المؤتمر نت -
المؤتمر السابع ومؤتمرات المعارضة.. البرامج مقابل الخطابات
شهد العام الذي يشارف على الأفول حراكاً غير مسبوق على الساحة السياسية في اليمن حيث عقدت (6) أحزاب يمنية مؤتمراتها العامة على امتداد العام ناهيك عن بروز قضايا سياسية ساخنة كإعلان رئيس الجمهورية نيته عدم الترشح لولاية رئاسية ثانية في الانتخابات المقررة العام القادم ،وتأزم العلاقة بين الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام وأحزاب المعارضة بسبب تعمد الأخيرة إعلان تعليق الحوار مع الحاكم والذي لم يكن قد بدأ ،وصولاً إلى إطلاقها لما أسمته مشروع إصلاحات سياسية قبيل أن يعلن المؤتمر عن برنامج عمل سياسي في ختام مؤتمره السابع وهو البرنامج الذي وصفته قيادات المؤتمر بمشروع المستقبل .
ورغم تلاحق المؤتمرات الحزبية لأطراف المعارضة إلا أن النتائج المتمخضة عنها تكشف عن واقع سياسي مأزوم تعيشه المعارضة التي تؤكد تحليل مضامين البيانات الختامية لمؤتمراتها لجؤها الاعتماد على الأسلوب الخطابي الدعائي أكثر من طرح البرامج والرؤى العملية في تقديم نفسها كبديل للحزب الحاكم.
فنتائج المؤتمرات العامة لتلك الأحزاب فيما يخص انتخابات القيادات الجديدة لم تكن بذات المستوى الذي يوازي في اسواء الأحوال أحاديثها عن الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة.
وباستثناء المؤتمر العام الثالث للإصلاح الذي كانت دورته اعتيادية مع الأخذ في الاعتبار أن دورته الانتخابية المنعقدة العام 2002م أعادت انتخاب القيادات السابقة نفسها التي تقود الحزب منذ أكثر من (15) عاماً،سنجد أن المؤتمر العام العاشر للتنظيم الناصري وان نجح في انتخاب أمين عام جديد وإحداث تغييرات جزئية لكن التجديد اقتصر على الشخوص فضلاً عن إعادة انتخاب كثير من القيادات السابقة في إطار لجنته المركزية وهو الأمر الذي تكرر مع الحزب الاشتراكي في مؤتمره الخامس الذي انتخب الدكتور ياسين سعيد نعمان أميناً عاماً واستحدث مناصب جديدة إلا أن معظم الوجوه القيادية في إطار المكتب السياسي واللجنة المركزية أعيد انتخابها مرة أخرى.
على صعيد آخر يجد القارئ للبيانات الختامية لمؤتمرات أحزاب المعارضة الأربعة أنها مثلت انعكاساً واضحاً لقراءة تعتمد على استحضار مواقف الماضي أكثر من استشرافها لرؤية مستقبلية.
فالبيان الختامي لحزب التجمع اليمني للإصلاح كان أشبه ببيان تبريري لقواعده عن أسباب الفشل في الانتخابات أكثر من كونه بياناً ختامياً لمؤتمر ثاني أكبر حزب سياسي في البلد.
وبدأ بيان الإصلاح مشحوناً بالاتهامات الموجهة للحزب الحاكم، وتحميله مسئولية كل ما تعانيه البلد فضلاً عن تركيزه الشديد على موضوع الانتخابات التي حاول البيان تصويرها كعملية ديمقراطية شكلية.
وفي الضفة الأخرى لم يكن بيان المؤتمر العاشر للتنظيم الناصري خالياً من تحميل الحزب الحاكم كل أسباب ومعوقات نجاح المعارضة في الانتخابات، وتكرار مختلف المواقف السابقة التي أعلنها التنظيم مراراً في تصريحات قياداته وإعلامه، وخلا البيان من أية رؤية برامجية باستثناء تضمنه اعتزام التنظيم إعلان مبادرة لما سماه الإصلاح السياسي.
بيان الحزب الاشتراكي الصادر في ختام مؤتمره الخامس ظهر توفيقياً للخلافات بين الأجنحة داخل الحزب سيما فيما يتعلق بالموقف من أثار حرب الانفصال حيث تضمن الحديث عن مطالب ما يسمى بإصلاح مسار الوحدة وإزالة أثار حرب 1994م وهو ما يفسر اجترار الحزب للماضي، وعدم قدرته على استيعاب خروجه من السلطة بسبب تأمر بعض قياداته في محاولة الانفصال وإعادة التشطير.
ولم يكن مؤتمر اتحاد القوى الشعبية سوى محاولة لاخفاء ما شهده الحزب من انقسامات داخلية فضلاً عن كونه لم يحمل أية رؤية جديدة .
وتفسر عملية التحليل لمضامين ما سمته أحزاب المشترك لمشروعها للإصلاحات مقارنة بما تضمنته البيانات الختامية لمؤتمراتها العامة البون الشاسع بين موقف كل حزب وبين موقفها المشترك في المشروع، ففي الوقت الذي ركز فيه المشروع على الجانب السياسي إلا أنه فشل في إعطاء رؤية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما عزاه مراقبون إلى كون المشروع لم يكن سوى محاولة توفيقية بين الأحزاب، وليس مشروعاً إصلاحياً لعدم شموليته، وعموميته، وإسقاطه لقضايا جوهرية متمثلة في الموقف من المرأة، والاقتصاد الحر، ومكافحة الإرهاب.
وأفصحت افتتاحية العدد الأخير من صحيفة الثوري الناطقة باسم الحزب الاشتراكي عن وجود انقسام داخلي حول مشروع المشترك لم توضح فيما بعد إذا كان مقتصراً على الحزب الاشتراكي أو ممتداً الى بقية الأحزاب إلا أنها حاولت التأكيد على أن المشروع ليس إلا مجرد رؤية توافقيه لا يمكن بأي حال أن تكون بديلاً للبرامج الحزبية المنفردة لكل حزب، أو لاغية لرؤى كل حزب من أحزاب المشترك لمختلف القضايا.
في المقابل نجح المؤتمر السابع للمؤتمر الشعبي العام في التعاطي مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية برؤية أكثر نضوجاً.
فعلى صعيد الداخل التنظيمي جاء المؤتمر السابع ليتوج دورة انتخابية مكتملة شهدتها الأطر التنظيمية للمؤتمر وفقاً لما تضمنه مشروع إعادة الهيكلة الذي ساهم في ترسيخ ممارسة الديمقراطية الداخلية وفي تجاوز العشوائية حيث حقق المؤتمر بشهادات معارضيه نجاحاً في التحول نحو العمل الحزبي المؤسسي، بل وكان سباقاً في إفساح المجال أمام المرأة للمشاركة بفاعلية داخل أطره التنظيمية خلافاً لبقية الأحزاب الأخرى.
وقد تمخض المؤتمر السابع عن انتخاب أمانة عامة ولجنة عامة جديدتين إضافة إلى هيئة رقابة تواجدت فيها المرأة لاول مرة، لكن الأبرز في المؤتمر السابع للمؤتمر الشعبي هو إقراره لبرنامج عمل سياسي يؤكد المراقبون أنه تميز عن رؤية ا لمعارضة بشموليته وعمليته وواقعيته فضلاً عن توافر إمكانيات تحويله إلى واقع.
برنامج المؤتمر الشعبي العام قدم رؤية لحزمة إصلاحات سياسية تشمل مختلف المجالات أبرزها يتعلق بالتوجهات الجديدة التي يعتزم المؤتمر تنفيذها خلال المرحلة القادمة والمتمثلة في التوجه نحو إفساح المجال أمام توسيع المشاركة الشعبية في الحكم المحلي الذي نص البرنامج على إحداث تعديلات تسمح بانتخاب مدراء المديريات ومحافظي المحافظات فضلاً عن التوجه نحو الآخذ بنظام الثنائية البرلمانية من خلال إجراء انتخابات جزئية لمجلس الشورى.
وعلى الصعيد نفسه أعلن المؤتمر عن رؤية شاملة لتعزيز مشاركة المرأة في شتى المجالات من خلال تبنيه لنسبة 15% من المقاعد المحلية والبرلمانية تخصص للنساء لخوض الانتخابات كمرشحات، وزيادة تمثليها في مختلف الأطر والمؤسسات التنفيذية.
كما تضمن برنامج المؤتمر رؤية متكاملة لعملية إصلاحات تبدأ بالقضاء، مرورا بمواصلة تحديث الخدمة المدنية، ومكافحة الفساد، وصولاً إلى عملية إصلاحات اقتصادية شرحها البرنامج بالأرقام والإحصائيات.
وفضلاً عن ذلك كله فقد أكد البيان الختامي التزام المؤتمر بمواصلة السير في تطوير النظام الديمقراطي، معلناً تأكيده أن الانتخابات وصناديق الاقتراع هما الوسيلة للتنافس مع مختلف الأحزاب والقوى السياسية، داعياً إياها إلى طرح رؤاها وبرامجها عبر الالتزام بالآليات التي كفلها النظام الديمقراطي التعددي من خلال النصوص الدستورية والقانونية.
وتخلص القراءة لما تمخضت عنها المؤتمرات الحزبية إلى أن المؤتمر الحاكم أثبت ليس فقط قدرته على التعاطي مع معطيات الحاضر ومتطلبات المستقبل بل وظهر أنه الأكثر كفاءة على تقديم البرامج المتعلقة بمختلف هموم الوطن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً برؤية مرنة وشاملة وواقعية عكس أحزاب المعارضة التي بدأ مشروعها أشبه برؤية هدفها الوصول إلى السلطة عبر محاولات إيجاد بيئة ملائمة لذلك، وإن كانت البيئة ستتم عبر إحداث تراجع في مسار تطوير النظام الديمقراطي فضلاً عن خلوها من التعاطي مع قضية تطوير الاقتصاد الذي يعد أبرز مشكلة تواجهها البلد برؤية شاملة وبرامجية، وبعبارة أخرى فبين المؤتمر السابع للمؤتمر الشعبي العام ومؤتمرات أحزاب المعارضة كانت البرامج مقابل الخطابات.