المؤتمرنت -
قمّة ناجحة
القمة العربية التي اختتمت اعمالها يوم أمس في العاصمة السودانية الخرطوم حققت نجاحاً بماخرجت به من قرارات مرضية الى حد ما خاصة مايتصل منها بتطوير آليات العمل العربي يعود بالذاكرة الى القمة المنعقدة في الخرطوم بعد نكسة حزيران 1967م مع ان الفترة الزمنية بين القمتين تصل الى 39 عاماً شهدت خلالها المنطقة متغيرات وتحولات كمية ونوعية في مسارات الأحداث افرزت أوضاعاً مختلفة في تحدياتها ومخاطرها لاترتبط فقط بانعكاسات نتائجها السلبية على الواقع العربي بل وبالوضع العالمي المختلف كلياً عام 2006م عمّا كان عليه عام 1967م الذي حينها كان يسوده مناخ سياسي أقليمي ودولي مغاير يعبر عن نظام دولي متوازن تقوم منظوماته على الثنائية القطبية بينما النظام الدولي يقوم اليوم على الاحادية القطبية وبالنظر الى صعوبة وتعقيدات الظروف الراهنة التي تمر بها الأمة العربية الناجمة عن احداث عاصفة أدت الى خلخلات محورية في المواقف العربية أوصلت التضامن العربي الى واقع مزرٍ جعلت التشاؤم يبدو منطقياً تجاه نتائج قمة الخرطوم العربية الـ18 الا ان قراراتها حولته الى تفاؤل لم يقلل منه غياب عدد من القادة العرب الذي ربما تتعلق بظروف خاصة بهم مكسبة تلك القرارات القمة نجاحاً لم تتأثر بذلك الغياب المبرر.
إن نجاح قمة الخرطوم الذي تجلى بوضوح في الوقوف الجدي امام قضايا جوهرية تبين الاستشعار العالي للقادة العرب بالمسؤولية تجاه أوضاع أمتهم بتحدياتها الراهنة والمستقبلية وهذا مابدا واضحاً في الوقوف امام الوضع في العراق وفلسطين ودار فور والصومال وقضية مواصلة عملية الاصلاحات للجامعة العربية باتجاهات تمكنها من المتابعة لتطبيق قرارات القمم العربية والإرتقاء بالعمل العربي المشترك الى مستويات الفاعلية المطلوبة لمواجهة استحقاقات تحديات هذه المرحلة الدقيقة والحساسة التي يمر بها العرب دولاً وشعوباً وتوجب عليهم عملاً جماعياً يرتكز على نمط جديد من البنى السياسية والاقتصادية وأشكال مواكبة من الأطر المعززة للسلم والأمن والاستقرار.
وفي هذا السياق يأتي قرار انشاء مجلس الأمن والسلم العربي ليمثل خطوة مهمة على طريق تطوير دور الجامعة العربية واسهامها في حل الخلافات بين الدول العربية او الصراعات داخل الدولة الواحدة، وانشاء مجلس الأمن والسلم العربي يعد استمراراً للاصلاحات في القمم السابقة والمتمثلة في انتظام دورية انعقاد القمم العربية وتداول استضافتها وكذا آليات اتخاذ القرارات التي انتقلت من اشتراطية صدورها بالاجماع الى الاغلبية اضافة الى ما أتخذ في قمة الجزائر من اقرار انشاء برلمان عربي موحد واتخاذ قرار انشاء مجلس الأمن والسلم في قمة الخرطوم.. وكل ذلك يصب في اتجاهات تنسجم مع رؤية اليمن بزعامة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح التي حملتها مبادرته لاصلاح الجامعة العربية وتستجيب لتوافق رؤى عربية اخرى لإصلاحها وبمايلبي مصالح الأمة ويمكن أبناءها من مواجهة الاخطار التي تحيق بهم بصورة فاعلة عبر اشكال جديدة تستوعب معطيات متطلبات التضامن ووحدة الصف المحقق لعمل عربي مشترك فاعل ينطلق صوب آفاق جديدة تجسد طموحات الشعوب العربية في الخلاص من وضعية القنوط والاحباط التي خلقتها حالة التردي والضعف التي ادى اليها انكفاء كل دولة على الداخل وغياب التوازن بين القطري والقومي ليصل العرب الى واقع الحال الذي يعيشون مرارته اليوم وهذا مااستشعره اليمن من وقت مبكر مع بدء المتغيرات والتحولات الدولية مستقرئاًً في الأفق مؤشرات ملامحه في ابعاده المستقبلية رغم التحديات الوطنية السياسية والاقتصادية والأمنية التي كان يواجهها
مدركاً العلاقة الوثيقة بين ماهو وطني وماهو قومي مجسداً ذلك في تحركات ومساع نشطة للحيلولة دون وصول الوضع الى ماهو عليه اليوم في العراق وفلسطين ودول عربية اخرى مقدماً المقترحات والرؤى والمبادرات في كل قمة عربية حتى بدأ العمل العربي ينتقل من مرحلة الاخفاقات الى مسارات النجاحات التي جسدتها نسبياً قمة الخرطوم وعبرت عنها التحركات النشطة لفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله التي اثمرت اقرار قمة الخرطوم للمقترحات اليمنية حول تفعيل مبادرة السلام العربي المقرة في قمة بيروت وإرسال لجنة من 12 دولة وإعادة انتخاب عمرو موسى لفترة جديدة اميناً عاماً للجامعة العربية لتستكمل مسيرة اصلاح بيت العرب وارسال قوات من الدول العربية والافريقية الى دار فور ودعم الشعب الفلسطيني لمواجهة الاجراءات العقابية على خياراته الديمقراطية وكذا دعم الصومال لإعادة بناء مؤسسة دولته بما يحقق الاستقرار في هذا البلد الذي دمرته الحرب ودعوة العرب جميعاً للوقوف الى جانب العراق والحيلولة دون وقوعه في شرك الصراع الطائفي الذي بدأت ملامحه تلوح للأسف في الأفق.
وهذا بدوره اسهم في جعل قمة الخرطوم بما تمخض عنها من نتائج، وماخرجت بها من قرارات واحدة من أهم القمم العربية الناجحة التي ستنعكس باثارها على صعيد العمل العربي المشترك ومستقبله.