محمد علي سعد - رسالة من مدينة طلسم توطنة
حين اعجز أن اضيف لقاموس غزلك مفردة جديدة فخير لي ان اصمت وأعتذر بدلا من تكرار نفسي.
· سيدتي
أعرف سلفا أنك مستاءة من مجموعة رسائلي الاخيرة إليك، أعرف أنك مستاءة، مستغربة.. لكن في الحقيقة ان الحلم، والأماني وتصور الاشياء الجميلية، ضاعت مني، هربت من بين أصابعي، تمردت علي، لآن اهملتها مضطرا وتركتها مكرها، وصنعت مابيننا حاجزا من عدم الاقتراب مرغما.
· فانا ياسيدتي قد وقعت غريقا في بحر من الهموم والمشكلات، تفقد أرق فنان حساسيته، غرقت في أمور ترتيب البيت من الداخل، وترتيب وترتيب احتياجات الحياة، وإعادة صيغ طرائق التفكير، اعتذر لأن رسائلي الاخيرة كانت من الواقعية لدرجة أشبه بالتقاط الصور على حقيقتها فقد جاءت. بعيدة عن الرومانسية، والشاعرية والحلم والأمل، فكيف يتسنى لي يا ست الدنيا أن أكون رومانسيا وشاعريا وحالما وآملا في منطقة تحاصرك فيها الاشكالات من الاتجاهات الأربعة وتمطرك الهموم من فوقك بخط عمودي وتتحرك تحتك الثوابت بخطوط مستقيمة.
· كيف يتنسى لي أن أعبر لك عن مدى احتياجي إليك ومشاعري التي تسابق روحي باتجاهك، وعقلي الذي يهرب مني معلنا التمرد والاضراب عن التفكير باي شيء سواك، وأنا المحاصر في منطقة منزوعة الحلم، مسورة بالنكد توزع همومها مع رغيف الصباح اليومي.
· سيدتي.. أعترف أني أنشغلت عنك مكرها لكنها الحياة التي نجيء إليها كي نعيش رحلة تعب ونودعها وفي النفس حسرة، بل حسرات لأن كثيرا من أحلامنا وآمالنا وما أردنا تحقيقه لم يتحقق حين داهمنا الموت وأو دعنا الرفقة في اللحد مغلقين عليهم بإحكام صدر الحجر الصوان وكاتبين فوق المشهد الذي هو عنوان اقامتنا الدائم" عاش من العام.. ومات في العام...." دون أن يحق لنا أن نقول كلمة واحدة تعليقا على تهمة أننا عشنا كذا من السنين مع أنهم لم يسألوننا يوما: كيف عشنا تلك السنين، وهل هي حياة تحسب علينا وعمر تجمع أيامه حتى تنزع الورقة الأخيرة منه وفيها الإعلان العريض ( إنه في طريقه إلى القبر).
· ست الدنيا.. أجل ست الدنيا فما بالك تعتقدين أنها كلمة في قاموس المفردات، لا، فأنا حين أقول ست الدنيا، فأنت ست الدنيا لأن الدنيا دونك لا تستحق أن تكون ((ست )) ولأنك في الأيام التي أسعدني حظي البخيل أن أعيشها إلى جوارك كنت أحب الحياة وبدأت بحركة تشبث بها من الدرجة الأولى خوفاً من أن تهرب مني أيامي قبل أن أنال حظي الأجمل معك في رحلة العمر التي أفاخر أنها كانت أو يمكن أن أطلق عليها أسم / نكد بنت /تعب بنت أنتظار...الخ
· سيدتي ..من أين أكتب إليك وكيف ..؟
وأنا مطحون بهّم توفير الأساسيات ،فالكتاب صار ترفاً لاأقوى على مناطحة سعرة ،والمجلات والدوريات ترتفع اسعارها هي الأخرى لدرجة صرت فيها أقف أمام كشك بائع الصحف بأدب كالواقف في طابور انتظار دخول الجنة.
ودواوين الشعر التي أملكها وحفظتها وكتبتها إليك لم تعد تفي بالغرض.. والدواوين الجديدة طبعات فاخرة مثلي لا يقوى على..!!
لا تزعلي فأنا الآخر ماذا أقول وكل شيء صار ترفا لا نقوى على شرائه.. ظروفنا صارت تحت مستوى الصفر.. فهل معقول أن تكون مشاعرنا بحالة شاعرية فوق مستوى درجة الحرارة المئوية.
· أتنمى أن تلتمسي لي الكثير من الاعذار فالحفاظ على الوظيفة هي شكل من أشكال العمليات الانتحارية.. الأمل في الترقية التي نستحقها هي ضرب من ضروب المستحيل مطلوب منك أن تدعو على رئيس عملك بالموت حتى تقفز درجة وهو بدوره يتمنى لك بالشتات حتى يحافظ على كرسيه .
· ففي مدينتي طلسم يكافا الفاشلون ويرتقي المعوقون عقلا وعملا، هنا البدلات وبعارات المجاملة واتصالات الوشاية هي من تلفت الانتباه لا مستوى الناس وثقاتهم وقدراتهم الرائعة.
· في مدينتي طلسم حينما ذهبت وجدت من يبكي ويشتكي ويتظلم .. إنها مدينة كلها تحولت إلى حائط مبكى، فالناس حيث يلتقون يتبادلون الشكوى في بداية لحلقة بكاء جماعية.
· أخيرا.. أقسم لك بأني لم أنس ذكرى وفاة عبدالحليم حافظ التي صادفت (31) مارس الماضي لكني أثرت الصمت، فذكرى وفاته هذا العام كانت أيضا تحمل وفاة الرومانسية، ثقي أنك في خاطري، كل خاطري، لكنها طلسم مدينة يبكي فيها الناس لأن البكاء صار جزءا من حياتهم اليومية.
· بانتظار ردك على أحر من الجمر، وبأمل أن تظل البسمة لا تفارق محياك .
· العنوان/ المواطن/ عبدالصبور صابر اليماني
· مديرية أيوب/ مدينة طلسم/ بحر الجحيم/ خلف خط الاعوجاج
|