عبد العزيز بن عثمان التويجري- الشرق الاوسط -
الحملة العدائية ضد الإسلام.. ماذا بعد؟
أوصى مؤتمر القمة الاسلامي الثالث الاستثنائي الذي عقد في شهر ديسمبر الماضي في مكة المكرمة، بإيجاد آلية للتصدي للحملة العدائية الموجهة ضد الاسلام والمسلمين في بعض وسائل الإعلام خارج العالم الإسلامي، على إثر تصاعد مد الكراهية والازدراء للدين الحنيف، والتشويه لصورة المسلمين، والتزييف لحقائق التاريخ الإسلامي، والنكران للعطاء الحضاري الثري الذي قدمه المسلمون للحضارة الإنسانية طيلة عدة قرون، كانت عصور تألق وابداع وازدهار للحضارة الاسلامية، التي كان من طوابعها التسامح والتعايش بين جميع اتباع الأديان من مختلف الأجناس والأعراق والملل والنحل.
ولقد تصاعدت الحملة الاعلامية العدائية التي تشنها وسائل الاعلام في الغرب، خاصة في بعض الدول الاوروبية وفي الولايات المتحدة الأميركية، وبلغت درجة من الغلو، لا نبالغ اذا قلنا انه عين التطرف في شكل من اشكاله، الذي قد يؤدي الى ما يؤدي اليه التطرف دائماً من انحرافات خطيرة في السلوك تدخل تحت طائلة القانون.
ومن أمثلة هذا التصاعد العدائي ما أقدمت عليه جريدة دنماركية بنشرها اثني عشر رسماً كاريكاتيرياً لرسول الله محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم)، مع عبارات مسيئة الى النبي الكريم، والدعوة التي وجهتها جريدة دنماركية اخرى للجامعات لتخصيص يوم للتندر على القرآن الكريم، مما يعد اساءة بالغة الى مليار وثلث المليار من المسلمين هم خمس سكان العالم، وازدراء بدين الله الذي ارتضاه لعباده، وبثاً للكراهية وتحريضاً عليها. وتهديداً لاستقرار المجتمعات، وافساداً للعلاقات القائمة بين دول العالم الاسلامي وبين الدولة التي تصدر فيها هذه الجريدة. وثمة أمثلة كثيرة تؤكد جميعاً ان مسألة العداء للاسلام وصلت الى درجة من الخطورة تقتضي المعالجة في اطار القانون الدولي، لأن الازدراء بالأديان تحت دعوى حرية التعبير عن الرأي واعمالاً للإعلان العالمي لحقوق الانسان، ادعاء باطل لا اساس له من الصحة، فليس من حرية الرأي الاساءة الى العقائد الدينية للأفراد والجماعات، وتأليب فئات المجتمع بعضها على بعض. كذلك ليس من الديمقراطية الحق في شيء ان تمتنع الدول عن التدخل لرد الاعتبار للمؤمنين بدين من الأديان من خلال الزام وسائل الاعلام التي ترتكب هذا الجرم بالاعتذار لهم، تحت دعوى احترام حرية الصحافة وعدم التدخل في الاعلام، لأن هذا الموقف الذي يتخذ باسم الديمقراطية، يفتح الأبواب أمام العدوان على حقوق الانسان في حرية التفكير والضمير والدين، كما نصت على ذلك المادة الثأمنة عشرة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، فازدراء الدين هو خرق للقانون الدولي، وانتهاك لحق من حقوق الانسان. وفي ذلك تناقض واخلال بمبدأ من مبادئ الديمقراطية. ولذلك فإن هذه المسألة تحتاج الى اعارتها المزيد من الاهتمام على الصعيد الدولي، بالتفكير في ايجاد آليات قانونية ملزمة لوضع حد لهذه الظاهرة.
إن من شأن تفشي ظاهرة ازدراء الأديان ان تساهم في تأجيج صراع الحضارات، في الوقت الذي تتضافر فيه جهود المجتمع الدولي لتعزيز الحوار بين الحضارات، ويسعى العالم الى الانتقال من الحوار الى التحالف بين الحضارات. ولذلك فإن كراهية الأديان، بصورة خاصة الدين الاسلامي، لأن الحملة مركزة عليه أكثر من غيره من الأديان، هي سباحة ضد التيار، وتعطيل للجهود الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة، وعودة الى مرحلة (الصراع الدولي) الذي هو نقيض (التفاهم الدولي) والتعايش والتعاون في اطار من الاحترام لميثاق الأمم المتحدة، وللقرارات والمواثيق والاعلانات والعهود الدولية، التي وضعت الاساس لعالم تحكمه الشرعية الدولية، وتتعايش فيه الأمم والشعوب وتتحاور وتتحالف على ما فيه الخير للبشر كافة.
وازاء الامتداد الكاسح لهذه الحملة العدائية ضد الاسلام والمسلمين، كان لا بد وان تقوم المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة بواجبها، في حدود امكاناتها وفي اطار اختصاصاتها، فوضعت خطة عمل للتصدي لهذه الظاهرة، من خلال تنفيذ عدد من الأنشطة في هذا المجال. وقد جاء قرار مؤتمر القمة الاسلامي الثالث الاستثنائي معززاً لهذه الخطة. ولكن التجربة اثبتت ان العمل في المجال الثقافي والاعلامي، في ما يتصل بمواجهة هذه الحملة، لا يؤتي اكله على النحو المطلوب، ان لم يتعزز بسن قانون دولي، وبالقيام بتحرك على الصعيد الديبلوماسي، في شكل مبادرة تقوم بها رئاسة مؤتمر القمة الاسلامي، ومجلس سفراء الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي وفي جامعة الدول العربية المعتمدين في العواصم التي تشهد تصاعداً للحملة ضد الاسلام، ورفع القضية الى المحافل الدولية، من خلال الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض الأوروبي، في مسعى ديبلوماسي يرمي الى اتخاذ موقف دولي مناهض للكراهية ولازدراء الأديان.
ثم هناك اساليب اخرى للاحتجاج ضد هذه الحملة، ولتعبير عن غضب المسلمين في كل مكان، بالاسلوب المتحضر الذي يليق بالرسالة الاسلامية التي يحملونها وبالقيم السامية التي يؤمنون بها، منها بعث رسائل وردود الى الجرائد والمجلات ووسائل الاعلام الاخرى التي تشارك في الحملة العدائية ضد الاسلام، لتبيان حقيقة الموقف الاسلامي الرافض للكراهية وللصراع وللتطاول على الأديان، وللتعبير عن رفض المسلمين في كل مكان من العالم، للمساس بحرمة نبيهم وقداسة كتابهم المنزل من لدن الخالق رب العالمين سبحانه وتعالى على رسوله محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم).
ان المسلمين دعاة حوار بين الحضارات، ودعاة السلام العادل القائم على احترام الحقوق وعدم التنكر للمواثيق الدولية، ودعاة التعايش بين الأمم والشعوب. والإسلامي ينهى عن ازدراء الأديان، وعن الطعن في عقائد الناس، أو تشويه رموزهم الدينية، وقد عاش اتباع الاديان السماوية في ظل الحضارة الاسلامية اخوة في الانسانية، وفي الحياة، وفي المصير المشترك والمسلمون هم أول من طبق مبادئ حقوق الانسان والتعايش والاحترام المتبادل، وهذا التزام منهم يمليه عليهم دينهم الذي يوجب عليهم التعامل بالحسنى مع جميع البشر لا فرق بين أتباع دين وبين غيرهم من اتباع دين آخر. ومنطلق الايمان بهذه التعاليم الربانية والتوجيهات الدينية، فإن المسلمين بقدر ما يمتنعون عن الاساءة الى أي دين من الأديان، فإنهم لا يقبلون بأي حال من الاحوال، أي يسيئ غيرهم الى دينهم، أو ان يشوه صورته، أو أن يمس رموزه، أو ان يطعن في عقائدهم، أو أن ينال من قداسة كتابهم الذي يؤمنون ويهتدون به في حياتهم. هذا موقف المسلمين ممن يشن حرباً عدائية مغرضة على دينهم الحنيف وعلى نبيهم المصطفى الكريم في هذه المرحلة التي تتنادى فيه الأمم الى التحالف بين الحضارات.
* المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ ايسيسكو ـ