمانة السر كونت الجهاز الإداري والفني المساعد للجنة الدائمة ، وتتفرع عنها عدة أدارت خدمية .
أما فيما يتعلق باللجان المتخصصة فقد تم تشكيل أربع لجان من بين أعضاء اللجة الدائمة هي اللجنة السياسية، واللجة الثقافية، واللجنة الاقتصادية، ولجنة الإدارة والخدمات العامة .. كما شمل التطوير للبنى التنظيمية لفت عناية خاصة لتحديث التقسيمات الفرعية للهيئات الأساس المُشكّلة عام 1982م.
وبانعقاد المؤتمر العام الثالث للمؤتمر الشعبي العام في مدينة تعز "25-30 أغسطس 1986م) ، بدأ العمل السياسي للمؤتمر يدخل طوراً أكثر وعياً بمسئولياته، وسلكت تجاربه منحى دلل على نضج مبكر .
إذ كان تسليط المؤتمر الشعبي العام اهتماماته في هذه الفترة على تطوير هياكله التنظيمية نوعياً باتجاه استحداث لجنة التكوين التنظيمي ولجنة العلاقات الخارجية ثم هيئة متخصصة بإعداد الدراسات والبحوث "معهد الميثاق" ، كان مؤشراً على نجاح برامج المرحلة السابقة على نحو إيجابي مثير ، حفز المؤتمر الشعبي العام للتطلع إلى ممارسة أدوار دقيقة على الصعيد الخارجي، وإلى تقنين أنشطته بأدوات عصرية قائمة على مخرجات بحثية علمية مستخلصة بجهد مهني أكاديمي يحول دون الانقياد وراء الإيحاءات الاجتهادية غير المأمونة .
وفي إطار المرحلة ذاتها نجد أن مؤشرات ما سبق ذكره تمثلت - أيضاً- على مستوى الشارع العام، وطبيعة استيعاب أفراده لممارسات العمل السياسي، حيث أن هناك زيادات مطردة في عضوية المؤتمر الشعبي العام تجاوزت في العام 1986م ما يقارب
(23700) عضو ، تبلورت من خلالهم لبنات التكوينات القاعدية للمؤتمر التي تشكلت عبر ثلاث وحدات تنظيمية تمت إضافتها في هذه الفترة على مستوى النواحي والمدن ومراكز المحافظات والأحياء في أمانة العاصمة .
منذ انعقاد المؤتمر العام الثالث أخذت الرؤى التنظيمية بالاتساع ، وامتدت الطموحات إلى التفكير باستحداث لجنة رقابة تنظيمية ولجنة الدفاع والأمن وفقاً لما أوصى به تقرير الأمن العام .
وهو الأمر الذي وضعه المؤتمر العام الرابع المنعقد في الفترة (12-15 نوفمبر 1988م) في مقدمة مهامه ،بأن يستحدث لجنتي الرقابة التنظيمية والدفاع والأمن ، إضافة الى اللجان التخصصية ، ثم انتقل المؤتمر إلى توسيع عضوية لجان المؤتمرات الفرعية على مستوى المحافظات وأمانة العاصمة ، وتشكيل مجموعات العمل المصغرة في النواحي والقرى .
ويلاحظ أن المؤتمر العام الرابع جاء متأخراً عن موعده بما يقارب الثلاثة أشهر، وقد برر الأمين العام ذلك التأخير بالتزامن الحاصل بين الانتخابات التشريعية وموعد انقاد المؤتمر..
لكن - على ما يبدو - أن ذلك التزامن أعطى المؤتمر الشعبي العام الرابع زخماً معنوياً كبيراً، ومثل تتويجاً متميزاً لمسيرة العمل الديمقراطي لمرحلة ما قبل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وترتب على ذلك أن شهد المؤتمر العام الرابع حضوراً عربياً، وأجنبياً رفيعاً من وفود قوى وتنظيمات وأحزاب سياسية من دول شقيقة وصديقة، إلى جانب التغطية الإعلامية ا لواسعة من قبل مختلف الوكالات والوسائل الإعلامية المحلية والخارجية، وبث بعض الجلسات على الهواء مباشرة.
واعتقد أن تلك الأصداء مثلت حينها اعترافاً صريحاً بالكينونة السياسية التي صار إليها المؤتمر الشعبي العام، وبمقدار ما نجح في تطويره من البنى الهيكلية التنظيمية التي عززت من مساحة ما يحظى به من أهمية على صعيد قدراته في التفاعل والاندماج بركب حركات العمل السياسي فيما وراء الحدود اليمنية الإقليمية .
ولا شك أن أصول نشأة المؤتمر من أطياف فكرية تنظيمية مختلفة، ذات إمدادات تاريخية وفلسفية لصيغ عربية وعالمية مماثلة،وكان لذلك دوره في تقليص هوة الاغتراب السياسي التي تفصل المؤتمر عن بقية التجارب الخارجية التي تتمتع بثقل سياسي كبير.
أما فيما يخص الميثاق الوطني، فلم يطرأ على نصوصه أي تغيير أو تعديل،وظل محافظاً على ثبوتيته كما لو كان دستوراً وطنياً للدولة اليمنية.
إلاّ أن الملفت للنظر أن النظام الأساسي واللائحة الداخلية للمؤتمر الشعبي العام لم تكن تتضمن أدنى إشارة إلى الكيفية التي يتسنى بها تعديل أحكام الميثاق الوطني، ولا حتى تحديد الجهة التنظيمية المخولة باقتراح التعديلات أو تنفيذها.
ومن وجهة نظري أن تغييب أمر كهذا تؤاخذ عليه أمانة سر المؤتمر التي كانت عملت ضرورات كل مرحلة ، ثم أقرت التعديل في المؤتمر العام الرابع دون أن تلق بالاً لأهمية استحداث الأحكام الخاصة بتعديلات الميثاق الوطني - خاصة- أن المؤتمر الشعبي العام كان قد قطع شوطاً كبيراً في مسار العمل من أجل الوحدة اليمنية ، وبات يقف على قاب قوسين أو أدنى من ذلك - وفقاً لما أكدته الكثير من المؤشرات والشواهد السياسية لتكل الفترة .
