المؤتمرنت/عن القدس العربي -
لاول مرة في تاريخها.. بغداد يخافها أهلها
ما لم يكن ممكنا حتي تخيله يصبح واقعا يوميا يعيشه البغداديون اليوم، أزقة مغلقة وشوارع لا تؤدي إلي طريق، صبيان يقضون نهارهم في حاراتهم بحمل الأحجار لقطعها عن بقية الشوارع والأزقة والحارات، طرق ملتوية يخشي تجاوزها أمهر السائقين، وعيون ترقب الرائح والغادي، وخوف يتسلل كل دقيقة، ومع غروب الشمس يكمن في البيوت، لا زوار ولا أحباب يتبادلون الاسمار علي شواطئ دجلة التي لم تكن تعودت ان يغيب عنها مئات الآلاف في مثل هذه الأيام الربيعية.. الجميع يري ان القتل المجاني يرعب حتي أحلامهم فيؤجلونها، ويخلدون الي الوساوس يوميا لا الي النوم العميق، بغداد يخافها أهلها... هذا ابسط ما يمكن ان توصف به حياة البغداديين اليوم، وهم يقضون أيامهم بسماع اطلاقات النار والانفجارات والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة ويخافون الاقتراب منها، بل حتي السؤال عن عدد الذين يقتلون، وليس لهم إلا الترحم علي من مات دون اسم أو هوية وكل ما كان يحمله حلم صغير لا يتجاوز العودة الي أهله سالما بعد يوم من الضنك والتعب والمعاناة. سنة وشيعة تتقاذفهم مدارج المشرحة الكبري في بغداد وهم بالمئات، وليل داج حتي الذين يمرضون لا يتمكنون من الذهاب الي المستشفي بعد الساعة الثامنة مساء فذلك يكلفهم حياتهم، حيث يبدأ منع التجوال الذي بدأ العمل فيه بهذه الطريقة منذ تفجير مرقد الإمامين في سامراء قبل أسابيع، ولا أحد من الناس يطلب حتي ان يرفع حظر التجوال قليلا ليستمر حتي الساعة الثانية عشرة ليلا مثلا، الجميع خائف مرعوب لا يملك الا ان يتمتم بما تجود به شفتاه من تعويذات ودعاء لله ليبعد عنه الموت ساعات او أشبار او أيام.
كثيرة هي الجثث التي يراها الناس في الطرقات ولا يملكون التوقف عندها او مشاهدتها، وربما فيهم من لم يلفظ أنفاسه الأخيرة ولكن الجميع يخاف الاقتراب، علي بعد أمتار وبعد الساعة الثامنة مساء يخاف المرء حتي ان يطرق باب جاره، او يتنسم في باب داره نسمة من نسائم الربيع التي تمر علي بغداد اليوم ولا تحمل معها غير رائحة الموت. بغداد شوارع مغلقة بالأحجار وجذوع النخيل وقطع غيار السيارات القديمة أو المحترقة، وبين زقاق وزقاق تصبح المسافات ابعد من كوكب وكوكب ولا أحد يستطيع ان يمنح الناس طمأنينة ولو لأيام، مسلحون يظهرون فجأة يفتحون النار علي هذا وذاك بطريقة عشوائية يردون قتيلا او اثنين وربما عشرات، ويهربون لزرع الخوف في قلوب الناس، وسيارات تتجول دون لوحات يخافها الناس كخوفهم من أي مجهول يحمل الموت المؤجل.
قذائف الهاون التي تنطلق من حي علي حي آخر دون هدف تسرق أرواحا، ولكن أصواتها ترسل أخبارا مجهولة للسامعين عن أناس قتلوا هناك بعيدا ولا أحد يمتلك ان يقول سوي رحمة الله علي الشهداء.
بغداد تشيع نفسها كل يوم وتبكي أيامها وتنعي الراحلين الي اللحود دون ان يعرف الموت سبب اختطافهم حتي