الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:32 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الإثنين, 09-يناير-2006
المؤتمر نت - شعار صحيفة الثورة . -
((وقفة عرفات)).. الدلالات والدروس
في التاسع من ذي الحجة - يوم الوقفة الكبرى لحجاج بيت الله الحرام على صعيد عرفات - تتجه أنظار أبناء الأمة الإسلامية إلى ذلك المشهد العظيم الذي تذوب فيه الفوارق والفواصل والألوان والأجناس وتسمو فيه راية التوحد بين أبناء هذه الأمة الذين أتوا من كل فج عميق، تجمعهم غاية واحدة هي مغفرة المولى عز وجل، والابتهال إليه بالدعاء بأن يتقبل منهم مسعاهم في أداء فريضة الحج وأن يخلص أمتهم من عوامل الفرقة والتمزق والظلمة الدهماء التي تحيط بها من كل جانب وأن يحفظ لها دينها وقوتها ومنعتها، وأن يزيل عنها غشاوة التخبط التي ألقت بها إلى مهاوي الضعف، حتى غدت أشتاتاً تتنازعها الأهواء والمطامع، وتتربص بها المؤامرات والدسائس، وحلقات التآمر المنظورة وغير المنطورة.
< ورغم عظمة ذلك المشهد وما يحمله من دلالات بالغة تهتز لها ضمائر ونفوس كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فإن ما يؤسف له حقاً أن تلك الصورة بات ينظر إليها من زاوية قاصرة ودون تعمق في معانيها، والتي أراد من خلالها الخالق عز وجل أن تكون فريضة الحج باعثاً ومحفزاً على تطهير النفوس مما علق بها من شوائب وأضغان وكذا موسماً للمراجعة، ليس لإصلاح الذات وحسب، وإنما لإعادة تقويم الاعوجاج في الشأن العام الذي يخص أمر هذه الأمة، والتي أثبتت كل التجارب بأن قوتها وفاعليتها هي مرهونة بمدى تلاحمها وتكاملها وتماسكها ووحدة صفها والتزامها بمقاصد الرسالة النبيلة التي شرف الله هذه الأمة بحملها كرسالة تشع بنور السماء وقيم التسامح والمحبة والسلام وتحث على التعايش الإنساني على أسس من التعاضد والمحبة والألفة والاحترام المتبادل الذي لا مجال فيها للاستقواء والظلم والعبودية والتمييز وقهر الإنسان لأخيه الإنسان.
< وبشيء من التأمل يمكن الاستنتاج بأن ما وصلت اليه هذه الأمة من ضعف وهوان لم يكن سوى محصلة طبيعية لتغييبها مفهوم المراجعة من حياتها، مع أن هذا المفهوم ظل يمثل إحدى المقومات الضرورية التي تحضنا عليها عقيدتنا الإسلامية والسنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم، وهو ما يمكن استشرافه في فريضة الحج وإلتقاء الحجيج على صعيد عرفات بمختلف ألوانهم ولغاتهم وأعراقهم ولباسهم الواحد وصفوفهم المتراصة وترديدهم بصوت واحد:
«لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك»..
< ولأننا قد تركنا تلك الخاصية الهامة والأساسية فلا غرابة أذا ما أصبحت الشعوب الاسلامية - بمنطق المرحلة التاريخية الراهنة - لا يحسب لها أي حساب لتدفع الثمن باهظاً من قدراتها وإمكاناتها لتخرج من كل جولة من جولات المنافسة بإخفاق جديد ينم عن عجزها على إثبات وجودها على الصعيد الدولي وداخل مؤسسات مصادر القرار العالمي، وبالتالي فإن هذه الأمة واذا ما أرادت الخروج من هذا المأزق الجوهري، فإن عليها - أولاً - أن تتخلص من ذلك التفكير غير الصائب الذي يعمد على الدوام إلى إلقاء تبعات هذه الحالة من الضعف على الماضي وتحميل مسؤولياته الأجيال التي خلت بما في هذا المنطق من اعتساف للحقائق، ومع أنه كان الأجدر بالأجيال الحالية من أبناء هذه الأمة أن تسأل نفسها عما صنعته وماذا قدمته لحاضرها ومستقبلها، خاصة وهي من تعيش وسط عالم متغير يموج بتحولات غير مسبوقة.. عالم يشهد صعود العديد من التجمعات والكيانات الدولية التي تتوحد فيها مسارات التكامل الاقتصادي والمواقف السياسية ومصالح الشعوب المنضوية في إطارها، فيما بقيت - الشعوب الإسلامية التي تجمعها وشائج العقيدة وأواصر الدين والرابطة التاريخية والحضارية - أشبه ما يكون بجزر متباعدة يسيطر عليها التشرذم غير آبهة بما يجري حولها على الرغم من أنها التي لا تجهل أن عالمنا الإسلامي ليس بمنأى عما يعتمل في هذا العصر الذي لا مكان فيه للضعفاء والكيانات الصغيرة.
< وحيال كل ذلك تبدو المفارقة في الصميم وتتضح الأسباب التي ألقت بظلالها على واقع العالم الإسلامي الذي يبدو وكأنه قد سلم ضمنياً بمقولة «ليس بالإمكان أبدع مما كان»..
< وبكل تأكيد فإن هذا المستوى المتدني والكارثي يصعب معالجته بالمسكنات الآنية اذا ما نظرنا إلى حقيقة أن مشكلات هذه الأمة بكل ما تنطوي عليه من بدايات ونهايات درامية - أصبحت مكررة أو أن لها أشكال متماثلة في اقطارها وبلا شك فإن هذه النتيجة هي من فرضتها العوامل السائدة التي تكتنف أوضاع هذه الأمة، ولأن الخطأ يدلنا إلى طريق الصواب فإن من الشجاعة أن نسعى اليوم إلى استقراء عملي لمضمون مشهد وقفة عرفات لحجاج بيت الله الحرام وبما يلامس معانيه الحقيقية ودروسه وعظاته وعبره على نحو صحيح وسليم.. لعلنا بذلك نستشعر بأن التحديات الراهنة تقتضي منا المواءمة بين مصالحنا القطرية والمصالح العليا للأمة، والتمييز بواقعية بين ما هو مطلوب اليوم وبين ما ينبغي أن يكون محفزاً للإندماج وتوظيف ما نمتلكه من إمكانات مادية وبشرية بما يؤهلنا لتحقيق غاياتنا المشتركة في الحاضر والمستقبل، متجاوزين مثالب الماضي بكل تعقيداتها وملابساتها واخطائها..




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر