الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:50 م
ابحث ابحث عن:
ثقافة
المؤتمر نت - .

السبت, 24-ديسمبر-2005
المؤتمر نت / متابعات -
نحن بحاجة الى شعراء احرار لا بهلوانات
هشام عودة وثق في قصيدة 'مرثية ليست لبغداد' الصلة بين حرية الكلمة وحرية الشرف اللذين يصنعان الوطن الحر.

ميدل ايست اونلاين
بقلم: سليم النجار

ان الحديث عن خصوصية اللغة الشعرية الفاظا وتراكيب وصيغا واساليب في المشهد الشعري في الاردن قد تسترعي حديثا اخر عن اللغة والشعر والاسلوبية والانزياح وشعرية اللغة، اضافة الى بعض الظواهر التي تسهم في منح التركيب الشعري خصوصيته الجمالية، مثل الحذف والاعتراض والتقديم والتأخير والمحسنات المعنوية واللفظية والتكرار و الازدواج والتنسيق وغير ذلك من الظواهر التي يتميز بها الخطاب الابداعي.

لقد صار من ناقلة القول التأكيد على خصوصية التركيب الشعري، هذه الخصوصية التي تساهم في زيادة اسهمه الشعرية، وبها يختلف عن الخطاب العادي، الذي يهتم اول ما يهتم بالهدف الابلاغي عكس الخطاب الابداعي الذي يكون اكثر اثرا في النفس واداة للتطهير عبر ما يستحمله من اساليب تخص بناء النسيج اللغوي، صورة وايقاعا ومفردات، وقد انطلقت معظم المناهج الحديثة من لغة النص، التي تعطيه قدرة على الوصول الى القارئ، وقد تبدأ من استفادة الشاعر من الرصيد الدلالي الذي تمتاز به اللغة.

ان للغة الشعر دورا هاما في بناء القصيدة في الاداب الانسانية ولم يبتعد كولوريدج عن الحقيقة عندما قال عن لغة الشعر "انها اعظم عنصر في بنائية القصيدة في الاداب جميعها، ففي ارضها تتجلى عبقرية الاداء الشعري، ومن لبناتها تبنى المعمارات الفنية التي تتأزر على ابداعها مجموعة عناصر متعاضدة متلائمة".

السؤال هل للغة مكان في القصيدة في المشهد الشعري في الاردن؟

قبل الاجابة على هذا السؤال الذي بات ملحا اليوم اكثر من ذي قبل. لشيوع خزعبلات وترهات تملأ المشهد الشعري في الاردن.

علينا تذكير القارئ، ان عدد الشعراء في الاردن، يتجاوز 100 شاعر على الاقل، هؤلاء اخذوا شرعية بلهاء من رابطة الكتاب الاردنيين وتم قبولهم في عضويتها على انهم شعراء.

هذا الكم جعل من هذا المشهد، شيئا كريها، واصبح الشعر مطية لكل باحث عن فرصة، او حل عقدة نفسية عانى منها نتيجة الظروف الاجتماعية المعقدة في المشهد الاجتماعي الاردني.

وتتجلى صور هذه العقد عندما صرّح "شاعر" انه اشعر شاعر في الاردن، لا شيء الا لكونه ينتمي لعشيرة كبيرة، معتقدا ان هذا الحجم العشائري الكبير يمكن ان يعطيه الحق في وصف نفسه، أشعر شاعر في الاردن. واخر يدعي انه شاعر الاردن الاول، لا لشيء، الا انه اصبح يكتب التحليل السياسي، وعمل في صحافة الخليج، وظهر نتيجة العلاقات العامة على شاشة بعض الفضائيات كمحلل سياسي، وكتب مقالا يتيما في جريدة لندنية يهاجم فيها رئيس النظام الديكتاتوري "صدام حسين" قبل سقوط بغداد!

