. -
ذكرى «الهجرة» وواقع الأمة!!
ما يبعث على الأسى أن يأتي احتفال الأمة الإسلامية هذا العام بذكرى الهجرة النبوية الشريفة ، على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم ، وسط ظروف حالكة وتحديات جمة تحيط بها من كل جانب ، منذ عدة سنوات ، إلى درجة أصبح فيها أبناء هذه الأمة يحلمون بنهار جديد يستيقظون فيه على واقع يجمعهم وإرادة تلمهم ، وتوجه يجتاز بهم حالة الضعف والاستكانة التي طال أمدها.
ولعل من سوء حظ هذه الأمة أن تمر عليها ذكرى هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة وحالة من الغضب تسيطر على جميع شعوبها وأمصارها جراء قيام بعض الصحف الدنماركية والنرويجية بالإساءة لذات الرسول الكريم محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم الذي قال فيه المولى سبحانه وتعالى «وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين» بما تنطوي عليه تلك الإساءات من استفزاز لمشاعر أكثر من مليار مسلم. وما قد ينسحب عليها أيضاً من تأثيرات وانعكاسات سلبية على مجرى الجهود المبذولة لتعزيز التقارب بين الديانات والحضارات والثقافات.
وإنه لمن الواضح في هذا المشهد أن واقعة التطاول اللا أخلاقية على الرسول الكريم عكست تماماً ملامح الصورة التي بدت فيها الشعوب الإسلامية بتعدادها السكاني الهائل ومقدراتها الاقتصادية الكبيرة ومكوناتها السياسية والثقافية ، في موقع لا تحسد عليه وهي تجتر غضبها بألم شديد خاصة وهي من تقف على حقيقة أن هناك من لا يضع أي اعتبار لمشاعرها وأحاسيسها وغيرتها على دينها وعقيدتها.
وسواءً اعتذرت الصحف التي صدرت عنها الإساءة للعالم الإسلامي أو لم تعتذر .. فلا بد من الاعتراف بأن ما جرى لم يكن له أن يحدث أو يتجرأ عليه أحد لو كانت هذه الأمة في موقع من القوة ، وفي وضع أفضل مما هي عليه في الوقت الراهن.
ويغدو هذا المنطق أكثر وضوحاً ، إذا ما عدنا إلى حالات مشابهة .. حيث سنجد أن هناك من يتجاهل تماماً مشاعر المسلمين. فيما يبدي أشد الانزعاج من أي طرح عارض يمس غيرهم .. بل إنه الذي لا يتردد في إسقاط ذلك الطرح ، حتى وإن جاء مخالفاً لقناعة أصحابه ، في خانة العنصرية التي تذكي عوامل التطرف والكراهية والإرهاب.
وبغض النظر عن هذه الازدواجية ودوافعها ، وسياسة الكيل بمكيالين .. فكما أن إسلامنا هو من يلزمنا باحترام وتقديس الأنبياء والرسل والديانات السماوية .. فإننا الذين نرفض أن يعمد أي طرف كان للإساءة إلى رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه لإيماننا بأن التطاول على الأديان والمعتقدات والأنبياء يمثل تعدياً صارخاً على السياج الذي يحمي قواعد التعايش والوئام الإنساني ، كما أنه يشكل انتهاكاً سافراً للمبادئ والقيم الأخلاقية والقيمية الكافلة لحرية الاعتقاد.
وفي كل الأحوال فإن من الواقعية ألاّ نجعل موجة الغضب وحالة التذمر التي أحدثتها الإساءة البالغة الصادرة عن بعض الصحف الدنماركية والنرويجية تبتعد بنا عن استيعاب الدرس الراهن وما يبعث به من إشارات ، تدلنا على أنه قد حان الوقت لهذه الأمة أن تعيد ترتيب أوضاعها وفق ما تمليه مقتضيات الحاضر ومتطلبات العصر وكذا التحديات إذا ما أرادت هذه الأمة أن تحفظ لنفسها عزتها ومنعتها ، وأن يضع لها الآخرون مكانة واعتباراً في تقديراتهم وتعاملاتهم ومواقفهم.
ومن الأهمية هنا والأمة الإسلامية تحتفل اليوم بذكرى الهجرة النبوية الشريفة أن تسعى إلى جعل هذه المناسبة محطة لاستشراف ملامح التاريخ الإسلامي والاستفادة من عظاته وعبره وتمثل مفاهيمه على نحو إيجابي يمهد لها السير في طريق التوحد والتكامل والشراكة الفاعلة التي تنتقل بها إلى مواكبة تحولات العصر بحكمة وعلم وقدرة وثقة بالذات. وتلك هي المسلكية التي حثنا عليها ديننا الإسلامي الحنيف ورسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه لكونها طوق النجاة من نوازل الزمن.