الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 01:01 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الأحد, 14-مايو-2006
عادل سعد -
انتبهوا للفرنسيين
من يتابع المشروع الضخم لتحديث الصناعة في فرنسالا بد أن يصاب بالذهول من الهدف الذي يقوم عليه هذا المشروع والآلية التي سيتم اعتمادها له من خلال استحداث مؤسسة بعنوان (وكالة التجديد الصناعي).

لقد رصد لهذه الوكالة الحكومية (236) مليون يورو كما من المنتظر أن يستعان بـ (360) مليون يورو ليكون إجمالي القيمة المرصودة (596) مليون يورو وستكون انطلاقة المشروع قائمة على عدد من المرتكزات أولها البدء بسته مشاريع ثم استكمالها بتسعة مشاريع أخرى ليكون إجمالي هذه المشاريع (15) مشروعاً.
ويلاحظ في هذا المضمار أن هناك تنافسا في التحمس لهذاالخطة بين الرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس الوزراء دومنيك فيليبان مع الكارتل الفرنسي لأضخم (10) شركات فرنسية كبرى.

كما يلاحظ أيضاً أن (وكالة التجديد الصناعي) التي تم استحداثها مخولة بالاتصال مع أي مؤسسة أو وزارة يتاح لها الاتصال بها والاتصال بأي شخصية مسؤولة في الحكومة ابتداءً من الرئيس شيراك إلى أصغر موظف في الحكومة الفرنسية والاستعانة أيضاً بأية خبرة ميدانية داخل الشركات أو في المؤسسات الأكاديمية التقنية أو أي جهة أخرى.والطريف في الأمر الذي يعبر عن حرص خاص من المؤسسة السياسية الفرنسية على رعاية هذا المشروع ، أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك قال (لا أريد أن ينظر إلى فرنسا على أنها متحف للتاريخ الاقتصادي) الأمر الذي يعني أن الخطوةالفرنسية الجديدة قد انطلقت أصلاً من رؤية تحسبية تقوم على مخاوف جدية أن تتراجع جودة الإنتاج الصناعي الفرنسي أمام نظيره من الإنتاج الصناعي للدول الأخرى.

ومن المهم الانتباه إلى حقيقة أن هذا المشروع الطموح جاء بعد هزتين سياسيتين اقتصاديتين كبيرتين ، الأولى تتعلق بظاهرة الاضطرابات في (مدن الصفيح الفرنسية) التي تؤوي المهاجرين والتي تتناثرفي ضواحي المدن الكبيرة مثل باريسومرسيلياوليون.والهزة الثانية وهي التي ترتبط بالمعارضة الشديدة التي تعرض لها قانون عمل جديد احتضنته حكومة دوفيلبان ، لكنها اضطرت بعد ذلك للتراجع عنه أمام ضغط نقابات العمال واتحادات الطلبة مع العلم أن خطة التحديث الصناعي قد لا توفر فرص عمل جديدة في فرنسا لأن الخطة تقوم أصلاً على استخدام آخر تطورات التقنية إضافة إلى اعتماد هامش الحرص أن يكون التحديث أخضر في إشارة إلى الطاقة البديلة أو الطاقة الخضراء التي لا تسبب التلوث البيئي وكل ذلك لا يستدعي استحداث وظائف جديدة.

وإجمالاً فإن التحسب الفرنسي الذي دفع إلى اعتماد تلك الخطة قدأخذ بعين الاعتبار ضغوط داخلية تتعلق بالمنافسات بين الصناعات الفرنسية ذاتها ، وضغوط على صعيد الاتحاد الأوربي إذ تشعر فرنسا أنه لا يجوز لأية دولة أوربية أن تتميز عليها في امتلاك فرص الجودة بالسلع المنتجة وكذلك على صعيد الأسواق العالمية إذ يدرك الفرنسيون أنهم الآن على طاولة الاهتمام الأميركي ضمن مسعى تتولاه واشنطن عالمياً أن تنتزع الفرصة من البضاعة الفرنسية لصالح البضاعة الأميركية مع العلم أن العديد من الحروب الاقتصادية التي تعرضت لها فرنسا تقف شركات أميركية ويابانية وراءها.

كما أن مشروع التحديث الجديد لا بد أنه انطلق من قراءة فرنسية مستقبلية ذكية للواقع المنتظر في الأسواق العالمية في عالم تتغير فيه المنافسات على مدار الساعة نظراً للتقلبات التي تحصل في مزاج المستهلك.كما أنه ينطلق من اعتبارات التجديد الذي يحكم النظرة الاجتماعية والعاطفية الفرنسية في إطار خشية من شيخوخة اقتصادية ، علماً أن فرنسا لو ظلت على السياقات الحالية التي تتطور تدريجياً ضمن التوجهات الاعتيادية فأنها لن تتعرض إلى مشاكل اقتصادية كبيرة خاصة وأنها تقع بالمنزلة الرابعة من حيث تسلسل الدول الصناعية وأسواق بضائعها تمتد في جميع القارات بدون استثناء إلى الحد الذي دفع أحد المحللين في شؤون
الاقتصاد السياسي إلى القول إن فرنسا (صاحبة أكبر عدد من الجسور) في علاقاتها الدولية سواء كان ذلك من خلال مجسات الاتحاد الأوروبي وهي عديدة أصلاً ابتداءً من مجساته في إطار الشراكة مع دول حوض المتوسط أو مع دول في قارات أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ، أو من خلال مجسات الفرانكفونية ذلك الإطار التنظيمي الذي ما زال يعد فرنسا (الأم الحنون) التي ينبغي الإصغاء لها.

واذا أضفنا إلى ذلك المزاج الفرنسي في الحرص على التميز في صناعة 45 نوعاً من (الاجبان) فأن مشروع التجديد يقوم أصلاً على متطلبات سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية وبذلك فأن فرصة تراجعه تبدو ضئيلة جداً حتى مع الحراك السياسي الذي ما زالت تعيشه فرنسا ، بل أن للفرنسيين أصلاً القدرة على معاقبة الآخرين اقتصادياً بحكم قدرة وإمكانية الفرنسيين علمياً.

وما يهمنا هنا أن فرنسا الدولة المتميزة صناعياً وإحدى مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى تتخوف من حصول ضمور في مستقبلها الصناعي وتسعى إلى التحديث فكيف يمكن أن ينظر إلى ما يحصل في الدول النامية وخاصة الدول العربية.
إن الدرس الفرنسي في مشروع التحديث الصناعي الجديد لا بد أن يدفع الآخرين إلى السؤال وماذا عن صناعاتنا نحن، أنه سؤال يستحق التوقف عنده.

* كاتب عراقي




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر