الشرق الأوسط - نمط جديد للثراء في طوكيو من داخل مسكنه الشامخ في «روبونغي هيلز»، يعتلي مينورو موري عرش الفخامة في أكبر مدينة في العالم. وتفخر «روبونغي هيلز»، وهي بمثابة مدينة داخل مدينة، أسسها موري وجعلها مركزا لأغنى أثرياء اليابان، بشقق يصل إيجارها الشهري إلى 50 ألف دولار، وسلالم متحركة داخل قباب من الزجاج، ومتحف يضم أعمالا لفنانين عالميين، وسلسلة من المحلات الفاخرة تمثل نصف ميلانو وباريس. كما أنها تعتلي قمة 6 «مدن مدمجة» شيدها موري، حيث يعيش فيها العديد من الفائزين في استعادة اليابان لنشاطها الاقتصادي، ويعملون ويتسوقون ويأكلون ويمرحون.
وقد أدى نجاح موري الى إنجاز سلسلة مشاريع مشابهة لأثرى الاغنياء، غيرت وبطريقة درامية شكل مدينة طوكيو. لكن هذه المشاريع جزء مما يعتبره علماء الاجتماع والاقتصاد تغيرا أساسيا في المعمار الاجتماعي للمدينة.
وعلى الصعيد الآخر، تنتشر في طوكيو فنادق تعرف باسم «صناديق الراحة»، حيث يسعى سكان العاصمة اليابانية الأقل حظا للحصول على سرير مقابل 14 دولارا في الليلة، وزيادة حادة في الإسكان العام. وحتى رغم توقف نمو السكان، فإن عدد الطلبات المقدمة لمساكن محدودي الدخل قد تضاعف في السنوات الأربع الماضية. وفي الوقت ذاته، يلجأ العديد من الناس الى مقاهي كتب الكارتون المفتوحة لمدة 24 ساعة، حيث تصل قيمة الليلة بأكملها الى 13 دولارا مع أي كمية من القهوة والحساء.
والخلافات الحادة في أساليب المعيشة ليست بالشيء الجديد بالنسبة لمعظم المدن الكبرى في العالم، لكنها تعتبر حدثا جديدا في اليابان. ففي دولة كانت تتفاخر في يوم ما بأنها دولة بلا طبقات اجتماعية، حيث مرتب المدير التنفيذي لا يزيد زيادة كبيرة على مرتب المديرين المتوسطين، فإن أساليب المعيشة المستقطبة أصبحت جزءاً من جدل حاد هنا حول الهوة المتزايدة في الدخل. ويقول ماساهيرو يامادا عالم الاجتماع في جامعة طوكيو غاكوجي: «ان نشاهد مجتمعنا ينقسم طبقا للدخل، وإذا استمر الأمر على ما هو عليه، فستشهد طوكيو ظهور أحياء عشوائية مع انتشار مزيد من الأحياء مثل روبونغي».
ومع استعادة الاقتصاد الياباني نشاطه الاقتصادي من مرحلة الركود التي استمرت أكثر من عقد من الزمن، بدأ السلوك الاستهلاكي المعلن ينتشر في بلد كان الأثرياء يتفاخرون فيها بالمحافظة. ويعتبر تاكافومي هوري، 33 سنة، وهو رجل أعمال ثري في مجال الانترنت، رمزا للاثرياء الجدد في اليابان، الى ان ألقي القبض عليه في يناير (كانون الثاني) الماضي بتهمة التزوير. وكان استخدم شركة صغيرة جديدة لشراء شركات بدون موافقة أصحابها، وتشكيل مؤسسة تصل قيمتها الى عدة مليارات من الدولارات. ولكنه أصبح معروفا أكثر بخروجه كل يوم من مرآب شقته في حي روبونغي التي يصل إيجارها الشهري الى 22 الف دولار في سيارته الفيراري الفضية. وقد قال ذات مرة: «ليس هناك شيء لا يمكن شراؤه بالمال».
وبالرغم من أن توزيع الثروة في اليابان أكثر مساواة مقارنة بالولايات المتحدة، فإن الاحصائيات تشير الى زيادة الهوة. ففي عام 2002، كان أغنى 20 في المائة من اليابانيين يكسبون 50.4 من ثروة البلاد، مقارنة بـ 48.8 في عام 1999. أما أفقر 20 في المائة فكسبوا 0.3 في المائة من الثروة عام 2002، مقارنة بـ 0.8 عام 1999. ويحصل الأشخاص الذين يعتبر دخلهم ضمن 30 في المائة نسبة أصغر من ثروة البلاد بالمقارنة بما قبل.
والسبب في هذا التغير في الثروة لا يزال يثير الجدل، فالجماعات المعارضة لرئيس الوزراء جونيتشيرو كويزومي تشير الى أن جهود الاصلاح، التي أجبرت المصارف على الضغط بشدة على المدينين وإلغاء الاعتمادات والإنفاق الحكومي الهائلة المخصصة لإقامة مشاريع عامة أدت الى انتشار الثروة، بينما يشير آخرون الى ظهور جيل في اليابان نشأ في التسعينات يشعر بخيبة الأمل من انفجار الفقاعة الاقتصادية في 1991 ويفتقر للتعليم والتدريب.
وأوضح يامادا، عالم الاجتماع، ان الوظائف ذات المرتبات الجيدة كانت متوفرة لمعظم القوة العاملة اليابانية خلال فترة السيطرة الاقتصادية اليابانية في الثمانينات. واليوم، بالرغم من انخفاض معدلات البطالة والنمو الاقتصادي المستمر، فإن العديد من اليابانيين يجدون أنفسهم يعملون في وظائف ذات مرتبات منخفضة مع ضمان محدود وساعات عمل طويلة.
وتؤدي الفروق في الدخول الى تغيير نظرة ومشاعر أكبر مدينة في العالم. ففي السنوات الخمس الماضية، تضاعف عدد المحلات المعروفة باسم محلات المائة ين (التي تبيع بضائع رخيصة). وفي نفس الفترة، زاد عدد محلات دار الازياء الفرنسية «شانيل» من 24 الى 37 محلا، بينما تضاعف عدد سيارات المرسيدس التي تبيعها «كورنز»، وهي شركة متخصصة في بيع السيارات الفاخرة في طوكيو. ومع تدفق كبار الأثرياء على المدن المغلقة ـ المصممة بحيث تضم تسهيلات للحياة والعمل بالإضافة الى التعليم والتسلية ـ تعمل شركات المقاولات على مدار الساعة لتلبية الطلب. ومن المقرر ان تنتهي، في العام المقبل، شركة «ميتسو فودوسان» من استكمال بناء أعلى عمارة في اليابان تضم فندق «ريتس كارلتون»، ومجموعة شقق سكنية عالية، ومركزا طبيا على غرار مستشفى جون هوبكينز الأميركي. وفي الوقت الراهن يتدفق العديد من الشباب والاثرياء على المدن التي يشيدها مينورو موري.
وكان موري، 71 عاما، الذي يرأس شركة عقارية عائلية، قد افتتح أحدث مدينة، هي «اوموتساندو»، في واحد من أغنى أحياء طوكيو الشهر الماضي. ويمكن للسكان الحياة فوق بعض أغلى المحلات التجارية في العالم، حيث يمكن شراء أحذية من تصميم جيمي تشو بألف دولار للزوج وآيس كريم بسعر 21 دولارا. ويقول نقاد مدن موري انها تخلت عن النمو العضوي الذي يمثل الأحياء المعاصرة والناشطة، الأمر الذي يرفضه موري.
وفي الواقع، عندما افتتحت «روبونغي هيلز» المقامة على 27 فدانا، عام 2003، أدخلت الفخامة إلى حي كان معروفا بانتشار أندية التدليك والحانات. ويقول موري: «أصف نفسي بمطور المدن، ان البنية الأساسية لفترة ما بعد الحرب لا تناسب اسلوب الحياة المعاصرة. لقد ابتعدنا عن الاقتصاد الذي يقوده قطاع الصناعة إلى مجالات المعلومات». واضاف ان مديري هذه المجالات يعيشون حياة مختلفة ويحتاجون إلى بيئة مختلفة.
وعلى العكس من المجتمعات المترفة في الدول الأخرى، فإن الدخول إلى مشروع موري الاساسي ـ على الاقل الجانب الاستهلاكي منه ـ متاح للجماهير. فبالإضافة إلى كبار الأثرياء اليابانيين يتوجه العديد من السياح اليابانيين في سيارات سياحية لمشاهدة أسلوب الحياة في «روبونغي هيلز»، ويمكنهم القيام بجولة مقابل 20 دولارا للشخص.
وقالت ميدوري ساتو، وهي في الثانية والسبعين من عمرها، وجاءت مع شقيقتها: «لقد قدمنا لمشاهدة المحلات التجارية وإلقاء نظرة على أشياء غير حقيقية بالنسبة لنا». واضافت ميدوري التي تعيش مع شقيقتها في حي كوازاكي في ضاحية كواساكي: «حيث نعيش، نشهد المراتب والغسيل معلقا في الشرفات، والحياة اليومية للناس في وجهنا. لكنك لا تشاهد ذلك هنا. لو وضع كل أقاربنا أموالهم لما استطعنا شراء شقة هنا».
|