المؤتمرنت -
فاجعة جديدة للأمة!!
خلال الفترة الممتدة ما بين نوفمبر 2004م ويناير الحالي 2006م تجمعت الكثير من الأحزان العربية، حيث ودعت الأمة وفي هذه الفترة التي لا تتجاوز عام ونيف عدداً من رموزها القياديين الذين كان لهم بصماتهم البارزة في الحكم والسياسة.. ابتداءً برحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي شاءت إرادة المولى عز وجل أن يلحق به، وفي نفس الشهر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة، وهما الحدثان اللذان أضفيا على سماء المنطقة المزيد من الأسى، بالنظر الى مكانة القائدين الراحلين في قلوب أبناء الأمة.
وبالتوازي مع تقاطعات الأحداث والتطورات التي شهدها عام 2005م المنصرم، وما حفل به هذا العام من تناقضات ومفارقات.. وفي خضم الأوضاع المشتعلة والمتوترة على أرض فلسطين والعراق، جاءت حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 14 فبراير من العام الماضي والتي لم تتوقف تأثيراتها عند رحيل ذلك السياسي المخضرم، بل تولدت عنها جملة من التداعيات الخطيرة والتفاعلات غير المتوقعة، أكان ذلك على مستوى العلاقات السورية اللبنانية، بعمقها الحميمي والتاريخي.. أو على نطاق قواعد اللعبة السياسية داخل المنطقة وخارجها.
وعلى مقربة من تلك الحادثة، أصيبت الأمة بفاجعة أخرى بفقدانها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في يوم واحد مع سقوط طائرة جون قرنق نائب الرئيس السوداني الذي لقي حتفه في وقت بدأ فيه السودان يتنفس الصعداء عن طريق توقيع الإتفاق النهائي للسلام بين الحكومة والحركة الشعبية بالجنوب..
ومع اطلالة العام الجديد 2006م توفى الله الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم حاكم إمارة دبي ونائب رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشقيقة، فيما أفاق الكويتيون وأبناء الأمة فجر أمس على نبأ وفاة سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت بعد حياة حافلة بالجهود الدؤوبة التي كرسها من أجل تطوير بلاده وإنجاز تطلعات شعبه في التقدم الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والثقافي وخدمة قضايا أمته وتعزيز التضامن بين أبنائها وعلى نحو ملموس لا تخطئه العين.
وكما أشار بيان النعي الصادر عن رئاسة الجمهورية، فإننا في اليمن نشعر بأن رحيل هذا القائد العربي لا يمثل فقط خسارة على الكويت وإنما -ايضاً- على أبناء الأمتين العربية والاسلامية الذين عايشوا سيرة الفقيد الراحل وتابعوا مواقفه، وما اتسمت به سنوات حكمه طوال 28 عاماً من اعتدال وتوازن ظل خلالها الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح يعطي الأولوية لكل ما من شأنه النهوض بالكويت وابراز دور تلك الدولة الصغيرة في المحيط الاقليمي والعربي واطارها الدولي وكذا ايجاد الوسائل الكفيلة بحمايتها من كل الأنواء والعواصف التي مرت بها المنطقة.
ومما يذكر في ميزان التقدير للفقيد الراحل هو حرصه الكبير على تنمية علاقات الكويت بكافة اشقائها في الدول العربية والاسلامية وذلك عبر نهجه الذي كرس فيه مبدأ الشراكة الانمائية إلى جانب دعم اقامة المشاريع الضرورية في معظم الدول العربية والاسلامية، ومن ضمنها اليمن التي لا ينسى أحد من أبنائها، بأن الكويت قد أسهمت في بناء العديد من المشاريع التعليمية والصحية وغيرها..
ولعل هذا التعاضد الأخوي هو من أكسب العلاقات اليمنية الكويتية طابعاً خاصاً على الصعيدين الشعبي والرسمي، ومكن هذه العلاقات من الحفاظ على خصوصياتها في مختلف المراحل ودون أن تتأثر بالعوامل السياسية الطارئة أو المفاجئة لتبدو تلك العلاقات ذات طبيعة مستقرة حتى في الأوقات الصعبة التي حاول البعض فيها استدراجها إلى دائرة الشكوك والتأويلات، والتجاذبات بهدف اضعاف جسور الثقة.. وهي رهانات باءت بالفشل، لأن ما بين الشعبين الشقيقين أقوى من أن يهتز أو يضعف..
وعليه.. فإذا كان رحيل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح قد شكل في حد ذاته خسارة كبيرة فإن انسياب مسؤوليات الحكم بشفافية مطلقة في ذلك البلد الشقيق كما رأينا يوم أمس الذي تم فيه تنصيب الشيخ سعد العبد الله سالم الصباح أميراً على الكويت فإن تلك الاجراءات التي اتخذت في هذا الجانب لا شك وأنها قد خففت من وقع الصدمة جراء رحيل سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح إذ بدا واضحاً أن جميع من يتصدرون تلك المسؤولية هم من ارتبطت مهامهم وأدوارهم بكل الانجازات التي حققتها الكويت، خلال السنوات الماضية وكانت لهم اسهاماتهم في كل خطواتها..
فرحم الله الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح وأسكنه فسيح جناته.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
إفتتاحية صحيفة الثورة