كتب/ محمد علي سعد -
المسئولية الأمريكية في نشوء الإرهاب
في البرنامج الذي بثته قناة "العربية" في الحادية عشرة من مساء الخميس 2/3/2005م برنامج (مشاهد وآراء) وتناول موضوع الإرهاب من زوايا متعددة، وشارك فيه كل من: خير الله خير الله –الكاتب الصحفي اللبناني المعروف، ونبيل خوري-نائب السفير الأمريكي بصنعاء، ومحمد يحيى الصبري-باحث في جامعة صنعاء.
وكما تابع المشاهدون فقد ركز البرنامج على موضوع فكرة الحوار الذي أجرته الحكومة اليمنية مع المنتمون لتنظيم القاعدة الموقوفون بالسجون اليمنية، وهل موضوع الحوار نجح في استعادة بعضاً من جماعة القاعدة من عدمة إلى جادة الصواب، وبذلك ودع الموقوفين في السجون الأفكار الخاطئة وتركوا الأعمال الإرهابية، وأعلنوا قولاً وعملاً التزامهم بالدستور والقانون في البلاد.
والحقيقة أنه ربما إن البرنامج الذي أعلن عنه كثير تم بثه وشاهده الكثير من أبناء شعبنا ليلة أمس ما كنت أنوي التعليق عليه لولا بعضاً من النقاط التي نرى إن إيرادها يمثل مسألة مهمة لاكتمال صورة النقاش، وهذه النقاط نوردها بالآتي:
أولاً: التغاضي التام عن التطرق إلى البدايات الحقيقية التي تم فيها إنشاء وتكوين الجماعات الإسلامية والدور العربي والأمريكي في ذلك التأسيس وما تلاه.
ثانياً: التغاضي عن طرق مسألة الالتزامات الأمريكية والأوروبية الغربية تجاه الجماعات الإسلامية بعد انتهاء مهمتهم الجهادية في أفغانستان في أواخر 1989م.
ثالثاً: غياب الدور الأمريكي والأوروبي في تقديم الدعم الحقيقي للدور العربية والإسلامية التي عاد إليها مجاهدون الأفغان، والتي تعرضت للأعمال الإرهابية من قبل المجاهدين العائدين من أفغانستان والآثار السلبية الكبيرة التي لحقت بأمن واستقرار واقتصاد تلك الدول العربية.
رابعاً: التركيز على ظاهرة الإرهاب وكإنها بدأت في الحادي عشر من سبتمبر 2001م حين تعرضت بعض المدن الأمريكية وبرجي التجارة الأمريكي لحوادث التفجيرات.
خامساً: عدم تقديم دعم حقيقي أمريكي وأوروبي للدول النامية كي تساعدها في جهودها لتجفيف منابع الإرهاب والمتمثلة بالفقر والبطالة ومحدودية التنمية والقصور في مناهج التربية والتعليم.
وفي هذا الصدد لابد من التذكير بحقيقة أنه وفي زمن الحرب الباردة بين العملاقين الروسي والأمريكي في إطار المواجهة غير المباشرة بينهما، تحديداً حين تورطت موسكو وقامت باحتلال أفغانستان كي تدعم الحكومة الأفغانية الحليفة لها.. أقدمت واشنطن على وضع مخطط سياسي وعسكري وفكري وديني تواجه فيه ومن خلاله الاحتلال الروسي الذي مثل لها توسعاً خطيراً في هذه المنطقة الإستراتيجية والهامة من القارة الآسيوية وخطوة هامة باتجاه تحقيق طموحاً سوفيتياً يفي بتواجد عسكري مباشر ليستطيع أن يمد ذراعه ليقبض على زمام القرار السياسي والاقتصادي في عدد من الدول، وكإنها سبحة يمكن القبض عليها براحة اليد الواحدة، يومها وصفت الصحافة الأمريكية والغربية الاحتلال السوفيتي بأنه احتلال شيوعي لأراضي بلد إسلامي، وبذلك حركت المشاعر الإسلامية عند الدول والشعوب العربية وحرضت بصور مختلفة رجال الدين في عدد غير قليل من أجل دعوة الشباب العربي للجهاد لنصرة الدين الإسلامي من خطر الشيوعية.. ودفعت أمريكا بعدد من الدول العربية والإسلامية لتجنيد المتطوعين للجهاد في معسكرات أقيمت في أراضيها لهذا الغرض، فيما أسندت لدول عربية وإسلامية أخرى بأدوار أخرى كالإمدادات المالية، ومراكز والاستقبال للمجاهدين في المحطة الأخيرة قبل دخولهم أفغانستان وقدمت هي السلاح والخبراء العسكريين في فنون القتال، بما يُعرف بقتال حرب العصابات، وجهزت أكثر من إذاعة تبث برامجها السياسية والدينية والفكرية التي تشيد بالجهاد والمجاهدين ضد الشيوعية ونظام "كابول" الخائن.
وهيئت الآلاف من المدارس الدينية التي تحضى على الجهاد تلك المدارس والمعاهد ركزت على نوعية معينة من التعليم الديني الذي يمجد الجهاد والاستشهاد على كل ما عداه.. وبذلك تدافع الآلاف من الشباب العربي المسلم إلى أفغانستان وخاضوا حرباً قاسية وشرسة ضد أقوى ثاني دولة في العالم، وطوال الفترة الممتدة من 1979م-1989م تدافع الشباب إلى أفغانستان بدعم عربي إسلامي مدعوم دعماً كاملاً من واشنطن وحلفاءها الغربيين في أوروبا واستمرت تلك الحرب حتى قرر "جورباتشوف" بالانسحاب الكامل للقوات السوفيتية من أفغانستان.. وهنا ظهر إلى السطح السؤال التالي: أين يذهب المجاهدون العرب؟ ماذا يعملون، أو ماذا سيعلمون في بلدانهم لو عادوا لها؟ وظهر سؤال آخر وهو لماذا كان لأمريكا وأوروبا الغربية مخطط بعد استكمال لمخطط خوض الحرب ضد السوفيت الذي وضعته واشنطن، مخطط يجيب على السؤال الذي يقول: بعد إنهاء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان ما الذي يجب على أمريكا وحلفاءها الأوروبيين القيام به إزاء الدولة الأفغانية؟ أو إزاء المجاهدين العرب هناك، وإزاء الدول العربية والإسلامية التي جندت الآلاف من شبابها ورجالها ضمن تنفيذها للمخطط الأمريكي ورحلتهم بكابول..
وماذا يجب أن تقوم به واشنطن وحلفاءها في مخططها ضد السوفيت في شقة الذي استخدمت فيه المساجد والمدارس والمعاهد الدينية المحرضة على الجهاد ولرجال الدين الذين كانت مهمتهم إصدار الفتاوى التي تجيز القتل والحرب..الخ.
هذه الأسئلة الهامة والضرورية التي كان يجب أن يكون لواشنطن إجابات شافية لها ومخططات علمية وعملية تستوعبها وتستوعب النتائج المترتبة على حقيقة انتصار الجهاد الإسلامي على الاحتلال السوفيتي لأفغانستان.. وعلى كيف يجب أن يتم التعامل مع كل الأطراف التي شاركت بتنفيذ المخطط الأمريكي لإغراق القدم السوفيتي في المستنقع الأفغاني في فعل هو أقرب للرد الصفعة السوفيتية التي وجهتها موسكو لواشنطن حين أغرقتها في وحل المستنقع الفيتنامي طوال الفترة الممتدة من 1965-1975م وانتهت بإلحاق هزيمة موجعة بالإدارة الأمريكية.
كان لابد وأن يكون لدى أمريكا مخططاً استكمالياً يقدم لكافة الأطراف التي نفذت المخطط الأمريكي بالحرب ضد موسكو لاحتلالها كابول مخططاً استكمالياً يوزع أدواراً جديدة للشركاء كل بحسب احتياجاته وظروفه والتأثيرات التي قد تلحق به على أساس النتائج التي أفصحت عنها حقيقة أن جيشاً من المجاهدين العرب قد أنهوا مهمتهم في كابول وسوف يعودون لبلدانهم.. لكن الذي حصل إنه لم يكن لأمريكا ما تستكمل به مخططها بعد إنهاء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، فعاد المجاهدون لبلدانهم حاملين أفكار تطرفية وأعلن بعضهم الجهاد ضد دولهم، وأنظمتهم وشعوبهم.. وهنا نسجل إنه وفي اليمن تعرضت السياحة إلى حوادث تفجيرات في ديسمبر 1993م، كما تعرضت مرافق حكومية وسفارات إلى نفس الحوادث الإرهابية ثم تلى حوادث التفجيرات حوادث اختطاف السياح الأجانب وتعريض حياتهم للخطر.
إذن الإرهاب بدأ منذ العام 1993م في اليمن، وبدأ في دول عربية أخرى في هذا التوقيت تقريباً، وهو توقيت سبق الحادي عشر من سبتمبر 2001م بتسع سنوات.. وأمريكا لم تعمل شيء.. لا للعرب ولا للمجاهدين ولا للدول التي تعرضت وتضررت مصالحها، مع إننا في اليمن كان فخامة الرئيس علي عبدالله صالح –رئيس الجمهورية- دعا إلى عقد مؤتمر دولي تحت مظلة الأمم المتحدة يناقش الإرهاب كظاهرة، وتناقش أسبابها وظروف نشأتها تلك الدعوة التي أطلقها فخامة الرئيس كانت في العام 1993م، وكررها مراراً.. إلا أن أحد لم يستمع إليه بقصد لم تدرك أمريكا أهمية وضرورة الدعوة التي أطلقها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح إلا عندما وصل الإرهاب لعقر دارها.
وبعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م أعلنت أمريكا الحرب ضد الإرهاب، لأنه وصل إليها فقط، ولكنها وطوال التسع السنوات التي سبقت الحادي عشر من سبتمبر وتعرض الدول العربية والإسلامية للهجمات ما يُعرف بالمجاهدين (العرب الأفغان) ظلت تغض الطرف.
وعليه فإن الدول العربية والإسلامية قدمت كلما ما يمكن تقديمه لأمريكا في حربها ضد الإرهاب (مع إن أمريكا رافضة أن تعطي مفهوماً محدداً لماهية الإرهاب..) لكن الدول العربية تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة وبرامج تنمية بطيئة وفقر وبطالة وتعداد سكاني يتضاعف وتحتاج احتياجات ضرورية للدعم الأمريكي والأوروبي في مجالات التنمية المتعددة.
الإسهامات الأمريكية- الأوروبية في مجالات التنمية في الدول العربية والإسلامية النامية ضرورة حتمية لمكافحة الإرهاب من خلال بذل جهودها لتجفيف منابعه.. إلا أن الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية لا تقدم إلا أقل من القليل للدول العربية والإسلامية حتى تستوعب الشباب الباحث عن العمل والحياة والاستقرار ولعل الصور هي أشبه بالتالي.. حين كانت أمريكا تحتاج للشباب العربي المسلم كي يذهب إلى أفغانستان كي يحارب السوفيت ويموت هناك بديلاً عنها فإنها سعت لتجده في كل مكان وحين بحث عنها هو كي توفر له فرص عمل فإنه لم يجدها على الإطلاق فثار عليها وانتقم منها.
والخلاصة: تفيد بإن أمريكا وأوروبا تتحدث عن تدني مستوى التنمية وقلة الوعي في الدول العربية والإسلامية وتربطها بالفساد فقط، وبذلك تكون هذه الصورة منافية للحقيقة، لأن الحقبة الاستعمارية التي عاشتها الدول العربية والإسلامية هي من أسست الجهل والفقر والمرض والضعف في التنمية..الخ وإن الآدمي اليوم هو نتاج حقبة الفقر والجوع والمرض والجهل التي هي نتاجاً للاستعمار الأوروبي.
مع إقرارنا إن ثمة حاجات ملحة وضرورية لمكافحة الفساد والبيروقراطية وإن هناك حاجات أكثر إلحاح تتمثل في تقديم أمريكا دعماً اقتصادياً حقيقياً للدول العربية والإسلامية في مكافحة الإرهاب، وتجفيف منابعه، لا أن تتخلى عن الشباب في الدول العربية والإسلامية الذي قاوم السوفيت بدلاً عنها وطول عشر سنوات.. كما إن على الإدارة الأمريكية الكف عن التلاعب بألفاظ فتارة الدول العربية غيرديمقراطية، وبسبب محدودية الممارسة الديمقراطية يظهر الإرهاب وتارة بسبب الفساد..الخ. أمريكا تعرف إنه وبسبب فقر الدول ومحدودية التنمية فيها من جهة.. ولسياساتها(سياسات واشنطن) الغير عادلة إزاء فلسطين والعراق والصومال والدول العربية والإسلامية عموماً هو من يجعل استمرار الإرهاب ممكناً وتواصله أمر وراداً لسنوات قادمة مالم يتم بحث حقيقي للمشكلة ومعالجة نزيهة وصادقة وشجاعة لها.