ياسر العواضي -
الانتخابات القادمة والتداول السلمي للسلطة
يمثل التداول السلمي للسلطة جزءا بسيطا من التعامل السلمي بين الأفراد والجماعات داخل أي مجتمع.
والتعامل السلمي لا يقتصر على الجوانب السياسية بل يشمل أنواعا أخرى من التعاملات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
ويعد التعامل السلمي في المجال السياسي انعكاسا مباشرا لثقافة تحتفي بالسلم والنظام للتنشئة يرتكز على تجذير المفاهيم والمبادئ المكرسة للسلم في البيت والمدرسة وفي الشارع وفي أروقة الحزب وفي المؤسسات.
ويعلم الجميع أنه من الصعب ترويض أي مجتمع على السلم وثقافة السلم بين عشية وضحاها، إذا كان ذلك المجتمع يفتقر إلى المكونات الثقافية والتربوية الداعمة للسلم.
كما يعلم الجميع أن العمل السياسي السلمي لا يأتي إلا في ظل مجتمع يسوده السلم الاجتماعي.
ولذلك فإن علينا جميعا أن نسعى إلى ترسيخ ثقافة ونهج التعامل السلمي في حياتنا اليومية وفي علاقتنا الاجتماعية. وأن نعود أنفسنا على إتباع الأساليب السلمية في حل جميع مشاكلنا حتى نستطيع ممارسة الحياة السياسية بالطرق السلمية سواء كنا في المعارضة أو في السلطة.
وبمناسبة ذكر المعارضة فإن على أحزابنا من وجهة نظري أن تبذل غاية جهدها في تطوير الأدوات السلمية للمعارضة وبما يعزز مبدأ التداول السلمي، ليس فقط للسلطة ولكن للمعارضة ايضا.
وعلى المعارضة أن تعبر عن قضاياها وآرائها بطرق سلمية من خلال المظاهرات التي ينظمها القانون وعبر البيانات السياسية والكتابات الصحفية والندوات وغير ذلك من الأساليب.
ومن المهم أن توظف المعارضة في أنشطتها لغة خالية من مصطلحات العنف والاستفزاز وأن تكون كافة الأساليب التي تتبعها في المعارضة سلمية سواء عبرت من خلال تلك الأساليب عن النقد أو الرفض أو التأييد.
وبذلك وحده تستطيع أحزاب المعارضة أن تساهم في إثراء ثقافة السلم.
وما لم تستطع أحزاب المعارضة توظيف الوسائل السلمية في معارضتها فإنها لن تستطيع توظيف الوسائل السلمية حال وصولها إلى السلطة. ومن المؤكد أن من تربى على ثقافة العنف والسعي للسلطة بالانقلابات والأساليب غير المشروعة الأخرى يستحيل عليه أن يعزز من أساليب الحياة السلمية والتداول السلمي على كافة الأصعدة.
الأخوة والأخوات: لقد كان لابد من هذه المقدمة كمدخل للحديث عن الكيفية التي يمكن من خلالها للانتخابات القادمة المساهمة في حدوث التداول السلمي للسلطة.
ستكون الانتخابات القادمة بدون شك محطة هامة في تاريخ شعبنا اليمني فللمرة الثانية سيتمكن اليمنيون من الاختيار وعن طريق الانتخابات المباشر لمن يمارس السلطة نيابة عنهم على المستويين المحلي والمركزي.
بالنسبة للأشخاص الذين سيحالفهم الحظ بالفوز بثقة الشعب فإن مهمتهم الأساسية ستكون العمل على خدمة الشعب وتحقيق آماله وتطلعاته من خلال تنفيذ البرامج الانتخابية التي منحوا الثقة على أساسها، ومن المؤكد أن القبول بالانتخابات كآلية لوصول الناس إلى السلطة والتسليم بالنتائج التي تسفر عنها تلك الانتخابات هي في حد ذاتها لبنات هامة في ترسيخ دعائم التداول السلمي للسلطة بغض النظر عن ما تسفر عنه الانتخابات كما أنه من المؤكد أن كل دورة انتخابية تعقد، وسواء أكانت رئاسية أو برلمانية أو محلية تمثل إضافة جديدة إلى سجل الإنسان اليمني على صعيد الفكر والممارسة.
وإذا كانت الانتخابات الرئاسية هي العنوان الأبرز للتداول السلمي للسلطة على المنصب القيادي الأول في البلاد فإن الانتخابات المحلية قد لا تقل أهمية عن الرئاسية في أعين السواد الأعظم من أبناء الشعب اليمني الذين يعطون الأولوية لمشاكلهم المحلية ولتحديات التنمية في قراهم وعزلهم وحاراتهم ومديرياتهم.
ويزداد الاهتمام بالانتخابات المحلية مقارنة بالانتخابات الرئاسية بسبب نقل الكثير من الاختصاصات المركزية إلى الأجهزة المحلية المنتخبة، وفي ظل النظام القائم على اللامركزية تصبح وظائف رئيس الدولة مقصورة على ممارسة المسلطات السيادية في الدولة والمتعلقة بالحفاظ على أمن البلاد واستقرارها
وسيادتها واستقلالها وإدارة علاقاتها الخارجية وهو أيضا يمارس وظائفه السيادية والمركزية بالاشتراك مع الحكومة.
وإذا كان هناك من استثناء للقاعدة فإن ذلك الاستثناء يتمثل في الاهتمام الذي توليه النخبتان السياسية والإعلامية على المستوى الوطني للانتخابات الرئاسية.
وتمثل الانتخابات القادمة بشقيها الرئاسي والمحلي خطوة متقدمة للغاية مقارنة بتجارب اليمن قبل الوحدة وبعدها وبالتجارب التي شهدها محيط اليمن الإقليمي. فعندما يتمكن أحد الأحزاب من الوصول إلى السلطة في محافظة أو مديرية معينة ويتمكن حزب آخر من الوصول إلى السلطة في محافظة أو مديرية أخرى يكون الشعب اليمني قد قدم الدليل القاطع على قبوله وتمثله لمبدأ التداول السلمي للسلطة.
وبنفس الطريقة فإن دخول القوى السياسية المختلفة في تنافس للوصول إلى منصب رئيس الجمهورية سيقدم البرهان على أن التداول السلمي للسلطة في اليمن ليس مستحيلا طالما أصبح الحاكم مهيئا لترك السلطة عبر الانتخابات لمنافسيه المتطلعين لها.
ومن المؤكد أن الانتخابات القادمة لا يمكن أن تعطي ثمارها كاملة إلا بمنافسة انتخابية جادة تشارك فيها كل قوى المجتمع الوطنية الفعالة.
ولن يتحقق مثل ذلك التنافس إلا بابتعاد جميع القوى عن الشروط المسبقة بضمان الفوز قبل المشاركة.
الأخوة والأخوات:
إن المبادئ والحقوق لا تكتسب إلا من خلال الممارسة وليس من خلال الامتلاك فقط، والتداول السلمي للسلطة لا يعني فقط انتقال السلطة من حزب أو شخص إلى شخص أو حزب آخر بل من تجديد الثقة لمن هو في الحكم طالما وأن ذلك التجديد قد تم في مناخ تتكافأ فيه الفرص.
لا ينقص من معنى التداول السلمي للسلطة شيئا طالما وأن من في الحكم قد قبل بالانتخابات كآلية لانتقال السلطة وتهيئ لقبول نتائجها.
ويمكن القول بأن التداول السلمي للسلطة يبتني على أساس تكافؤ الفرص واحترام القانون وبغض النظر عن النتائج التي تسفر عنها الانتخابات سواء أجددت الثقة لمن يحكم أو منحت الثقة لغيره.
ومن وجهة نظري فإن الانتخابات القادمة سوف تعمق مبادئ أصيلة لمعاني جميلة وراقية تتجاوز الانتخابات كجانب إجرائي لترسخ مفاهيم جديدة في حياة الإنسان اليمني بما في ذلك مبدأ التداول السلمي للسلطة.
الأخوة والأخوات
إن التداول السلمي للسلطة لا يتم إلا بين طرفين أو أكثر، وهذا هو ما ينقص التجربة اليمنية حتى الآن، فلم يكن في التجربة الأولى للانتخابات الرئاسية سوى طرف واحد وبالنسبة للتجربة الثانية المقبلة فلم يبرز حتى الآن أي طرف آخر جاد مع
الاحترام لكل الذين أعلنوا عن ترشيح أنفسهم حتى هذه اللحظة.
وأعتقد أن الكرة هي الآن في ملعب المعارضة لأنه ليس من المعقول ولا من المنطق أن يقوم الحزب الحاكم بلعب دور السلطة والمعارضة في نفس الوقت إلا في حالة عدم وجود معارضة حقيقة أو في حالة وجود اتفاق سري أو علني بين المعارضة والحزب الحاكم تفوض فيه المعارضة للحزب الحاكم القيام بدورها.
وتفويض المعارضة للحزب الحاكم للقيام بدورها أمر مشروع ولا يخل بجوهر العملية التنافسية على السلطة إلا أنه يضعفها.
ومن وجهة نظري فإنه طالما والسلطة قد فتحت الملعب للتنافس السياسي فإن على المعارضة الدخول إلى الملعب وتحمل مسئوليتها التاريخية والوطنية في القيام بالدور الواجب عليها.
ولا تعتبر حجة تسوية المعلب السياسي لأي مشاركة، حجة حقيقية أو عذرا مقبولا إلا لمن يريد الهروب من التزاماته وواجباته. لأن الملعب السياسي ولو صح أنه غير مستوي فإن أقدام جميع اللاعبين سوف تقف على نفس الأرضية داخل الملعب سواء أكان مستويا أو غير مستوي.
فالجميع يقفون على أرضية واحدة ويتساوون في مواجهة صعوبتها أو سهولتها خصوصا وأن الأساسات القانونية التي هي الجزء الهام في البناء الانتخابي أساسات مستوية وصلبة وتجعل الجميع متكافئين سواء ما ورد منها في الدستور المستفتى عليه أو في القوانين المتفق عليها والتي تعتبر من أرقى التشريعات في المنطقة.
وأعتقد بأن تجربتنا من عام 1990 م إلى عام 1997م في التداول الجزئي للسلطة عبر حكومة الائتلاف الأربع تجعلنا مهيئين للتداول السلمي للسلطة بشكل كامل، وفقا لما يقرره شعبنا في الانتخابات القادمة.
وختاما أريد أن أذكر الأستاذ محمد اليدومي بأن السلطة المطلقة ليست وحدها مفسدة مطلقة بل إن المعارضة المطلقة أيضا مفسدة مطلقة. ومن الطبيعي أن تكون المعارضة الرشيدة هي من تملك الحق الكامل عن الحكم الرشيد.
ويصدقني الأستاذ محمد اليدومي والدكتور ياسين سعيد نعمان وكل الإخوان في المعارضة أنه عندما تعلن المعارضة عن مرشح لها جاد تنافس به في الانتخابات الرئاسية القادمة لاسيما التجمع اليمني للإصلاح, فإن وضعها في الشارع سوف يكون أفضل وظروف الحوار مع المؤتمر الشعبي العام وأجواؤها ستكون أصفى لأن المعارضة صاحبة المرشح المنافس سيكون موقفها أقوى وهذا ما نتمناه.
* نائب رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي، وعضو اللجنة العامة ". وقدم الورقة لندوة صحفيات بلاقيود عن التداول السلمي للسلطة