عبد الرحمن الراشد/الشرق الاوسط -
سعدات بين ثلاثة سجون
خطف أحمد سعدات عرى ما هو أسوأ من تعرية رجال الأمن الفلسطيني، فقد كشف عورات الساحة السياسية الفلسطينية؛ الفوضى والتنازع والمعلومات المضللة والمبالغة والمزايدة. عرى الوسط فوضى السلطة التي عجزت حتى الآن عن الاتفاق على قيادة سياسية، فلم تسلم حماس السلطة ولم تشاركها فيها.
لماذا الدهشة من خطف الاسرائيليين أمين عام الجبهة الشعبية، فقد فعلوها في وضح النهار، في عملية مباشرة، بأرتال عسكرية تسير على عجلات، سبقتها انذارات اسرائيلية، وتحذير صريح من الرئيس محمود عباس بعجزه عن ضمان سلامة السجين إن اطلق سراحه، وتبعته تهديدات اسرائيلية بملاحقته. وظهر ان هناك مراسلات من الأميركيين والبريطانيين فيها احتجاجات وتحذيرات بالانسحاب كانت قد بعثت قبل الغارة. بوضوح لم تكن العملية سرية، ولا غارة ليلية، ولا كوماندوز متخفين في ملابس مدنية. كانت كل الأمور تسير باتجاه التدخل الاسرائيلي، إما بقتل السجناء وإما سرقتهم، فلماذا كل هذا الاستغراب والاتهامات في كل اتجاه؟
تصفية حسابات لا علاقة لها بسعدات نفسه الذي ينقل الى سجنه الثالث، حيث حوصر في مكتب عرفات، ثم ألقي به في سجن فلسطيني، وأخيرا خطف الى سجن اسرائيلي. سعدات والمرافقون الخمسة هم أصلا سجناء. تهمة قتل وزير اسرائيلي، عمل لا تخجل منه المقاومة ولا تعتذر عنه عادة، ومستعدة للموت دونه او السجن في سبيله. الوساطات منحتهم سجنا مختلفا لأن قضية قتل الوزير تشابكت مع تهمة السفينة ثم حصار الرئيس الراحل ياسر عرفات. الراحل دفع أغلى ثمن بسببهم، فخسر سلطته وصحته ومن ثم حياته يوم لجأ اليه المطلوبون، بمن فيهم فؤاد الشوبكي المتهم في قضية سفينة الاسلحة. سجن سعدات ليس كارثة، فالسجون الاسرائيلية ألفت على استضافة قيادات فلسطينية عديدة، على رأسها مروان البرغوثي الذي لم يحتج احد على خطفه من بيته وبين أهله، وهو الآن مسجون بتهمة تنطبق على كل قائد فلسطيني، بمن فيهم الرئيس عباس نفسه، بأنه وراء الانتفاضة والكفاح المسلح. اختطاف سعدات كان أهون الشرين، شر القتل.
اما سلطة اسرائيل فقد حلبت الاخطاء الفلسطينية لصالحها، مستفيدة من الفوضى، والمواجهة العسكرية غير المتكافئة، والبكاء الاعلامي، والتهديدات السياسية، فكانت خير دعاية للمرشح أولمرت وحزبه كاديما. كان منظرا مهينا، أراده الاسرائيليون هكذا. هنا نلوم الجانب الفلسطيني الذي لم يعرف كيف يعالج الوضع عندما بلغت القوات الاسرائيلية أبواب السجن في اريحا. لقد وضِعَ منسوبو الأمن في موقف مهزوم مهين بسبب تفوق القوة الاسرائيلية المحتوم. ربما ارادوا الحصار الطويل، لكن لم يتكرر مشهد حصار كنيسة المهد، وجاءت النتيجة كارثية فلم تفد شيئا صور ركل الابواب وزخات الرصاص وصراخ المعلقين ورمي التهم على المراقبين الاربعة عشر. كان يجدر اخذ قرار إما بمواجهة كاملة، وهو عمل انتحاري، وإما التأني واعتماد الوساطات لاحقا لاستعادة المساجين، فكثير من الصفقات أفلحت في حل امور اكثر تعقيدا