اما اذا تطلبت الصورة الاجابة على السؤال المطروح عن اللغة في المشهد الشعري في الاردن، فيمكن القول ان اللغة في هذا المشهد لا تشكل خصوصية تدعو للانزياح، وهي تتميز بين شاعر وشاعر الا للقلة القليلة منهم. ولسبب عادي جدا، ما يتخير هو معجم اللغة نظرا لارتباط اللغة بنشاط الانسان الانتاجي في كل مجالات عمله دون استثناء، اما نظام القواعد فلا يتخير الا ببطء شديد نحو تحسين القواعد واحكامها مجددا. من هنا فإن كل عمل ادبي هو مجرد انتماء للغة معينة على ان لا يفهم الانتماء انه انتقاء من اشياء جاهزة بل هو خلق خاص.

وهذا ما لا نشاهده في المشهد الشعري في الاردن الا نادرا. ويمكن الاستدلال ببعض النوادر. كمقطع للشاعر يوصف ابو لوز في قصيدته "صباح الكاتيوشا ايها المخيم":


انا العري وعليكم ورق التوت

وعليكم شعري وغباري

وعليكم بيروت


ويمكن لدحض من يمارسون هواية النقد في الاردن، بقولهم عن تجربة ابو لوز انه مارس اللغة القديمة. وانا بدوري اقول ان ابو لوز حارس الفحولة الشعرية في الاردن.

ويمكن الاستدلال بشاعر اخر هو خالد ابو خالد عندما قال:


توقف ايها الراوي ومعذرة فلست اميرها

ولكنني الصعلوك من خلصته قبل الغزو

وعاهرة القبيلة والامير وشلة الامراء


هذه النماذج تدفعنا للقول، ان هذه النوادر ما زالت اسيرة الابداع. ولم تتمدد في المشهد الشعري في الاردن.

مرة اخرى لماذا نتكلم بهذه الطريقة؟

بالتأكيد ستجد الاجابة طريقها، خاصة عندما كانت هناك اشارة دلالية تدفع للقول بهذه الصورة.

ففي تاريخ 24/10/2005 تم اقامة امسية شعرية في مقر رابطة الكتاب الاردنيين، وشارك فيها ثلاثة شعراء،احدهم كان الشاعر هشام عودة الذي لم يحظ بتغطية صحفية مناسبة تليق بهذا الشاعر، وانحاز مندوبو الصحف الهواة لاصدقائهم من "الشعراء" الباقين لارتباطهم بعلاقات شخصية. هذا اولا، وثانيا ان هذا الاسلوب من الشعر الذي قدمه هشام عودة لا يتماشى مع الذائقة الابداعية ان وجدت لهؤلاء الهواة، او المتحذلقين، الذين امتطوا المنصة والقوا ما القوا.

علما ان الحضور تتفاعل مع الشاعر هشام عودة في قصيدته التي القاها وهي بعنوان "مرثية ليست لبغداد".

هشام عودة في قصيدته وثق الصلة بين الكلمة والشرف، وبالتالي بين حرية الكلمة وحرية الشرف، ان كليهما يصنعان الوطن الحر. وليس البهلوانات الذين يبيعون الوطن من اجل مقالة صحفية تنشر هنا وهناك، لا يتجاوز ثمنها في احسن الاحوال (50) دولارا.

"مرثية بغداد" بالاضافة الى كونها عاملا تميز بالخطاب، وللخطاب دور جمالي كبير يسهم في لفت انتباه المتلقي، ومن ثمة التأثير فيه وتوصيل الرسالة التي يريدها الخطاب، فالتفاعل ضروري وهام بين العناصر المنزاحة والعادية لان هذه العناصر دون تفاعلها لا اهمية لها بل قد تكون عوامل معيقة لشعرية الخطاب.

صحيح ان الجزء مهم لكن هذا الجزء يستمد اهميته من تفاعله مع الاجزاء الاخرى في كون علم اسمه الخطاب الشعري وتفاعل ينتج تغيرا في طبيعة المواد المتفاعلة والاطار الذي تنتمي اليه، مما يخلق لها سمات جديدة ووظائف جديدة تكون مميزة للخطاب الشعري فيكون الانزياح هاهنا عاملا سلبيا بدلا من ان يكون عاملا ايجابيا،غير ان الشاعر هشام عودة حاول قدر الامكان الابتعاد عن الانزياح السلبي، حين قال:


اشار الى باسقات الهوى

فاستبقت الظنون

تذرعت بالصبر

حين تدلت شناشيل بغداد من سقفها

تظللهم من رصاص الغزاة


يقال ان الالفاظ موجودة قبل الشعر (كمادة اولية) لكن الشعر ينسقها وينظمها بطريقة ما بحيث يخرجها عن عادياتها ليجعلها بالتواشج مع سواها شعرية متميزة، وذلك في طريقة التركيب وبالمساق الذي تتردد فيه:

(وبوساطة الخلق التصويري الذي يكون معادلا لانفصال الشاعر، هذ الانفصال الذي يحث الخيال على اعادة تحليل وتركيب البناء اللغوي، وذلك يبعث حيوية مخصبة في الحياة الجميلة الهادئة الزاهية في اعراق تلك العلاقات التي يزيل عنها رتابتها وينفض نمطيتها بعد ان فقدت اللغة مجازها اللصيق بها في نشأتها الاولى).

هذا ما حاول فعله الشاعر هشام عودة في تصويره لمعنى الانسان حسب رؤيته الابداعية، اذ صور الانسان على الشكل التالي:


قال النهار يزين اوجاعنا

وبغداد لما تزل مثلما نعرفها


للعمق سحره الدرامي، ويتقدم امام تراجع بياض العتمة المشتعل دائما ويربك اقواس الابداع التي تتدبر احوال المكان، ويكشف تواطؤنا السري. هشام عودة جعل من هذا التواطؤ كومة تتدحرج على السفوح، وتشعل ضفاف القصيدة.


وبغداد واقفة تحرس الارض

حتى ننام

قلت ماذا جرى

قال النخيل يمد جذور الحياة لنا


هشام عودة في "مرثية بغداد" كان مهاجرا مقيما، في جسد كل الضمائر عبر مفرداته التي وثقها بأواصر القربى في العائلة المقدسة. دقائقه كانت هي المرثية. والسنين خيط رفيع بين الحقيقية المختلطة حد الدهشة، او الغثيان. وتجلت صوره الشعرية المسكونة بهذه الوجع حين قال:


يغسل الغيم عن وجه

بغداده الساحرة

دماء تسيل

واعرف اجساد اصحابها

في شوارع بدلت اليوم اسماءها

في الرصافة والكرخ

لم تزل ساخنة


كان ملائما للشاعر هشام عودة ان يدعو في "مرثية بغداد" تأجيل الذهاب للخيانة، والاستعجال للحرية في حياة الثورة، رافضا كل دعوات ارصفة اسواق النخاسة التي زينت بيع الاوطان.

كشف هذه التجاويف في الشقوق وصورة النذالة على الحائط الذابل الذي كتب عليه ديمقراطية. وابدع في هذه الصورة، عندما صوّر المشهد التالي:


حين تحتضن الصبية الباحثين

عن الفجر

من نار دبابة اسلمت نفسها للطريق

دماء تسيل

ودجلة لما يزل واقفا

يغسل الغيم عن وجه بغداد الساحرة


حاضرا بقصيدته، في عربة النسيان التي تختبئ تحتها ديدان الثرثرة، واصابع التاريخ المبلولة بماء رغبة الخيانة.. وعناقيد الغضب المستحيلة القطاف، ستبقى تذكرنا بمرثية بغداد وشاعر حاضر اولدا من الميت لحظة ضمير.


سليم النجار




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر