د. إلهام مانع -
زواج المرأة على زوجها !
أحلامنا لن تتحقق بالصمت.
صمتنا يخنقها.
ولأن الأمر كذلك، أعود بكم من جديد أعزائي إلى موضوع المرأة.
هذه المرة أوجه حديثي إلى عزيزي القارئ.
نعم.
أنتَ،
إليك أنت َ عزيزي الرجل... المسلم تحديداً.
أنت أحدثك.
تخيل عزيزي أنك تجلس في بيتك بعد يوم عمل طويل.
تجلس راضياً، سعيداً، هانئاً.
تجلس بين أطفالك، وهم يمرحون، يلعبون، ويضحكون.
وأنت تنظر إليهم، نفسك مطمئنة.
العالم كله بين يديك في هذه اللحظة.
ثم تدخل عليك زوجتك.
شريكة عمرك على مدى 15 عاماً، عشتما فيها على الحلوة والُمرة، حتى أنعم الله عليكما بالراحة وإن كانت مغموسة بالجهد.
إذن، دخلت عليك زوجتك، وهي تبتسم نصف ابتسامة، فيها حرج، وفيها تثاقل.
عيناها تتواريان عن عينيك، تنفران منهما ... خجلتان.
تقول لك "علي أن أفاتحك في موضوع ثقيل علي نفسي".
تقول لك ذلك وهي تبتلع ريقها بصعوبة.
وأنتَ مدهوش، لا تدرك ما الأمر.
ثم تقول لك "لقد قررت بعد تفكير طويل أن أتزوجَ عليك".
مذهول أنت الآن لا تنطق.
وتكمل قائلة "لا تخشى شيئاً حبيبي، فحقوقك ستكون مصانة. سأقسم الأسبوع بينكما، ثلاث ليال ونصف يوم مع رجلي الجديد، وثلاث ليال ونصف معك أنت يا أبو الأولاد".
لسانك سُحب منك أيها المسكين، لا تدري ما تقول، أو لعل الكلمات فرت من عقلك، فأصبح عقلاً لا يتكلم، بلا كلمات!
تُردفُ محتدة قليلاً وهي ترى وقع الطعنة التي وجهتها إليك على معالم وجهك "لا تنسى أنك في الفترة الأخيرة أهملت في نفسك كثيراً. ولم تقم بواجباتك الزوجية كما يجب. وأنا بشر، لدي احتياجاتي، يجب أن أشبعها، ولا أرى أفضل من الحلال طريقاً لإشباعها. لكن لا تقلق، فكل مطالبك المادية سأوفيها لك بالتمام".
تقول لك ذلك، ثم تقوم من أمامك سريعاً قبل أن تعود إليك الكلمات.
وذهنك في الواقع محموم.
لا يفكر سوى في كلمة "زوج جديد"، كفردةِ حذاء جديدة.
"رجلٌ أخر"، كعجلة سيارة احتياطية حلت محل العجلة القديمة.
رجل تذهب إليه زوجتك لتقضي معه ثلاث ليال ونصف يوم بأكملها، تدخل إلى فراشه بعد أن تخرج من فراشك، رائحتك لا زالت ملتصقة بجلدها، لكنها على ذلك لا تتواني عن أن تداعبه، تضاحكه، ثم تمارس الحب معه، تماماً كما تمارسه معك.
ثم تأتي إليك وعلى جلدها رائحته.
زوجتك.
امرأتك.
شريكة عمرك.
حبك.
هي مع رجل أخر، يعيشان معاً وأنت مركون في زاوية لكن بصورة شرعية.
زواجهما شرعي.
أنت وهو شرعيان.
هل تبتسم الآن عزيزي القارئ؟
معك حق. فأنا أكاد أبتسم أنا الأخرى.
أي كلام فارغ هذا؟
المرأة لا تتزوج على رجلها.
تفعل ذلك في بعض قبائل الأمازون. لكن هذا شأن أخر.
الرجل هو الذي يفعل ذلك في مجتمعاتنا.
وأدرك أن بعضاً منك يريد أن يلملم تلك الكلمات ثم يرميها في وجهي.
تلك صورة ذهنية لا تصح للرجل.
لم توجد للرجل.
بل وجُدت، وضُعت، وصممت للمرأة.
وأنا أسألك لماذا؟
لماذا يجب على المرأة أن تقبل بهذا الوضع، إذا كنت لا تقبلَ حتى بمجرد تصور الوضع مقلوباً، على رأسك.. إذا سمحت.
لماذا يجب عليها أن تقبل بذلك؟
لماذا يجب عليها أن تقبل لا بامرأة جديدة... لا... بل بثلاثة.
لماذا يجب عليها أن تستنشق روائحهن، في كل مرة تُقدم فيها عليها.
لماذا؟
ثلاثة، ومعهن هي، يصبحن أربعة.
وتطالبها بعد ذلك أن تبتسم لك عندما تُقضي معها حصتها من الليالي.
وتطالبها بعد ذلك أن تقبل بقرارك، حدِ سيفك،
تحني رأسها،
راضية،
تدحرجه أمامك... كي لا تغضب،
كي لا تنقلب عليها... هي وأولادها.
سيقول لي بعضٌ منك، "لا تجادلي فيما أحله الله لي".
"هذا حق لي".
وفي الواقع أعرف أن هذا الحق مذكور في القرآن. لن أقول إنه غير موجود. بل هو موجود.
كما لن أجادل بالقول إن الآية التي تشير إلى إمكانية نكاح ما طاب للرجل من نساء، مثنى وثلاث ورباع، تنبه إلى إنه في حال خوف الرجل من عدم عدالته مع زوجاته، فعليه أن يكتفي بواحدة. هذا الكلام لم يعد مقنعاً لي اليوم، لأنه يريد أن يمسك العصا من الوسط، لا يريد أن يواجه المشكلة. بل يلتف عليها.
"ننصحك بعدم الزواج بأكثر من واحدة، لأنك قد لن تكون عادلاً".
وأنتَ تأخذُ بالنصيحة أو لا تأخذ.
مسألة فيها نظر.
فمن قال إن البشر ملائكة؟
ومنذ متى كانوا يستمعون إلى النصح؟
الرجل مباح له الزواج بأربعة، وهو يريد الأربعة، مادام ميسوراً، وقدراته الجنسية تساعده. والحاج متولي هو القدوة.
لا لن أجادل بهذه الطريقة.
تظل غير مقنعة في الواقع.
بل أشير إلى أن نفس هذه الآية التي تبيحُ وتقيدُ للرجل من الزواج من أربعة، تفتح له أيضاً مجال التسري بالجواري عندما تذكر عبارة "أو ما ملكت أيمانكم"!
الجواري!
التسري بالجواري حقٌ للرجل وفقاً للنص. نفس النص الذي يبيح تعددية الزوجات.
لكنه معطل وفقاً للمنطق، للعقل، والقانون.
اليوم، لا يخطر على بال بشر أن يشير إلى عبارة "ما ملكت أيمانكم" كحق للرجل. هل سمعنا أحد يكمل الآية كلما أسُتدل بها على شرعية الزواج بأربعة؟
سُيزج بالرجل إلى السجن إذا أكتشف أحدٌ أنه يملك جارية ويتسرى بها.
التسري بالجواري أمر يعود إلى الماضي.
كلنا يعرف ذلك.
كان مقبولاً في الماضي.
كلنا يحترم تاريخية هذا الأمر.
لكنه أصبح مرفوضاً قطعاً اليوم.
ومادمنا نحترم تاريخية هذا الجزء من النص، لما لا نحترم تاريخية القسم الأول منه؟
ما دمنا نُحرم الثاني بالقانون، ولا نعتبر ذلك خروجاً على ديننا الحنيف، لما لا نحرم الأول بالقانون، كما تفعل تونس وتركيا، وأظن أن الدولتين مسلمتان.
لماذا لا نفعل ذلك؟
لعل المشرع كان دائماً رجلاً، يراعي مصالحه وشهواته.
ربما.
ولعلنا أعتدنا على هذه الممارسة، نعرف أنها ظالمة، مجحفة بحق المرأة، لكننا نداري عليها،
ولا نطرح عليها علامات التساؤل.
ومنذ متى كنا نطرح علامات التساؤل؟
ألم نعتد على الظلم من حكامنا؟
أو لعلنا لا نتعامل مع الزواج كرابطٍ يجمع بين الرجل والمرأة على الحلوة والمرة، يقوم على المودة والرحمة، في الصحة والمرض، حتى يفرقُ الموت بينهما؟
ألم ينشرح صدرك لهذه العبارة عزيزتي القارئة؟
وأنا كذلك.
لا أريده رباطاً مقدساً.
فالزواج علاقة يمكن حلها.
بل أريده رباطاً نحترمه،
نُجله،
ونتعامل مع طرفيه، الرجل والمرأة، بما يستحقاه من الاحترام.
إذن أعود إليك عزيزي الرجل، المسلم تحديداً.
أسألك وأنت تبتسم،
أن تتخيل،
للحظة،
لثانية،
تتخيل زوجتك في حضن غيرك،
تضاحكه،
تداعبه،
تبتسم في وجهه،
ثم تمارس الحب معه.
ثم قل لي،
لما يجب على امرأتك أن تقبل بهذا الخيال واقعاً عليها؟
*كاتبة يمنيه/ شفاف الشرق