وعلى كل حال – فإن إغفال الحاجة لتلك الأحكام ربما تكون قيادة المؤتمر الشعبي العام قد جعلت مصوغاتها فيها القلق من إثارة تحفظ بعض القوى السياسي الوطنية المستفيئة بظلال المؤتمر، التي يمكن أن تفسرها على أنها ثغرة ممهدة لأي اختراقات لفكر ومبادئ الميثاق الوطني بما ينحاز لمصلحة إحدى القوى السياسية أو التيارات الفكرية، دون سواها، مما قد يترتب على هذا الطرح إخلال بمعادلة توازن الصف الوطني اليمني .
إذن انطلقت جميع تلك الصيغ التطويرية للبنى الهيكلية التنظيمية للمؤتمر الشعبي العام في غضون أقل من ثمان سنوات بقليل من عمر المؤتمر الشعبي العام – وهي الفترة الواقعة بين تأسيس المؤتمر في
(24-29 أغسطس 1982م) والإعلان عن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في (22 مايو 1990م).
مثلت الوحدة اليمنية منعطفاً كبيراً في مسيرة المؤتمر الشعبي العام، إذ وضعته رهن اختبار صعب جداً من خلال التحديات التي فرضت نفسها على واقع ما آلت إليه ساحة العمل السياسي الوطني في الجمهورية اليمنية "دولة الوحدة" بانتقالها إلى التعددية الحزبية باعتبارها السبيل الوحيد لبناء نظام حكم سياسي يتصف بالشرعية، والاستقرار، إضافة على كونها حقاً دستورياً تكفله المادة (39) من دستور دولة الوحدة: " إن للمواطنين الحق في تنظيم أنفسهم سياسياً ومهنياً ونقابياً".
وعليه وجد المؤتمر الشعبي العام نفسه عشية صدور قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية رقم (66) لسنة 1991م ضمن (17) حزباً وتنظيماً سياسياً متنافساً ، لكن صعوبة ظرف المؤتمر كانت تكمن في عدد من المتغيرات والحقائق التي كان ينبغي عليه مواجهتها بكثير من العمل الدقيق والتفكير المسئول بطبيعة أدوات ما يقتضيه واقع التحول الجديد.. ويمكن الوقوف على مفردات الحالة من خلال الآتي:
· بمجرد قيام الوحدة أعلنت الكثير من العناصر التي كانت بالأصل تنتمي إلى أحزاب أو تنظيمات أخرى بالانسلاخ عن المؤتمر وقيام كياناتها السياسية المستقلة ، كما هو الحال مع الإخوان المسلمين والبعثيين والناصريين ، مما أسفر عن ذلك اختلال في البنية الهيكلية للمؤتمر – ولو بمقدار نسبي .
· إن الانتقال من الأحادية إلى التعددية الحزبية وضعت المؤتمر أمام حقيقة ما يستدعيه الظرف التنافسي بين الأحزاب من تحول في آليات العمل السياسي من الصيغة العددية المحدودة ، التي كان يعمل وفقها، إلى استقطاب القوى والشخصيات السياسية إلى صفوفه . وبالتالي فإن العضوية بالانتخاب لم تعد صيغة مقبولة في هذه المرحلة ، ومن الضروري جداً تحديد ضوابط جديدة لا كتساب عضوية المؤتمر الشعبي العام، واتخاذ القرار بشأن ازدواجية الانتماء الحزبي .
· وقف المؤتمر أمام إشكالية النصوص الفكرية للميثاق الوطني، حيث أن تلك النصوص لا تقر صراحة التعددية الحزبية، في حين بات حقاً على الميثاق الوطني تحديد موقفه من ذلك التطور. لكن إشكالية أمر كهذا متأتية من افتقار أدبيات المؤتمر آنذاك للأطر المنظمة لعملية تعديل الميثاق الوطني.
كما أنها أغفلت حتى تحديد جهة الاختصاص التي تناط بها هذه المسئولية .. مما جعل الأمر في غاية التعقيد كونه سيتطلب وقتاً طويلاً لإقراره .
· إن ربط المؤتمر للمراكز السياسية بالمراكز السلطوية ، اقتضى تعديلاً باللوائح يواكب ما آلت إليه نظم الحكم في الجمهورية اليمنية ، بعد أن أخذ المؤتمر والاشتراكي بصيغة التقاسم التي توزع المسئوليات مناصفة بين الاثنين .
· كان المؤتمر بحاجة ماسة إلى إعادة النظر ببعض فقرات برنامج العمل السياسي، والنظام الأساسي، واللائحة الداخلية وفقاً لما يميله ظرفه الجديد، وحاجاته للتطوير والتعديل .
· من ناحية أخرى فإن كل ما كان المؤتمر الشعبي العام مطالباً به فور انتقاله إلى التعددية واجه تحديات كبيرة جداً أعاقت ما كان يطمح لتحقيقه، وكان في مقدمة تلك التحديات انعكاس أزمة الخليج الثانية على الوضع الاقتصادي والسياسي اليمني، وتعرض اليمن لحملة دولية ضارية من جراء إساءة فهم موقفها من الغزو العراقي للكويت، مما جعل العديد من الدول تحاول عزلها وتضييق الخناق على أنشطتها السياسية والاقتصادية ..
وإلى جانب هذا التحدي كان هناك اشتعال الأزمة السياسية بين المؤتمر والحزب الاشتراكي اليمني في وقت مبكر عقب الوحدة، ومن ثم تطور الأزمة إلى حرب بين الشطرين، انتهت بهزيمة القوى الانفصالية في 7 يوليو 1994م.
خلاصة القول أن مسيرة البناء التنظيمي للمؤتمر تعثرت كثيراً في الأعوام الأولى من الوحدة، وتعذر على المؤتمر عقد مؤتمره العام الخامس في عام 1992م كما كان مقرراً له ذلك ، رغم أن الهيئات القيادية العليا للمؤتمر هي من حملت العبء الأعظم من مهام المؤتمر في هذه المرحلة ، وأدارت أنشطته المختلفة - بمفردها تقريبا ً- حتى منتصف عام 1995م الذي انعقد فيه المؤتمر العام الخامس الذي يمثل أهم المحطات التاريخية للمؤتمر الشعبي العام.
في الفترة 25/6- 2/7/ 1995م. عقد المؤتمر الشعبي العام مؤتمره العام الخامس تحت شعار "المؤتمر العام الخامس انطلاقة جديدة لتطوير البناء التنظيمي وتعزيز الديمقراطية" وبدأ الانطباع الأولى من شعار المؤتمر أن قيادة المؤتمر عازمة على إيلاء البناء التنظيمي المؤسسي مقدمة أولويات عمل هذه المرحلة، وهو بمثابة وسيلة المؤتمر التي يراهن بها على تجذير الممارسة الديمقراطية، والارتقاء بالعمل السياسي بما يحقق أهداف المؤتمر وتطلعات أعضائه.
ومن هنا أنطلق المؤتمر الشعبي العام باتجاه استيعاب محددات الأسلوب التنافسي على ساحة العمل السياسي، حاشدا كل طاقاته لتكييف هياكله التنظيمية ، وأوعيته الفكرية لمرحلة مختلفة تماماً عن العهد السابق .
حيث أقر المؤتمر العام الخامس هيكلية قاعدية جديدة تماماً ، تم بموجبها الربط بين آليات التوزيع الإداري وآليات التوزيع الانتخابي للدوائر في تشكل وحدات التنظيم الفرعية للمؤتمر.
كما أقر المؤتمر تعديل الميثاق الوطني، ثم النظام الداخلي الذي بات يوزع التكوين القيادي الأول على أساس (رئيس المؤتمر، نائب الرئيس، الأمين العام، وأمين عام ساعد)، إضافة على تكوين أمانة عامة ، وتحديد عدد أعضاءها بـ (321) عضواً .علاوة على ذلك تقرر تعديل شروط العضوية وإضافة فقرة تنص على ألاّ يكون العضو منتمياً إلى حزب أو أي تنظيم آخر.. وتلك صيغة تقترب بالمؤتمرين من كينونة "الحزب" أكثر من "التنظيم" .
وعلى أساس ما تقدم شهدت المرحلة التالية من مسيرة المؤتمر الشعبي العام توجها حثيثاً لتشكيل المراكز التنظيمية وانتخاب قياداتها، تم تشكيل فروع المؤتمر بالمحافظات وكذلك في المديريات على أساس الدوائر الانتخابية .
في الفترة 24-27 أغسطس 1997م عقدت الدورة الثانية للمؤتمر العام الخامس التي تم فيها إقرار النظام الداخلي وبرنامج العمل السياسي بعد إدخال بعض التعديلات على نصوصها بقصد استحداث بعض القيادات الوسيطة التي من شأنها تعزيز التواصل بين التكوينات القيادية والقاعدية ، إذ ساعد الاجتماع التشاوري الثالث لقيادات فروع المحافظات في الفترة 26-28 أبريل 1998م على إحداث تقدم كبير - إلى حدٍ ما - في إعادة هيكلة المؤتمر على أسس تنظيمية أكثر توافقاً مع متطلبات المرحلة التي اصبح فيها المؤتمر في الواجهة ا لحكومية بمعزل عن أي شريك آخر .
وفي الحقيقة ، أن العمل السياسي في هذه الفترة كان دقيقاً جداً وحساساً في ظل تعاظم مسئوليات المؤتمر الوطنية أولاً ثم على ضوء اشتداد المنافسة الحزبية مع بقية القوى السياسية اليمنية التي أخذت تحتشد في صيغ جماعية مؤلفة جبهة الضد المناوئة للمؤتمر "ديمقراطياً". علاوة على أن المؤتمر الشعبي العام كان مطالباً بالانفتاح على خيارات ديمقراطية واسعة بقصد تعزيز التحول نحو البناء اللامركزية للدولة .
وفي الفترة 4-9 يوليو 1999م عقد المؤتمر الشعبي العام مؤتمره العام السادس "الدورة الأولى" . وكانت في مقدمة مهام المؤتمر الوقوف على مخرج نهائي لمسألة الانتخابات الرئاسية .
حيث أن امتناع الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام عن ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية تسبب بإشكالية كبيرة للمؤتمر ، خاصة مع إصراره على الموقف واقتراحه ترشيح أحد ثلاثة "فريق ركن عبد ربه منصور هادي ، د. عبد الكريم الإرياني ، الأستاذ عبد العزيز عبد الغني" .
وهو الأمر الذي انتهى بإقرار المؤتمر بالإجماع على ترشيح الرئيس علي عبد الله صالح للانتخابات الرئاسية ، واعتبار الترشيح قراراً تنظيمياً لا يحق له مخالفته .
أما المسائل الأخرى التي تضمنها جدول أعمال المؤتمر فهي انتخاب الأمناء المساعدين وإضافة عشرة أعضاء جدد للجنة العامة، وحصول المرأة على (50) مقعداً في عضوية اللجنة الدائمة، وكل ذلك كان يسير باتجاه البنى التنظيمية للمؤتمر وتعزيز تجانسها، ورفع. كفاءة أداء المؤتمر بشكل عام .
في الفترة 24-26 أغسطس 2002م عقد المؤتمر الشعبي العام الدورة الثانية من المؤتمر العام السادس، وحضرها ما يقارب الخمسة آلاف، وتم التركيز في هذه الدورة على إسهامات المؤتمر في المجالات التنموية وسبل تعزيز أدواره في الإصلاحات المالية والإدارية لمؤسسات الدولة .
ومن جهة أخرى أقر ضرورة استكمال المؤتمر أعماله في تطوير البنى التنظيمية الهيكلية ، وأقر التعديلات على نظامه الداخلي وفقاً لما تقتضيه مخرجات المرحلة التي أفرزتها مشاركة المؤتمر من انتخابات المجالس المحلية 2001م ، والتي استدعت استحداث حلقات تنظيمية جديدة على المستوى القاعدي وأخرى وسطية توثق عرى التواصل بين الدوائر التنظيمية المختلفة .
لكن في خلاصة الأمر نجد أن جميع تطورات البناء التنظيمي للمؤتمر الشعبي العام منذ انعقاد مؤتمره العام الخامس عام 1995 كانت تتجه صوب إيجاد صيغ تفاعلية متينة مواكبة للتحولات العامة للدولة نحو اللامركزية..
واعتقد أن قدرة المؤتمر على تكييف تطوراته الداخلية وبرامج عمله السياسية مع مسار التحول العام للدولة عزز من فرصه في التعايش الإيجابي مع العصر من جهة ، ومع مقتضيات الحركة الوطنية والديمقراطية اليمنية بشكل عام من جهة أخرى.



** (( المؤتمر الشعبي العام .. قــراءات نقديـــة))

ليس من اختلاف في أن المؤتمر الشعبي العام مثل ظاهرة في تاريخ اليمن الحديث- إن لم نقل أنه كان صانع هذا التاريخ، وعنوان جميع فصوله. إلاّ أن من طبيعة كل الأحزاب والتنظيمات السياسية –سواء اليمنية، أم العربية، أم الغربية- أن تصف مسيرة عملها السياسي بـ(التجربة) من واقع إدراكها بعدم نضوج ممارساتها من الوهلة الأولى، وافتراضها الوقوع في الخطأ، أو القصور على أقل تقدير.
والمؤتمر الشعبي العام – كما نفهمه – ما هو إلاّ تنظيم مرحلي يتبنى وضع سياسات وخطط معينة ضمن سقف زمني محدد، ثم يسعى لتحقيقها بمختلف الأدوات المتاحة، والمهارات التي تمتلكها كوادره.
وهو - وفقاً لذلك- يعمل على صناعة رصيد معرفي يعزز به كينونته التنظيمية، والحركية من خلال إضافة تجارب كل مرحلة إلى التي تليها، واعتمادها أساساً في صياغة برامجها، وسياساتها. ومن الواضح إن هذا النمط من العمل السياسي لم يترجمه المؤتمر في مناهجه التنموية فحسب، بل هو الأسلوب الذي ظل معتمداً في البناء الوحدوي، وفي البناء الديمقراطي، وفي التحول نحو الدولة اللامركزية، وحتى في تشكيل سياساته الخارجية.
وربما كان البناء البرامجي واحداً من أهم ما امتاز به المؤتمر الشعبي العام، وجعله تنظيماً براغماتياً عملياً، وجنبه الشطح في منزلقين كبيرين أولهما- التقوقع في مثاليات التنظير السياسي الإيديولوجي، الذي وأد العديد من الأحزاب، والتنظيمات بعد أن قيّد أنشطتها، ومنعها من الانفتاح على أدوات العصر، وفلسفاته الفكرية، والثقافية .
أما المنزلق الثاني- فهو تراكم الأخطاء، واتساع هوة الصدمات، والإخفاقات التي قد يتعرض لها أي تنظيم ، أو حزب يعتمد أسلوب المرحلة الواحدة ، الخالية من محطات التقويم ، والتجديد ، والانتقال الاستحقاقي .
ومع كل هذا وذاك، لم يكن المؤتمر الشعبي العام على امتداد مسيرته الطويلة ليبلغ وصفيات الكمال، أو النضوج الكلي- وفي بعض الجوانب- ولا المستوى المقبول من الأداء الذي ينسجم وطبيعة عمره الزمني أولاً، ورصيد إنجازه التاريخي ثانياً، وحجم تطلعاته ثالثاً، وعمق الخبرة التاريخية لقياداته ، وبعض كوادره أخيرا ً.
اعتقد أن المؤتمر في المرحلة الراهنة بلغ مناخاً تنافسياً ساخناً، كان يصنع طقوسه بنفسه طوال الفترة التي أعقبت الوحدة اليمنية ، وبات حقاً عليه الالتفات إلى ذاته ، بعد أن نجح في تأهيل الآخرين ديمقراطياً، وتهيئة بنى مؤسسية مدنية كفيلة- إلى حد ما- بتفعيل الممارسة، وتطويرها سريعا ً.
فواحدة من المآخذ على المؤتمر الشعبي العام هو أنه أعطى لغيره أكثر مما يعطيه لنفسه ، وأولى مشاكل الآخرين ، وهموم الديمقراطية ، ومؤسسات المجتمع المدني ، وغيرها أولويات تتقدم على ما يوليه لشئونه الخاصة .
وعليه يمكن القول : أن هناك عدد من المسائل التي ينبغي الوقوف عندها في أية قراءة موضوعية لتطور حركة العمل السياسي للمؤتمر- إذا ما أردنا أن نكون منصفين - ومنها ما نستعرضه بإيجاز فيما يلي :
· أولاً- على الصعيد التنظيمي:
رغم توسيع عضوية المؤتمر الشعبي العام في أواسط الثمانينات، وبلوغ تكويناته ما يزيد عن (33) ألف عضو حتى انتخابات مجلس الشورى في يوليو 1988م، إلاّ أن ذلك الأفق العددي المحدود انعكس على واقع البنى التنظيمية للمؤتمر في مرحلة ما بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية ، وامتد بتأثيره إلى فترات متقدمة من مسيرة المؤتمر .
بمجرد إعلان الوحدة أخذت العديد من القوى السياسية بالانسلاخ من المؤتمر لتأسيس كياناتها المستقلة - ربما في وقت سابق من إصدار قانون الأحزاب رقم (66) - كما هو الحال مع حزب الإصلاح ، والتنظيم الناصري- مما تسبب ذلك في خلخلة الهياكل التنظيمية للمؤتمر، وإلقاء عبء العمل السياسي على كاهل اللجنة الدائمة ، والتكوينات القيادية بدرجة رئيسية طوال الفترة السابقة لانعقاد المؤتمر العام الخامس عام 1995م .
ومع أن الحالة التعددية كانت تقتضي معالجات سريعة ، وجادة ، لكن احتدام الأزمة السياسية مع شريك الوحدة (الحزب الاشتراكي) ثم انفجارها بحرب صيف 1994م ، فضلاً عن انهيار الصمامات الاقتصادية من جراء ما ترتب على اليمن من آثار سلبية أملتها حالة الاجتياح العراقي للكويت، كلها أحالت دون قيام المؤتمر بأية إصلاحات تنظيمية قبل إقرارها في مؤتمره العام الخامس 1995م .
ويبدو لنا أن المؤتمر الشعبي العام ، حتى في الفترة التي أعقبت مؤتمره الخامس كان متباطئاً كثيراً في تحوله إلى الصيغ التنظيمية التي تنسجم مع طبيعة المشاريع الديمقراطية التي خطط للانفتاح عليها أولاًَ، ومع مسئولياته كحزب حاكم يضع في حساباته تطلعاً لإدارة السلطة بمعزل عن أي شريك آخر بعد الانتخابات النيابية الثانية في إبريل 1997م .
أننا لو راجعنا توجهات التحول التنظيمي للمؤتمر في تلك الفترة نجد أن الاهتمام الأول كان منصباً في اتجاهين : أولهما- الأدبيات السياسية (الميثاق الوطني، والنظام الداخلي) بحثاً عن صياغات جديدة مواكبة . وثانيهما- التكوينات القيادية للمؤتمر.. في الوقت الذي صار السعي لما سبق يحتل الجهد الأعظم مقابل جهد متواضع لإعادة النظر بالتكوينات القاعدية ، رغم تأكيد المؤتمر العام الخامس على أهمية بلورتها في صياغات هيكلية جديدة تم تضمينها في توصياته، وبيانه الختامي .
ومن الملاحظ أن التكوينات القاعدية للمؤتمر لم تحظ باستحقاقاتها اللازمة- التي كان ينبغي اعتمادها منذ سنوات خلت- إلاّ فيما أقره لها المؤتمر العام السادس ، خاصة دورته الثانية 2002م ، التي خطت بجدية نحو إعادة الهيكلة التنظيمية للمؤتمر.. وهو الأمر الذي ألقى بالعبء الأكبر من مسئوليات العمل الوطني على كاهل التكوينات القيادية .
إلاّ أن بعض أحزاب المعارضة اليمنية- مثل حزب التجمع اليمني للإصلاح- تضع الجزء الأعظم من المهام السياسية على عاتق تكويناتها القاعدية، بقدر يخدم عدة غايات منها : سد العجز، والفراغ الناجم عن تقاعس بعض قياداتها، أو تحمل مسئولية أخطاء قيادية ، وثغرات في منهج العمل السياسي، والفكري الذي يعتمده الحزب .
بجانب ذلك، فإن الحضور القوي للخلايا القاعدية في الوسط الجماهيري يكفل امتصاص أية نقمة شعبية، أو عدم رضا، ويجعل منها خطوط الصد الأولى التي تحمي الرموز القيادية ، وتحول دون إلحاق الكثير من التشويه لصورها، ومراكزها السياسية، إذ أنُ أية تشويهات محتملة سيتم إلحاقها- عفوياً- بالخلايا القاعدية ذات التماس المباشر مع الحدث- رغم أنها تعمل في إطار توجيهات، وبرامج تلك القيادات التي تدبر اللعبة السياسية عن بُعد .
علاوة على ذلك، فإن هذا اللون من التركيز على البناء التنظيمي القاعدي لا يسهل فقط المهام التعبوية ، وحرب الإشاعة ، والتحشيد لمواقف معينة ، بل إنه - أيضاً- يمنح قيادة الحزب فرصاً إضافية لتأمل تجاربها السياسية، ومتابعة اتجاهات القوى المنافسة ، وبلورة برامج دقيقة لمراحل مقبلة.
إذن كان انشغال المؤتمر لفترة طويلة عن إعادة الهيكلة التنظيمية بصورة عاجلة، ومتينة جعل قياداته هي من يقف على خط الصد الأول، ويتلقى هجمات المعارضة، ويتحمل وزر كل خطأ جعل قياداته هي من يقف على خط الصد الأول ، ويتلقى هجمات المعارضة ، ويتحمل وزر كل خطأ ناجم عن هذه الإدارة ، أو تلك ، وعن سلوك هذا العضو المؤتمر ، أو ذاك- على العكس تماماً من الحالة السابقة .
الأمر الآخر المهم هو أن بعض القيادات المؤتمرية المخضرمة ، وأخرى يُشار لها بالبنان تم توليتها مناصب وزارية ، أو وكالات وزارات ، ورئاسة هيئات حكومية ، تحولت بموجبها إلى كوادر مهنية تماماً قلما تشغل رأسها بالتفكير بسبل تطوير منظومتها السياسية (المؤتمرية) على الصعيد التنظيمي والفكري، ولو بقدر نسبي من اهتمامات جهدها الوظيفي..
وعلى الرغم من حسنات ذلك النهج الذي تصب مخرجاته لصالح التنمية الوطنية ، إلاّ أن حرمان المؤتمر من موارد فكرية خصبة ، ورؤى سياسية طموحة قد يترتب عليه حرمان الجماهير من ديمومة عطاء المؤتمريين لبلدهم .
إن المسألة الأخرى المثيرة لبعض الجدل هي ما يمكن تسميته بـ(الثقافة التنظيمية)، وهي ربما تكون ليست مختصة بالمؤتمر الشعبي العام- وحده- بقدر ما يمكن وصفها بالمشكلة العامة التي تعاني منها جميع الأحزاب، والتنظيمات اليمنية، وتؤاخذ عليها الأحزاب الإيديولوجية قبل غيرها .
فيما يخص المؤتمر، فإنه مازال غير قادر على موازنة تطوراته السريعة ، وتطلعاته الكبيرة في إطار التحول إلى حزب مع خطوط التأهيل، والإعداد لأعضائه، الذي يمدهم بقاعدة معلوماتية تشرح هياكل الهرم التنظيمي، وتحدد الحقوق، والعلاقات، وتبين سلم التطور التاريخ للتنظيم، وما استجد من تغيرات، والغايات المرجوة منها.
فقد بقي بعض تلك الموضوعات في إطار صياغتها الأدبية السياسية الأصلية دونما تجاوزها إلى صيغ القراءات التوعوية المبسطة ، في حين ظلت التطورات، والتحولات في مسيرة المؤتمر التاريخية محظ تقارير صحافية ، وتصريحات، وكتابات تتداولها في حينها وسائل الإعلام المختلفة ، دونما الوقوف على مبادرة لتوثيقها ، وتنظيمها في تسلسلاتها الزمنية .
ومن هنا نرى أن إعادة هيكلة المؤتمر تنظيماً مثلث خطوة أحادية ،كان يجدر استكمالها ببرامج تأهيلية على صعيد بناء الثقافة التنظيمية للأعضاء ، والحلقات الإضافية - خاصة - إن المؤتمر مازال يمثل مظلة للكثير من الكوادر المنسلخة عن مختلف القوى السياسية الأخرى، والتي تعلن انضمامها إليه في كل الفترات، وغالباً ما يتم معادلة درجاتها الحزبية السابقة بأخرى مؤتمرية تكاد تكون مساوية لها.
إن لمن المؤكد أن قيادة المؤتمر الشعبي العام نقلت الواقع اليمني إلى حالة متقدمة ، وساحة واعية - إلى حد ما - تقيم جدلاً كبيراً لمختلف القضايا الوطنية، ليس فقط على مستوى الحلقات القيادية الرفيعة، بل يمتد الجدل والنقاش إلى وسط الأسرة ، أو البيت الواحد . وهو الأمر الذي يجعل من مسألة التأهيل الفكري، والتثقيف التنظيمي حالة غير منفصلة عن أي مشروع لإعادة الهيكلة التنظيمية للمؤتمر، أو غيره ..
ومع أهمية ذلك، لا يبدو أن الدائرة التنظيمية للمؤتمر قد أعدت الكثير من الخطط لموازنة مشاريعها الطموحة مع أدوات فاعلة لتأهيل الأعضاء لحمل فكر المؤتمر، وأدبياته ، وتوجهاته السياسية إلى محافل الجدل السياسي القائم ؛ فأغلب فروع المؤتمر، والتكوينات المنبثقة عنها تكاد تخلو من المطبوعات التي عادة ما تكرسها الأحزاب لأغراض الإعداد التنظيمي، وإن كثير من الأعضاء على غير معرفة بالمفردات البسيطة من أدبيات المؤتمر - مثل شعار المؤتمر، أو الحقائق الخمس التي تبلورت على أساسها أفكار الميثاق الوطني .
اعتقد أن وجود هذه الظاهرة - رغم تفاوت نسبها مكانياً بين المحافظات، وداخل المحافظة الواحدة - عائد الى ما سبق الحديث عنه من تقديم أولويات البنى القيادية على القاعدية .
وهو ما جعل معارك المؤتمر السياسية – إن جازت التسمية كذلك – تبدأ من أعلى الهرم التنظيمي ، وتأخذ بالانحسار التدريجي تنازلياً حتى تتلاشى عند المربع الأول من قاعدته .
ربما يجد البعض في النتائج التي تتمخض عنها كل تجربة انتخابية مبررا للتشكيك فيما ذهبنا إليه من رأي، لكن الحقيقة الواضحة عملياً هي أن القاعدة الشعبية العريضة التي تعطي أصواتها للمؤتمر الشعبي العام ، في جزء كبير منها يجعل معياره في مفاضلة خياراته هو الإنجاز المادي الملموس، وكل ما يراه حوله من مشاريع ، وتطورات ، وغيرها ، إلى جانب مبررات أخرى -سنأتي على ذكرها لاحقاً . في الوقت الذي نحن نتحدث عن عناصر تنظيمية لمشروع دقيق يرمي المؤتمر من خلاله التحول إلى حزب بكل الاعتبارات الأدبية السياسية للكلمة.
مازالت هناك مسألة أخرى يجدر الإشارة إليها، وهي أن المؤتمر استقطب الكثير من الرموز التي كانت من قبل تحت ألوية أحزاب، وتنظيمات أخرى . وبالقدر الذي مثلت أعداد كبيرة منها إضافات نوعية لصفوف المؤتمر الشعبي العام، تحول قسم آخر منها إلى عبء على المؤتمر كونه تبوأ إحدى الواجهات المؤتمرية - بغض النظر عن مساحة مسئولياته - دونما أن يكون قد تمرس على أسلوب العمل السياسي للمؤتمر، أو جنى أي رصيد تاريخي فيما وصل إليه المؤتمر.
إن هذه الحالة ولدت شيئاً من الجمود، أو الإعاقة لحركة العمل السياسي في الحلقات التنظيمية التي آل زمامها لبعض العناصر المستقطبة التي حجبت أضواء رموز مؤتمرية قديمة تحمل صفات عصرها .
وهو ما يعني بالتالي حرمان المؤتمر فرص ممكنة من التطور ، أو من أسباب أخرى لتحقيق المزيد من البرامج الوطنية .

· ثانياً: على صعيد البناء الديمقراطي
لا يختلف اثنان في أن المؤتمر الشعبي العام هو المؤسس الحقيقي للديمقراطية في اليمن، وإنه قائم منذ البدء على أسس الحوار الإيجابي بين مختلف أطياف القوى السياسية الوطنية، واعتبار ذلك النهج مرتكزاً لمحور الوحدة الوطنية . وهو الأمر الذي ألقى على عاتق قيادة المؤتمر مسئولية الأخذ بأيدي جميع الأحزاب ، والتنظيمات السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني ، وغيرها من أجل إنماء التجربة الديمقراطية ، وإيصالها إلى المستوى المقبول الذي تتفاعل به الحياة السياسية اليمنية .
لكن على الرغم من كل ما حققه المؤتمر على هذا الصعيد ظلت هناك عدد من الملاحظات التي ينبغي التمعن بها في المسيرة الديمقراطية للمؤتمر الشعبي العام ، والوقوف عند الانطباعات التي تخلفها عند أية مراجعة دقيقة لتجاربها المختلفة .
فالمؤتمر يعتمد في خوض المنافسات الانتخابية على أرصدته السابقة من العمل الوطني بالدرجة الأولى، ثم تليها تكتيكات القيادات السياسية المعتمدة في إدارة اللعبة، وتوجيهها نحو غاياتها، وقلما يتحول الرهان الانتخابي على العضو المرشح نفسه ، وثقله الجماهيري في دائرته الانتخابية.
وعلى الرغم من أن مثل تلك الأرصدة، والتكتيكات مطلوبة بصورة ملحة عند جميع القوى السياسية، وتشكل العصب الحيوي لديناميكية التجربة الديمقراطية التنافسية ، إلاّ أن اعتبارها مرتكزاً محورياً لاستنباط النتائج، وتقييم الفرص الاستباقية للمخرجات النهائية ليس بالأمر الحسن، الذي يتوافق مع مستلزمات الحالة المؤتمرية الآنية الذي يتبوء بها موضعاً سلطوياً ريادياً، ولا مع ما يتطلع إليه المؤتمريون من تطلعات طموحة للغاية .
فالكتلة البرلمانية للمؤتمر ظلت في جميع دوراتها تفتقر للتجانس النوعي الذي يجعل منها رديفة متوازنة للكتلة الوزارية التي تتبوء وضعاً متميزاً ، تشكل فيه الكفاءات العلمية العالية أهم سماته المحلية . وهذا الأمر كان محفزاً لبعض قوى المعارضة- كالتجمع اليمني للإصلاح- للتركيز في دعائياته الانتخابية على إبراز المؤهلات العلمية لمرشحيه لكسب بعض التوازنات أمام قيادات المؤتمر .
في حين كان تركيز المؤتمر على أرصدته الوطنية ، وتكتيكاته السياسية قد تسبب بعددٍ من الإشكاليات في الدورة الانتخابية البرلمانية الثالثة (إبريل 2003م)، منها السماح لمرشحين لا يحملون صفات المرحلة في الانضواء تحت سقيفة الكتلة البرلمانية للمؤتمر ، وبالتالي أصبحوا نقطة الضعف المعرقلة لبعض توجهاتها ، أو مشاريعها، أو حتى أدائها المأمول .
وعلى منحى آخر، كان ذلك الأسلوب أن أثار عدم رضا قواعد المؤتمر نفسها في بعض الدوائر التي رأت في اختيار قيادة المؤتمر العليا (الأمانة العامة) لمرشحين لا يحظون بالكثير من الشعبية ، أو الرضا في دوائرهم أمراً محرجاً بالنسبة لهم كأعضاء في المؤتمر يعرفون مسبقاً أن رهانهم خاسر، وليس بين أيديهم الكثير الذي يدافعون ، أو يبررون به ، أو حتى يرجونه للمرشح .
ومن هنا جاء فشل عدد من مرشحي المؤتمر بأمانة العاصمة - بشكل خاص- من جراء تجاهل خصوصية المنطقة كمركز إشعاع ثقافي ، وتجمع مدني هائل لا يتأثر بسهولة بمعايير الانتقاء على أساس الانتماء الحزبي ، أو الولاء القبلي، والفئوي ، وغيرها بحجم تأثره بالخاصية النوعية الفردية للمرشح بحد ذاته .
وهو الأمر الذي جعل من بعض التقنيات، أو التكتيكات السياسية غير ذات قيمة كبيرة، ومؤثرة في توجيه الخلاصة النهائية للعملية الانتخابية .
أما من ناحية القيد والتسجيل فأننا هنا نقسم جهد المؤتمر الشعبي العام إلى اتجاهين : الأول تحرك فيه المؤتمر من موقعه السلطوي المسئول- بعيداً عن الأنانية الحزبية- فقاد حملات توعية، ودفع بالمواطنين بمختلف انتماءاتهم للتسجيل ، والحصول على البطاقة الانتخابية ، فكانت الأرقام التي كشفتها اللجنة العليا للانتخابات عن أعداد المسجلين تؤكد نجاح تلك الحملة على نحو كبير، ومرضي .
لكن الاتجاه الثاني صبّ داخل الأطر التنظيمية ، وظل متأثراً بالوضع التنظيمي الذي سبق الخوض فيه ، فكانت النتائج أقل من الطموح نسبياً، وربما بعض ما تحقق في عدد من الدوائر يأتي جزء منه بجهود ذاتية لعدد من الأعضاء الفاعلين بالمؤتمر، وغير مرتبط بخطط ، أو برامج تنسيقية محددة من قبل قيادات الفروع .
والأمر ذاته كان يجد له وقعاً مماثلاً على صعيد الأنشطة الدعائية الانتخابية للمرشحين . ومما كان يتجلى للعيان أن الخطط التي كانت ترسمها دائرة الفكر، والثقافة، والإعلام - بالأمانة العامة للمؤتمر- لا ينتهي بعضها إلى الهدف الأساسي الذي كان يأمل القائمون على العمل بلوغه آخر الأمر، والذي هو (الناخب) .
وهذا يعني أن الآليات التي يسير عليها العمل الدعائي لم تكن دقيقة للغاية، ولا يتم تعقب محطاتها حتى منتهاها الأخير، أو- أحياناً- يفتقر إلى دراسة جدوى لمخرجات كل مرحلة منه . ولا اعتقد أن نجد قراءات يومية مستقاة من الميدان لمستوى فاعلية الأنشطة الإعلامية المكرسة للدعاية الانتخابية .
ومن جهة أخرى، نلاحظ أن صحافة المؤتمر الشعبي العام كشفت عن حاجة ماسة للتحول إلى البناء المؤسسي المنهجي الذي يحررها من النمطية ، والصيغ التقريرية الجامدة التي عهدتها (الميثاق)، وبقية الصحف منذ أمدٍ طويل، دونما التمكن من تبوء مركز إعلامي منافس بقوة لسواه .
وكانت الإشكالية العامة في الخطاب الإعلامي تكمن في حرص تلك الصحف على عدم مبارحة الموضع الدفاعي إلى آخر أكثر تفاعلاً مع واقع ما تمليه مفردات العملية الديمقراطية من نقد ذاتي، وامتعاض من الممارسات غير المسئولة ، أو الأخطاء التي ترتكب في بعض المؤسسات التي يديرها المؤتمر الشعبي العام من موقعه السلطوي.
في الوقت الذي لم يتوان فيه الرئيس علي عبد الله صالح- رئيس المؤتمر الشعبي العام- عن انتقاد الفساد ، ومهاجمة المفسدين ، والدعوة المستمرة لتقويم الأداء الحكومي ، وتحريكه على نحو أفضل ، وأقدر على تحمل مسئولياته الوطنية المرحلية .
ومع أن قيادة المؤتمر الشعبي العام كان تعطي مؤسساتها الإعلامية هامشاً عريضاً من الحريات، واستقلالية الرأي ، لكن عدم استغلال الإدارات لذلك الهامش بالشكل المطلوب كان يخلف بصمات واضحة على النتائج المأمولة من أدائها في قاعدة الوسط الجماهيري الشعبي.
وهو الأمر الذي نجحت الدائرة الإعلامية في معالجته – مؤخرا ً- سواء عبر صحيفة (22 مايو) أو من خلال الانفتاح على تكنولوجيا المعلومات عبر موقع "المؤتمرنت" الإخباري، الذي فجر قفزة نوعية كبيرة في النشاط الثقافي والإعلامي للمؤتمر، وارتقى بخطابه السياسي إلى موقع الصدارة الأول في اليمن .
علاوة على أن بقية الصحف المؤتمرية أخذت تطور من أدائها ، وتحرر نفسها من بعض القيود التي كانت تعرقل أدوارها في الفترات السابقة للانتخابات النيابية الثالثة في إبريل 2003م .
بلا شك أن النتائج الكبيرة التي كان يخرج بها المؤتمر الشعبي العام في كل تجربة ديمقراطية تؤكد أن ما سبق الحديث عنه ما هو إلاّ قصور نسبي لم يتجاوز حدود الطبيعية التي تقتضيها أية تجربة ديمقراطية لم تتعد ربيع عمرها الأول ؛ إلاّ أنه في النهاية يشكل ظاهرة لا يمكن غض الطرف عنها، كلما أتى الحديث على حركة العمل الوطنية للمؤتمر الشعبي العام.


** ((خلاصــة))
أن ما يمكن ذكره في نهاية هذه القراءة الخاطفة هو أن المؤتمر على صعيد العمل الديمقراطي- رغم عدم اكتمال تجاربه بعد- كان موفقاً جداً في موازنة مركزه السلطوي مع كينونته السياسية الحزبية في إطار علاقته بالقوى السياسية الأخرى .
فقد امتاز عمله خلال سنوات التعددية بكثير من الحكمة والشفافية في إدارة اللعبة السياسية بينه وبين قوى المعارضة لدرجة أن التزاماته القيادية للدولة كانت تدفعه في أغلب الأحيان إلى التعامل مع الأحزاب والتنظيمات السياسية المعارضة من موقع الراعي لمصالحها، والحريص على تعزيز نفوذها، ودورها في الساحة ؛ بل والأخذ بأيديها إلى حالة منافسة قوية ،كان المؤتمر يرى فيها سبباً لتعزيز قوة الدولة ، وتسريع برامجها التنموية .
وبغض النظر عن مدى تجاوب قوى المعارضة مع ذلك النهج ، فإن الأمر بالنسبة للمؤتمر كان يمثل أحد ثوابته السياسية ، وقيمه المبدئية التي تبلورت منها مناهجه الفكرية، وأدبياته الميثاقية منذ نشأته الأولى في 24-29 أغسطس 1982م.
المؤتمر الشعبي العام أول من أسس القواعد الهيكلية العامة للديمقراطية اليمنية ، وأول من شرع التعددية الحزبية ، وراهن على الحكم من خياراتها.
واعتقد لولا إصراره على إنماء تجاربها ، وعدم التفريط بأي التزام من قيمها لما تسنى له تجاوز العقدين في قيادة بلد وصف الحكم فيه (كما الحكم على رؤوس الثعابين) على حد تعبير الرئيس علي عبد الله صالح .






أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر