الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 06:10 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الثلاثاء, 10-يناير-2006
المؤتمر نت - ترقُّب الدقائق والثواني لشروق شمس أول أيام العيد لا يعني لـ «مُنى» شيئاً، تحقيق/عبدالناصر الهلالي -
الأطفال في العيد ... فرحة رغم الحرمان
ترقُّب الدقائق والثواني لشروق شمس أول أيام العيد لا يعني لـ «مُنى» شيئاً، لأن الفرحة التي ترجوها انكسرت عندما عرفت أن بدلة العيد مطلب صعب المنال.
«مُنى»، التي لم تدخل عامها الثامن بعد، تعيش حياة اليتم منذ أن فقدت والدها العام قبل الماضي، وعلى الرغم من اقتناعها بعدم عودة والدها، إلاَّ أن ذلك لا يعفيها من التفكير في المصير الذي جعلها تفقد الفرحة المشروعة ولو بجزء من بدلة جديدة تعيد إليها نصف ابتسامة بين قريناتها في القرية.
الأخ الأكبر لـ «منى» بالكاد يوفر لقمةً يعيش عليها إخوانه الستة الذين تصغرهم «منى»، فلحظات الحزن، التي كانت تتقاطر من عينيها، جزء من معاناة الكثير من الأسر، التي لا تستطيع توفير الحد الأدنى من العيش لأطفالها، ناهيك عن ملابس العيد التي تعتبر في نظر هذه الأسر ترفاً ولو كان مرة في العيد، وما تراه هذه الأسر ترفاً يعد ضرورة لابتسامة الطفل، وإذا كان المرء يعيش لتظل هذه الابتسامة، فإنه عند العوز لا يملك قدرة الحفاظ عليها.
أحد الآباء قال أنه يحاول إسعاد أولاده، لكن ما باليد حيلة، فما يتقاضاه من عمله لا يكفي لإيجار المنزل الذي يسكنون فيه، مضيفاً : «لقد عوّدت أولادي على القناعة، وهذا يعني أنهم راضون عن عدم شراء ملابس جديدة في العيد».
الحرمان من الفرحة
{ يتحسر الطفل على وضعه الاجتماعي من خلال الوضع العام في الحي أو القرية، وكثيراً ما يسأل نفسه : لماذا نُحرم من ملابس العيد دون غيرنا؟ وهذا لا يمنعه من ذرف الدموع مع اقتراب موعد العيد، وإذا تجاوز الطفل حالة الحرمان فإنه لا يستطيع نسيان حرمانه من ابتسامة العيد، فـ «محمد»، الذي يصغر «مُنى» بعام واحد، لا يرجو بدلة جديدة، وإنما يتوسل الإسكافي المجاور لمنزلهم إصلاح نعليه لكي يتمكن من السير دون أن تواجهه صعوبة الطريق في القرية، إلى جانب استعادة جزء من الابتسامة التي فقدها عشية عيد الأضحى.
الفقر - أيضاً -
{ هناك سبب رئيسي لا يفرق بين طفل يتيم وآخر يعيش في كنف أسرة متكاملة، إنه الفقر، الذي توعّده الإمام «علي بن أبي طالب» - كرَّم الله وجهه - بالقتل لو كان رجلاً، حيث بات يحتل مساحة واسعة في بعض المحافظات، فقد أشارت الدراسة، التي نفذتها الوحدة الرئيسية لمراقبة الفقر بوزارة التخطيط والتعاون الدولي على المجتمعات الأشد فقراً في عشر مديريات من محافظات الجمهورية، إلى أن «نسبة الأفراد الذين يعيشون في فقر مدقع بلغت (41.8%) من سكان المديريات في محافظات حضرموت وشبوة وحجة وإب وتعز».
وأضافت الدراسة : «إن الفقراء، الذين تمت مقابلتهم من الجنسين، أفادوا أن توفر السلع في الأسواق لا يعني لهم شيئاً، لأن القدرة الشرائية لا تمكنهم من شراء السلع الضرورية، لارتفاع أسعارها خلال العام المنصرم».
هذا ما يخص السلع الضرورية التي لا يستطيع الإنسان الاستغناء عنها، فما بالنا بملابس العيد للأطفال، التي تعتبرها هذه الأسر استثنائية، وإن كانت رخيصة الثمن، فالطفل - بطبيعة الحال - لا يبحث عمَّن يكفله، بل إنه يريد بدلة - فقط - ليشعر كبقية الأطفال أنها ستجعله سعيداً ولو كان ذلك على حساب تنازله عن الأكل عشية العيد.
جمعيات ... ولكن!!
{ استنهاض دور الجمعيات الخيرية في مثل هكذا وضع أمر في غاية الأهمية لتعميق الفرحة المفقودة في وجوه أطفال الأسر المعسرة، ولو حصر هذا الأمر في بدلة العيد والأضحية، الأمران اللذان يدخلان الشعور بواحدية الإنسانية بعيداً عن الفروق المجتمعية التي تكون في العادة محل استهجان الكثيرين، وتعتبر هذه الجمعيات الإدارة المنظمة لمساهمات أفراد المجتمع بكافة شرائحهم إزاء إخوانهم المعسرين، ومؤسسة «الصالح» الخيرية واحدة من هذه الجمعيات التي ساهمت، من خلال مشروع كسوة العيد، في كسوة (33) ألف طفل وطفلة من مختلف المحافظات، ووزعت هذه الكسوة عبر الجمعيات المحلية ومراكز الرعاية الاجتماعية - حسب قول رئيس وحدة الإعلام والعلاقات العامة بالمؤسسة - ومن خلال هذه الجمعيات المحلية تصل كسوة العيد إلى أطفال الأسر الفقيرة وذوي الاحتياجات الخاصة، غير أن البعض يرى أن الجمعيات لا تبحث عن الأسر الأكثر حاجة لكسوة العيد والأضاحي بسبب اعتمادها على مندوبين لا يحملون من دقة البحث ما يكفي لمساعدة المحتاجين، لكن ذلك لا يقلل من دور الجمعيات في محاولة تلمُّس هموم المحتاجين بمستلزمات العيد الضرورية، فالسبت الماضي وزعت جمعية «الصدى» كسوة العيد لـ (241) حالة فقيرة بأمانة العاصمة بدعم من مؤسسة «الصالح»، وقد يكون هذا الرقم قليلاً مقارنة بالحالات المحتاجة لكسوة العيد في الأمانة، إلاَّ أنه لا يقلل من المجهود الذي تبذله المؤسسة.
تقصير مبرر
{ وهذا لا يمنع من تشكيك البعض بمصداقية هذه الجمعية أو تلك إزاء ما تقدمه الجمعيات، لا سيما وأن الجمعيات الكبيرة تعتمد في الأساس على جمعيات محلية أو مندوبين للتوزيع في المديريات، كما أن الجمعيات لا تقوم ببحث ميداني عن الأسر الفقيرة التي تستحق دعم الجمعيات لها، وعادة ما تعتمد بعض الجمعيات على كشوفات مقدمة من مندوبيها في المديريات، حيث قال الأخ «عبدالحميد فرحان»، مدير جمعية «الإصلاح» الخيرية، في اتصال هاتفي : «إن البحث الميداني لا يتم إلاَّ في حالة الكفالات للأيتام»، مضيفاً : «إن كسوة عيد الفطر والأضاحي في عيد الأضحى تُوزَّع عبر مندوبين لنا في المديريات»، ولم ينفِ الأخ «عبدالحميد» أن هناك تجاوزات تحدث من بعض المندوبين، لكن هذا لا يمنعهم من محاولة الحرص على تقديم الأفضل للأسر الفقيرة في العيد.
لا ننسى الأضحية
{ جمعية «الإصلاح» تعتمد مشروع كسوة العيد في عيد الفطر - فقط - لأن تركيزها في هذا العيد منصبٌّ على الأضاحي - فقط - إذ بلغ عدد الحالات المستهدفة (06) ألف حالة في عموم المحافظات، كما أن الكم الهائل من الأسر المستفيدة جعل التحري عن الأسر الفقيرة مسألة صعبة تواجه المندوبين - حسب قول مدير عام الجمعية - ولأن إكمال النصف الثاني من فرحة الأطفال لا يتوفر إلاَّ بوجود الأضحية في المنزل، فإن هدف الجمعيات هو نشر الفرحة من خلال التحري عن إيصال الأضحية إلى المستحقين فعلاً والاعتماد على مندوبين أو جمعيات مشهود لها بالأمانة، حيث تهدف الأضحية عامة إلى التوسعة بين الأطفال وإظهار السرور بينهم كمكمل لبدلة العيد، إلى جانب إظهار الفرحة بين الفقراء والمساكين، وقد حث القرآن الكريم على التصدق من الأضحية لمن لا يملك ما يُضحّي به، قال تعالى : «فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير»، وحتى لا تفسد الجمعيات هذه الصدقة، فإنه يتوجب عليها التحري عن الأسر المحتاجة، لأن الأضحية، التي تقدمها هذه الجمعية أو تلك، لم تُوجد لغرض التخلص منها صباح العيد، لكنها وجدت لغاية دينية أولاً وإنسانية ثانياً، والأسر التي لا تستطيع شراء الملابس لأطفالها لا تستطيع أن تُضحّي، وتوفر الأمرين لها أساس إدخال السعادة إلى قلوب أفرادها، كما يتوجب على هذه الجمعيات ألاَّ تسرف في الإعلانات على دورها بقدر ما تحاول جاهدة توفير قدر من عدالة التوزيع.
باختصار
{ بين البحث عن بدلة العيد والأضحية تعيش الأسر حالات من المعاناة تحرمها حقها في الفرحة كبقية الأسر الميسورة، الأمر الذي يحتم على أفراد المجتمع التخلص من «الأنا» والإسراع في دعم الآخرين الذين لا يملكون إلاَّ الصمت في هذه المناسبة، ومَنْ استطاع أن يمسح دمعة طفل فلن يجد عناءً في البحث عن المحرومين، لأنهم كثيرون في هذا الواقع.
*عن صحيفة الثورة




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر