الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:34 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الثلاثاء, 28-مارس-2006
فؤاد مطر/الشرق الاةسط -
60 سنة من القمم: من قبل تهجير الجامعة
بين ولادة مؤسسة القمة العربية في مزرعة الملك فاروق في «انشاص»، الشبيهة بمزرعة الرئيس جورج بوش الإبن في «كراوفورد»، يومي 28 و29 مايو (ايار) 1946، وبين الدورة الخامسة للقمة العربية الدورية في الخرطوم يومي 28 و29 مارس (آذار) 2006، ستون سنة من عدم الوفاق العربي الذي يهدي الى سواء السبيل.
وطوال هذه السنوات بدت القمم الثلاثون التي عقدها الملوك والرؤساء، وكما لو انها مناسبات يلتقي فيها هؤلاء لتأكيد استحالة الوفاق الذي نشير اليه والالتفاف حول قضية واحدة من شأنها إظهار الصف على درجة من التوحد. وحيث ان هنالك قاعدة وهنالك استثناء، فإن القمتين الوحيدتين اللتين بدا فيهما الاجماع ممكنا كانتا سعوديتي الإيحاء والسعي. الاولى عندما أضاء الملك فيصل بن عبد العزيز، النور الاخضر في القمة الاستثنائية في الخرطوم من 29 اغسطس (آب) الى 1 سبتمبر (ايلول) 1967، من خلال مصالحة تاريخية مع الرئيس جمال عبد الناصر وجاءت الإضاءة في صيغة القرار المالي الأكبر في تاريخ العمل العربي المشترك والذي قضى بتخصيص بضعة ملايين من الجنيهات الاسترلينية تُدفع في شكل اقساط كل ثلاثة اشهر الى كل من مصر وسورية والاردن وإلى حين ازالة آثار العدوان الذي على رغم اتفاقية السلام التي أبرمها الرئيس انور السادات عام 1978 مع مناحيم بيغن برعاية الرئيس جيمي كارتر، فإن هذا العدوان لم يتوقف..

أما القمة الثانية التي بدا فيها الإجماع ممكنا، ومن خلال الإيحاء والسعي السعوديين، فكانت تلك التي استضافها تجييرا الشيخ زايد بن سلطان في بيروت يومي 28 و29 مارس 2002، وأثمرت إجماعاً على أفكار كان الامير عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد زمنذاك، طرحها كرؤية للصراع العربي ـ الاسرائيلي، وغدت في تلك القمة «مبادرة عربية» خيبت الادارة الاميركية الظن العربي بأنها ستدعمها لأنها تذلل الصعاب امام «خارطة الطريق» البوشية لذلك الصراع.

لكن الدعم المطلوب لم يحدث عملا بأسلوب المراوغة الاميركية والتحايل الاسرائيلي.

عدا القمة الاستثنائية في الخرطوم صيف 1967، والقمة الدورية العادية في بيروت ربيع 2002، كانت القمم العربية في معظمها عادية من حيث النتائج، عدا قمة استثنائية في بغداد من 2 الى 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 1978، قضت بإسقاط عضوية مصر في الجامعة العربية ونقل الامانة العامة الى تونس، وكان قرارها هذا الناشئ عن حالة مزاج سياسي يفتقر الى بعض التعقل، وبداية مرحلة تغييب الدولة الاكبر عن القرار السياسي العربي، فضلا عن انه أسس لمشاعر ثأرية مارسها أهل الحكم المصري بعدما استعادت مصر العضوية. ومن هذه الحالات الثأرية تلك القمة الاستثنائية التي دعا الرئيس مبارك الى عقدها في القاهرة يومي 9 و10 اغسطس 1990، واقرت المشاركة مع القوات الاميركية وغيرها من قوات دول اوروبية واسلامية في إخراج القوات العراقية من الكويت بالقوة.

في ضوء ما أوردناه، وبعد استحضار لكل القمم العربية، ما الذي يمكن استنتاجه سوى الدهشة من تثاقل العزيمة. وهذه القمم هي للتذكير: قمة التأسيس في انشاص 1946، ثم قمة مناصرة مصر ضد العدوان الثلاثي وتأييد نضال الشعب الجزائري وقمة انبعاث لقاءات القمة في القاهرة في يناير (كانون الثاني) 1964 بدعوة من عبد الناصر بعد تغييب دام ثماني سنوات، ثم استكمالا في الاسكندرية في سبتمبر من العام نفسه، وبعد ذلك قمة الدار البيضاء في سبتمبر 1965، تلتها «أم القمم» في الخرطوم التي اشرنا اليها، ثم قمة الرباط في ديسمبر (كانون الاول) 1969، وقمة ليست شاملة في القاهرة في سبتمبر 1970 لمعالجة النزاع الاردني ـ الفلسطيني، ثم بعد ثلاث سنوات قمة الجزائر في نوفمبر 1973، وكانت حدثت الحرب التي قادها السادات وحققت فيها القوات المصرية انتصاراً نوعياً على اسرائيل، ثم قمة الرباط في اكتوبر (تشرين الاول) 1974، تلتها قمة استثنائية غير شاملة في الرياض شبيهة بالقمة التي دعا اليها عبد الناصر وكان رحيله في يومها الاخير.

وقبل القمة الاستثنائية في بغداد في نوفمبر 1978 والتي قضت بإسقاط عضوية مصر من الجامعة العربية كانت القاهرة استضافت في اكتوبر 1977 قمة صادقت على قرارات قمة الرياض في شأن وقف إطلاق النار في لبنان وارسال قوة ردع عربية وهي خطوة غير مسبوقة أسست بعد ذلك للخطوة المماثلة لإرسال قوات عربية لتحرير الكويت والتي تم اعتمادها في «قمة الثأر المصري» من العراق الصدَّامي الذي كان وراء اسقاط العضوية في القمة التي استضافتها بغداد في العام التالي (نوفمبر 1978). بعد هذه القمة بدأت مرحلة «الجامعة المغترِبة» او «الجامعة المهجَّرة» التي في ظلها عُقدت في نوفمبر 1979 في المقر الجديد للأمانة العامة (تونس)، التي تولاها الشاذلي القليبي اول امين عام غير مصري مؤسساً بذلك للتوجه المتواصل التطرق اليه بين فترة واخرى والذي يدعو الى ان يكون المقر دائماً (اي في القاهرة) على ان يكون الامين العام بالتداول. وبالقمة المشار اليها بدأت مرحلة القمم التي تَراجَع فيها اهتمام الملوك والرؤساء العرب بالشأن الفلسطيني يتقدم عليه الاهتمام بتداعيات الحرب العراقية ـ الايرانية، ومستلزمات هذا الاهتمام من دعم سياسي ومالي للحرب مع الأخذ في الاعتبار انقسام الصف في هذا الشأن بين مناصرين للعراق الصدَّامي ومؤازرين لإيران الخمينية.. انما مع رجحان كفة الطرف الاول. وهذا الذي نشير اليه بدا واضحا في قمة عمان (نوفمبر 1980) وفي قمة فاس (سبتمبر 1982) التي اضافت الى الهم العراقي ـ الايراني خطوة نوعية ازاء الصراع العربي ـ الاسرائيلي، متمثلا بإقرار قمة فاس المشروع الذي عُرف بـ «مشروع الملك فهد» للسلام العربي ـ الاسرائيلي، وهو المشروع الذي أسس للرؤية التي عبّر عنها الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان ما زال وليا للعهد وغدت على نحو ما أسلفنا «مبادرة عربية». ومن قبل أن يصبح حديث الارهاب طَبَقاً رئيسياً على الموائد العربية والدولية، كانت القمة الاستثنائية التي استضافها الحسن الثاني (ملك استضافة القمم الصعبة الانعقاد) في الدار البيضاء في سبتمبر 1985 تتخذ من جملة التوصيات واحدة تدين الارهاب بكل أشكاله وكأنما كان هنالك في الأفق ما يشير الى ان المنطقة مقبلة على حالات من الارهاب لا مثيل له، نالت المملكة العربية السعودية ومصر ولبنان والاردن القسم الاكبر من أذيته..

هذا عدا الارهاب الشاروني الذي لم يبلغ شراسته إرهاب آخر. واستكمالا لقمة فاس التي أقرت مشروع الملك فهد طالبت القمة الاستثنائية في الجزائر (يونيو/ حزيران 1988) بعقد مؤتمر دولي حول الشرق الاوسط بمشاركة منظمة التحرير الفلسطينية مع التأكيد على حق الفلسطينيين في اقامة دولة، وكأنما هذه القمة كانت حجر الاساس لذلك المؤتمر الذي استضافه الرئيس جورج بوش الأب في مدريد رداً لجمائل المشاركة العربية والاسلامية في حربه لاسترجاع الكويت من العراق، لكن مردود المؤتمر كان دون ما في استطاعة اميركا أن تفعله.. ولا تفعل.

بالقمة الاستثنائية في الدار البيضاء في مايو 1989، تبدأ استعادة مصر من غربتها القسرية الى المشاركة في القمم العربية. وبهذه العودة تدخل القضايا العربية في نفق لا نوافذ تهوية له.

وهذا كان واضحا في تسع قمم، أربع منها استثنائية هي قمة بغداد (مايو 1990)، تلتها بعد ذلك قمة القاهرة (اغسطس 1990) التي انقسم فيها العرب أسوأ انقسام نتيجة مواجهة الاحتلال العراقي للكويت، وهو ما أوضحناه في سطور سابقة، ثم قمة استثنائية لاحقة اخرى وفي القاهرة (يونيو 1996) تلتها قمة استثنائية اخرى في القاهرة (مارس 2000) قررت انشاء صندوق لدعم انتفاضة الاقصى وآخر لحماية الحرم الثالث رداً على استهانة اسرائيل بهذا المسجد المقدس. أما القمم الخمس الباقية فكانت دورية وعادية بعدما تقرَّر اعتماد الترتيب الأبجدي في الانعقاد وفي يومي 28 و29 مارس من كل سنة فكانت الاولى من نصيب الاردن (مارس 2001) تليها الثانية (مارس 2002) من نصيب دولة الامارات لكن الشيخ زايد جيَّرها هدية الى لبنان، فالثالثة في شرم الشيخ (مارس 2003) بعد استحالة عقدها في تونس، لكن إصرار الرئيس زين العابدين بن علي على الانعقاد في بلاده جعل هذه القمة ذات رأسين مصري اولاً ثم تونسي، وجاءت بعد ذلك قمة الجزائر (مارس 2005) تعيد التذكير بقمة بيروت التي انطلقت منها بالإجماع المبادرة العربية فتطالب بتفعيل هذه المبادرة مع اضافة تتعلق بضرورة اصلاح الجامعة العربية.

خلاصة القول، ان مؤسسة القمة خلال ستة عقود كانت في نظر الشعوب دون التطلعات، فلا هي منعت غزوا، ولا هي مارست دورا او ضغطا، ولا هي استرجعت حقا مسلوبا. وما هو أهم من ذلك ان احاديث الشعوب حول القمم تتسم قمة بعد أخرى باللامبالاة. ومن هنا فإما ترميم هذه المؤسسة وإما الأخذ باقتراح الرئيس مبارك الذي رأى، وبينما أهل الحكم السوداني يستعدون لاستضافة حصتهم من الصيغة الدورية للانعقاد، ان القمم الثنائية او الثلاثية التشاورية وبعيداً عن طقوس الإعداد والاستضافة تبقى افضل. وهي افضل بالفعل إذ ما نفع القمة اذا كانت اللهفة الى المشاركة فيها باهتة وكانت التوصيات التي تصدر عنها غير مُلزمة. لعل وعسى ينصرف الملوك والرؤساء بما يؤكد أن مؤسسة القمة على موعد مع مفاجأة الترميم... وإن طال التأجيل لذلك




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر