بقلم الأستاذ/ محمد حسين العيدروس -
الشعب يقول لا.. لا.. للاختطاف
على مدار التاريخ البشري شكلت مسألة الاستقرار هماً رئيسياً للإنسان القديم والحديث، لأن التجارب أثبتت للجميع أن الاستقرار هو مفتاح التطور، وإزدهار الحياة، ونمو الحضارات الإنسانية لذلك تولي الدول الحديثة قضية استتباب الأمن، وسيادة النظام والقانون اهتماماً كبيراً لكونها تتطلع إلى التقدم.
عندما نسمع اليوم أن هناك من يفضل العودة بالتاريخ إلى زمن الجاهلية الأولى التي كانت الناس تمارس فيها أعمال الحرابة، والاختطافات، وقطع الطرق، نندهش بشدة كيف يجرؤ البعض على فعل ذلك بعد أن أعزهم الإسلام بقيمه السمحاء التي تغرس السلام والمودة في نفوس الناس، وتعلمهم فضل إكرام الضيف، والتكافل، وتأمين الخائف، وترجمة روح الإسلام قولاً وعملاً!.
ولاشك أننا سنكون أعظم دهشة إزاء الاختطافات من العالم الخارجي لأننا يمنيون، وعرفنا التاريخ بالإيمان والحكمة، وكانت بلادنا حتى في زمن الحضارات القديمة ملتقى للقوافل التجارية المتنقلة بين مشارق الأرض ومغاربها، لانها بلاد آمنة، وكريمة، وشعبها كريم ومحب للسلام.. وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل: كيف انقلب هؤلاء الأفراد إلى خاطفين، يتقطعون الطرق على السياح الأجانب العزل؟ ولماذا في هذه الفترة بالذات التي صار فيها العالم يتحدث عن السياحة في اليمن، وعن الأمن والاستقرار الذي ساد فيها، وصار ينعكس على التنمية، والديمقراطية، ومختلف مجالات الحياة!؟.
ولعل من المؤسف حقاً أن يتحدث البعض عن ظاهرة الاختطاف للسياح الأجانب ويربطها بالقبيلة، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن هذا السلوك ليس من شيم القبيلة، ولا عادات أبناء القبائل أو أعرافهم، لأن كرم الضيافة هو عنوان النظام القبلي في كل مكان، وكذلك احترام الغريب، وحمايته، ومعاملته كما الأمانة التي يجب صيانتها والمحافظة عليها.. لهذا نقول أن ظاهرة الاختطاف تعد إساءة كبيرة لسمعة الشعب اليمني، ولأخلاقيات وقيم ديننا الحنيف.
ومن المؤكد أن الأمر لا يتوقف عند الإساءة لسمعة اليمن وشعبها، بل يمتد أثره إلى الاقتصاد الوطني، ومسيرة التنمية، إذ أن الاختطافات تقتل النشاط السياحي، فتحرم البلد من عائدات عظيمة، وتحرم أبنائه من فرص عمل كثيرة جداً في مجال الخدمات السياحية، في الوقت الذي تضع الحكومة في خططها الاستراتيجية أن السياحة هي البديل الرئيسي للثروات النفطية التي لابد أن يأتيها يوم تنضب فيه.. وعليه فإن تعطيل هذا الرهان يعني شن الحرب على الأجيال القادمة، وقطع قوتهم، وتحميلهم عبء حياة ضنكة يعمها الفقر والمعاناة.. وهذه مسألة خطيرة ربما يغفلها كثير من الناس.
إذن فنحن أمام مسئولية وطنية حقيقية في وجوب اجتثاث ظاهرة الاختطافات من جذورها، وهي مسئولية لاتتحملها الحكومة وحدها، أو المؤتمر الشعبي العام، بل هي مناطة بمختلف القوى السياسية الوطنية، والمثقفين، والإعلاميين، والأكاديميين، وشيوخ القبائل، ومنظمات المجتمع المدني، وكل ضمير إنساني حي قادر على العطاء، والتوعية بمخاطر وأضرار هذه الظاهرة، والوقوف بوجه كل من يروج لأعمال الخطف أو يمارسها.
وإننا لنستغرب كثيراً أن تقف بعض أحزاب اللقاء المشترك متفرجة بعيداً عن الموقف الشعبي، والفعاليات الجماهيرية كما لو أنها راضية عما يحدث، وسعيدة بأن هناك من يستهدف التنمية، وسمعة اليمن التي تعودت وسائلها الإعلامية على تشويهها بتقارير وأخبار زائفة.. وهي حالة مستمدة من إرث التخلف الثقافي والفكري الذي تنطلق من مستنقعاته ظاهرة الاختطاف، والثأر، والفتن التي تعتقد بعض القوى أنها بيئتها الأفضل للبقاء، وإدامة مصالحها الشخصية.
ومهما يكن عليه الحال فإن الحقيقة الأكبر هي أن شعبنا لن يسمح لهذه الظواهر المتخلفة أن تكدر حياته، وتعكر أمنه واستقراره وتطوره، بعد أن تحرر منها بفضل ما تحقق من تطور، في المؤسسات التعليمية، والثقافية، والإعلامية، وتنامي المجتمع المدني بعدد هائل من المنظمات الحقوقية والإنسانية التي تكرس جهودها لترسيخ الوعي بأسلوب التعايش السلمي الآمن ومناهضة العنف، وانتهاك الحريات... إلى جانب ما تحقق على الصعيد التنموي وكسر طوق العزلة الذي كان يخنق المجتمع بموروثه الثقيل الذي ورثه عن عهود الظلم، والتخلف، والجهل التي غرست ممارسات الاختطاف، والرهائن، وقطع الطرق وغيرها من الأمراض الاجتماعية.
إن المتابع للتظاهرات التي تجتاح اليمن بكل مدنها منذ أيام لابد أن تترسخ لديه القناعة بمدى الوعي والتطور في ثقافة المجتمع، وسلوك أبنائه الذين أخذتهم الغيرة على بلدهم، وسمعة الشعب اليمني، فخرجوا غاضبين يستنكرون أعمال الخطف ويطالبون الدولة بتنفيذ أشد العقوبات بحق مرتكبيها، واعتبار تلك الأعمال من أعمال الحرابة التي حرمها الإسلام، وهو الأمر الذي يضع على عاتق المؤسسة القضائية مسئولية تفعيل القوانين التي تشدد عقوباتها على أعمال الخطف، كما يلقي بمسئوليات أخرى على عاتق مجلس النواب في ما يتعلق بسرعة إصدار قانون تنظيم حمل وحيازة السلاح الذي قدمته الحكومة للمجلس منذ أكثر من ثلاث سنوات، حيث أن انتشار السلاح بطريقة عشوائية يعد أحد أسباب ظاهرة الاختطاف والثأر، وأغلب حوادث القتل.
ومن هنا ندرك أن المسئولية جماعية مشتركة، وتستدعي جهوداً وطنية جبارة من أجل نزع الممارسات البالية المتخلفة التي تستهدف تدمير اقتصاد اليمن، وحرمان أبناء شعبنا من خير كثير، وهبه الله تعالى بفضل الطبيعة الساحرة، والمناخ العذب، والتاريخ العريق، والتي تشكل بمجموعها ثروة سياحية عظيمة أصبحت موضوع حديث مختلف الأمم والشعوب.
لاشك أننا اليوم مدعوون للامتثال لقوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدّث)، فنعبر عن شكرنا لفضل الله من خلال المحافظة على هذه النعم، واستثمارها على النحو الذي يرضي الله، وليس الكفر بها، وتخريبها بأعمال اختطافات للسياح الضيوف على بلدنا الذين يزورون مدننا وآثارنا من شدة إعجابهم بها، وبما يسمعونه عن الكرم اليمني، وحسن الضيافة، وعروبة اليمنيين التي هي أصل القيم العربية النبيلة المشرفة.
من المؤكد أن كل الغيورين الشرفاء مطالبون بلعب الدور المسئول إزاء ظاهرة الخطف، من أجل أن تبقى اليمن قبلة السلام والمحبة والحضارة للأبد.