بقلم محمد سعيد الريحاني - قوة الحلم في القصة المغربية الجديدة -I تمهيد:
فكرة ترجمة نصوص القصة المغربية القصيرة إلى اللغة الانجليزية كانت في البدء نابعة من عدم قبول الشح الواضح في النصوص السردية المغربية المكتوبة أو المترجمة إلى اللغة الانجليزية .و كان هذا الحس بالغيرة ورد الاعتبار هو محرك مبادرة ترجمة نصوص سردية مغربية جديدة للتعريف بها لدى القارئ الآخر. لكن هذا القارئ الآخر ليس قارئا محايدا بل هوقارئ متشبع بثقافة أخرى ترى في الثقافة العربية عموما عيبين كبيرين:
1)-العيب الأول: هو التجزيئية.أي أن الفكر العربي فكر غير نسقي فكر تجزيئي نظرا للمنع التاريخي للفكر المنظم و التفكير الحر (الفلسفة) و هيمنة الرأي الواحد الذي لا يسمح بنسق فكري متكامل و مغاير بجانبه.
2)-العيب الثاني :هو انعدام الحرية. فإذا كانت الطابوهات في الحياة العربية تحدد في ثلاث: الدين و الجنس والسياسة. فسيكون من الأجدى توسيع الدوائر الثلاث اكبر ما يمكن توسيعه لتصبح الطابوهات الثلاث تحمل اسم » الحاءات الثلاث « : حاء الحلم وحاء الحب وحاء الحرية ... وللالتفاف على مصادرة هذه الحاءات اعتبر الحلم تخريفا و الحب ضعفا و الحرية فتنة والفتنة نائمة في الرؤوس ملعون من يوقظها...
ولذلك، فقد ارتأينا أن يكون المشروع القصصي نسقيا متكاملا وحرا من كل الطابوهات العروبية وكان سبيلنا إلى ذلك هو اختيار حاء أولى من ثالوث الحاءات المحرمة، حاء "الحلم"، بحيث تؤدي دور الهادم للثالوث المحرم من زاويته الأولى كما تؤدي دور الجاذب لكل من المشروع الذي أطلق عليه "انطولوجيا الحلم المغربي"على أن تكون الحلقة الثانية " انطولوجيا الحب المغربي"، والحلقة الثالثة والأخيرة "انطولوجيا الحرية"...
II – الحلم في انطولوجيا الحالمين المغاربة:
تتوزع نصوص "انطولوجيا الحلم المغربي " بين الرؤيا التبشيرية و المنام العادي وحلم اليقظة والتعلق بالسراب والكابوس ثم الجنون كحلم لايقبل به المجتمع. وتبعا لذلك تتدرج نصوص الانطولوجيا من الرؤيا في نص " الحلم " لمصطفى الغتيري ،إلى المنام العادي الذي يهيمن على نصوص الانطولوجيا: نص"انا كما تبديت لي" لنجيب الكعواشي ونص "كتب وتفاح" لخديجة اليونسي ونص "عادي" لفاطمة بوزيان ونص " أحلام" لزهرة رميج ونص " الصوت والمطرقة "لسعيد احباط ونص"افتح ، يا سمسم ! " لمحمد سعيد الريحاني ونص "تأويل الأحلام" لنور الدين محقق ونص " الرجل الرمانة "لمنى وفيق. ثم النص المنضوي تحت صنف حلم اليقظة: نص "حلم شهريار" لعبد النور ادريس. ثم نصوص التعلق بالسراب: نص " مساحة للحلم المستحيل " لمليكة مستظرف ونص " قنبلة" لعبد الواحد كفيح. ثم نصوص الكوابيس: نص "حمار الليل" لفوزي بوخريص ونص "أحلام متمردة "لعبد الله المتقي و نص"لكل جحيمه" لمنى بنحدو. وتختم الانطولوجيا الحالمة جولتها بالجنون، ككل تجربة متفردة، في نص "بخور القصر" لمحمد زيتون باعتبار الجنون اعلى درجات الكوابيس فسارد النص يعيش اعلى درجات الكوابيس: الجنون.
- IIIقراءة لنصوص الانطولوجيا:
1. مصطفى لغتيري،"الحلم":
نص يحاول الامساك الصعب بالحلم الهارب بعد اليقظة.يبدا النص من الختام ممسكا بشظايا الحلم العالقة في الذاكرة متوغلا في رحلة صعبة نحو البدايات الممكنة للحلم. وما أن يصل النص إلى قبله النابض " الطائر "، حتى يتطهر من الهزات والتقطعات التي لازمته في البداية فينسال وديعا هادئا انسياب السارد الحالم في النص قرب الطائر المحلق في الأجواء الرحيبة فوق الانهار، موقعا خلاصه وخلاص النص وخلاص القارئ:
» واذا برسالة الحلم اضحت واضحة لا لبس فيها . حينها فقط ، بدا له ان العالم ملك يديه ،وان حدثا مفرحا في طريقه إلى التحقق/وما عليه إلا الانتظار. «
2. نجيب الكعواشي، "أنا عندما تبديت لي":
لعل اكبر مغامرة وأكثرها قيمة هي مغامرة البحث عن الدات الدفينةتحت ضوضاء اليومي وترسانة العادة وسياط الترويض ....
ولذلك فان اكبر اكتشاف يتوصل اليه الانسان ليس هو اكتشاف العالم حواليه بل هو اكتشاف العالم داخله.ونص " انا عندما تبديت لي " حظي بهذا الشرف حيث ظل السارد بعنادة نادرة وفضول حارق يطارد ذلك الوجه الذي يقاوم كل محاولة للاقتراب منه والتفوق عليه حتى نهاية النص حيث يتأكد السارد انه لم يكن يطارد سوى نفسه:
» بدات تنقشع عن الوجه الهالة الضوئية التي تلفه .تلاشت تماما عندما اكمل الاستدارة،فرايتني وسطها .كنت انا ذلك الذي يمر من امامي في غفلة مني ومن الزمن،بلا اثر ولا ظل. «
3. خديجة اليونسي،"كتب وتفاح ":
اذا كانت الكتب هي رمز المعرفة وضامن خلودها فان التفاح ارتبط من خلال القصص الدينية بالخلود بمعناه المطلق ولكن الدلالة لا تكتمل في غياب ادم وحواء...
في هذا النص، " كتب وتفاح " ، مزج رائع بين غذاء الجسد (=التفاح ) وغذاء العقل(=الكتب) وغذاء الروح (=الحب ). وتتفتح هذه التوليفة أكثر داخل ثنائية الواقع القاسي حيث ضيق ذات اليد وحيث لاشيء يمكنه فك طوق هذه الرتابة والحلم المخلص حيث كل شيء قابل للتحقيق: فالرجل الغريب يصبح حبيبا، والكتب التي يصعب شراؤها تتدفق عناوينها كالعطر، والتفاح – فاكهة الجنة وملهم الخلود – يصبح في المتناول...
ولأن الواقع قاس ، فالساردة تتمسك بالحلم ولاتريد أن تستيقظ فتوقف المنبه رغبة في خلود الحلم الجميل وخلودها فيه.
4. فاطمة بوزيان،" عادي"
نص " عادي " هو رحلة من الحلم إلى اليقظة،وربما كان عودة من الوهم الجميل إلى مرارة الواقع الذي قدر له ان يكون مركز الحياة او هادمها حتى أضحى اليأس عاديا و الإحباط عاديا والخذلان عاديا والاهانة عادية....
النص يتمحور حول الحب من النظرة الأولى أو الحلم بفارس الأحلام:
» أحسه يشبه الرجل الذي بدأت أشيده بداخلي قطعة من كل ما أعجبني فيما رأيت بداخلي وما تخيلت من الرجال منذ خالط ذلك السيل الحارق دمي. «
النص يبدأ أولى جمله بعبارة توحي بمرحلة انتقالية جديدة قوامها الانتقال من مرحلة إحباط قوامه " ثقافة السمع" إلى مرحلة مزهرة قادمة قوامها" ثقافة العين ":
»اليوم اسمع بعيني «
لكن مركزية الإحباط ونسقية " العادة " لا تسمح بالحق في التغير والبهجة والازهار والحب وتكشر عن انيابها في اللحظة المناسبة ، جاعلة من صرح الأحلام مجرد شظايا يائسة او أبيات شعرية مفتتة شعر من طينة صالح حربي.
5. زهرة رميج ،"أحلام"
نص " أحلام " هو ائتلاف لأربعة أحلام على مائدة فطور يوم عطلة نهاية الأسبوع بلسان أربعة ساردين حالمين تنكشف عوالمهم وآفاقهم من خلال مادة نصوص أحلامهم:
· الطفل يحلم بعوالم إبداعية اكثر حرية.
· الخادمة تحلم بالخلاص من وطن لم يوفر لها الكرامة.
· الطفلة تحلم بالعودة إلى الرحم حيث دفء الأمومة قرب نبض القلب.
· الأم الساردة تحلم بالعودة للطفولة من جديد،مستعينة بنفس الأحلام التي راودتها في طفولتها: الطيران.
" الحرية "، في براءتها الكاملة، هي المحرك الرئيسي لنصوص الأحلام الفرعية داخل النص- الأم " أحلام":
فالطفل يحلم بهجرة المقررات الدراسية ليطير إلى عوالم الإبداع الحكائي و الشعري الفسيح الرحيب حيث لا سلطة فوق خفق جناح الكلمة الحرة،و الخادمة تحلم بحريتها المصادرة بثقافة » عايشة قنديشة « التي تطاردها حتى شواطئ اسبانيا ، والطفلة تحلم بالحرية الكبرى " حرية اختيار قدرها "، والأم الساردة تحلم بالطيران الذي ما بعده طيران ....
" أحلام " زهرة رميج هي أحلام بالحرية.
6. سعيد احباط ،" الصوت والمطرقة":
عنوان نص "الصوت والمطرقة " يتكون من كلمتين : " الصوت " أو النداء ثم " المطرقة " او الفعل . فالنص إذن " نداء من اجل الفعل".
متلفظ هذا النداء أنثى أسيرة تتألم من وجود الجدار :
"إن حررتني ستحرر نفسك"
و هي المناشدة التي تضمر توقا كونيا للتحرير و التحرر من قيود تعتبر الجدران أولى تجلياتها.
النص، اذن، يتمحور حول تحرير الاخر الذي لن يكون إلا تحررا ذاتيا في جدلية نامية تتسع أكثر فأكثرلتشمل كل الاحرار التواقين لهدم الأسوار و القيود و اعطاء الحياة الحرة مساحة للتنفس من جديد،مساحة للحلم بالحرية من جديد:
"انني اهيب بكم ان تشرعوا في حملتكم :ان تحطموا الجدران،ان تحولوا امدينة الخاطئة الى انفاض و خراب، و فوق تلك الأنقاض سنؤسس نظاما ... "
هنا يلتقي نص "الصوت و المطرقة" بنص آخر في " انطولوجيا الحلم المغربي" و هو نص " افتح يا سمسم".
7. محمد سعيد الريحاني، " افتح يا سمسم":
تقنية تداعي الحر (stream of consciousness ) جعلت من عنوان النص " افتح يا سمسم ! " انفتاحا مستمرا على عوالم مختلفة ومتجددة داخل النص/الحلم، بدء من عوالم التضييق على الحريات والتهديد بالعقاب وانتهاء بعوالم الشعر المحرض والعد العكسي للطوفان الأخير وهو يحتقن ويحتقن مجمعا طاقته الخلاقة لتطهير الكون من جديد وتخصيب الارض من جديد ونفخ الروح في النفوس الحرة الكريمة من جديد ...
ويستيقظ السارد الحالم في عز حلمه على ايقاع الطرق على الباب ليجد حلمه الفردي وقد بدأ يتبناه الآخرون في إشارة واضحة ليصبح حلما جماعيا:
"يطرق ( = ساعي البريد ) الباب من جديد ثم ينطق:
- افتح يا سمسم ! "
ينظر ساعي البريد باتجاهي .ينظر إلى عيني بإلحاح ، ملامحه تقاوم ابتسامة قوية. تغلبه أخيرا، يبتسم. "
8. نور الدين محقق ، " تأويل الأحلام":
حلم نور الدين محقق يتمحور حول "غربة " المبدع في عالم يصعب فيه النشر والاتصال بالقارئ ويستحيل فيه التلقي و القراءة:
" قررت اخيرا ان اجمع هؤلاء الناس الغرباء واحكي لهم هذه القصص. لكن هؤلاء الناس بدوا في لحظة، وكأنهم موتى. فهم لا يتحركون ولا يتكلمون ولا ينظرون ولا يسمعون. "
ولأن للمبدع رسالة، فقد كان لابد لرسالته من مرسل إليه. ولذلك يهاجر السارد الحالم إلى عالم الحيوان بحثا عن متلقين متفاعلين فكانت الأشجار المزهوة بكتابة القصص على اوراقها وكان الثعبان الماكر الذي لا يكل من طلب سماع الحكايا و كانت الطيور القادمة من بعيد لسماع تجاربها مخلدة في إبداع سردي جميل...
لكن وحدها الأنثى تبقى المتلقي الأجدى بالإبداع، تتحرر به من مأزقها وتحرر به المبدع من غربته.
9. منى وفيق ،" الرجل الرمانة":
نص منى وفيق مختلف تماما عن باقي نصوص الأنطولوجيا الحالمة. إنه نص معكوس تماما، فالسارد " يحلم" حين " ينهض" من نومه:
» أفقت من نومي لأحلم واقعا أذهلني « ....
النص يرصد صيرورة الارادة و إرادة الصيرورة عبر الإشارة التقديمية في بداية النص لمنطق التاريخ ثم عبر أداتها الفنية الأنجع: توظيف "التناسخ "، بحيث يصبح النص / الحلم القصصي عود أبدي على بدء. تموت الشخوص المنبوذة المهمشة في تلك الشرفة بين القطط برمانة مطبوعة على عنقها ولكنها تنبثق حية في هذه الشرفة هنا في جسد جديد بذات الرمانة مطبوعة على عنقها في رسالة فنية واضحة: النبذ لا يقتل النبوذين و التهميش لايقتل المهمشين والإقصاء لا يفني الأرواح العاشقة للحياة...
10. عبد النور ادريس، "حلم شهريار ":
نص » حلم شهريار « لعبد النور ادريس هو نص شاعري بامتياز حيث لا جدوى اللغة الدلالية وحيث مركزية الياس تقتضي لغة غامضة غموض القدر الكارثي الذي حل بالشخصية المحورية في النص وهو يهيم في الكون حالما بإنجاب طفل ذكر يخرجه من متاهته، متاهة البطولة الذكورة والفحولة الوهمية. ويحرر الإناث من متاهتهن، متاهة السلبية المطلقة والانتماء ل"العار"...
" ملعون ابو البنات " ....
11. مليكة مستظرفة " مساحة للحلم المستحيل":
حين يصعب الواقع ويقسو ، يلجا الانسان إلى الحلم كملجأ أخير لتحقيق التوازن النفسي و العقلي، لكن أن يصبح الحلم ذاته مستحيلا، فهذا مالا يمكن ادارته إلا بقلم مليكة مستظرف.
نص "مساحة للحلم المستحيل " هونص يعكس اختلال التوازن بين الواقع والمثال ، بين واقع الاذلال حيث البطالة المقنعة والسكن غير اللائق والحرمان الجنسي واستحالة الامل بحياة أفضل في مكان أفضل...
والنتيجة هي "الحلقة المفرغة" التي جسدها النص شكليا أحسن تجسيد بحيث ابتدأ واختتم بنفس الفقرة ليرسم السجن الدائري لشخوص النص:
"خرج من البيت وهو يعلن كل شيء بصوت عال ،ابتداءا من العجوزين اللذين كانا سببا في تواجده في هذا العالم المتعفن وانتهاء باخته التي ... "
12. عبد الواحد كفيح، " قنبلة":
"انتهى كل شيء، اختفت الوجوه التي طالما زوادها حلم تغيير العالم،انتهت مدة الاعتقال.... " بهذه العبارة يبدأ نص " قنبلة " لعبد الواحد كفيح،حاصرا " حلم تغيير العالم " بمدة " الاعتقال " وفضاء الأسر وثقافة السجن حيث الحلم والامل ضروريان للاستمرار على قيد الحياة.
ثنائية الواقع و المثال في النص تعرف انهيارا واصفا للمثال والتطلع والامل لفائدة الواقع منذ البداية حيث اعلن عن نهاية الحلم كي يحتكر الواقع باقي مجريات النص تبدا الان بغربته بين لقطاء في بيته:
»سلم بالامر الواقع مرددا : سيان عندك،أيتها الأرنب،إذا حضرنا ننجب وإذا غبنا ننجب . «
13. فوزي بوخريص، "حمار الليل ":
نص فوزي بوخريص يتمركز حول إحساس داخلي بالقنوط القاتل نتيجة التفاهة القاتلة لما يجري في العالم الخارجي.
و لأن التفاهة مطلقة و الملل عام ،فلم يكن بوسع أي من الشخوص أخد زمام حكي النص. فقد كان لابد من سارد منفصل ليس فقط ليحكي الحكاية بل ليصف لك أفكارك وشعورك وعواطفك بضمير المخاطب العارف بخبايا نفسك مادمت غير قادر حتى على التفكير و الإحساس بفعل تبلد العقل و الحواس بالملل و القنوط...
يستعمل ،إذن،السارد "ضمير المخاطب" ليخاطب شخوصا تبلدت حواسهم بفعل التفاهات المكرورة في حياتهم اليومية حتى استحال عليهم الحلم .فحتى في أحلامهم اليومية ، يقف السارد ليصف شكلا لكابوس عوض سرد أحداته و تطوراته :
» فجأة،شعرت بأن شيئا ضخما ،ثقيلا ،يجثم على صدرك و يشل كيانك ،لم تقو على الإتيان بأي حركة ،اختنقت ،استجمعت كل قواي و هممت بالنهوض و التخلص من الجسم الضخم ، لكن دون جدوى... و استكنت خائر القوى. تنفست بصعوبة و شعرت بأنك تستهلك آخر ذرات الأكسجين العلقة في رئتك «…
14. عبد الله المتقي،" أحلام متمردة ":
السرد بضمير المتكلم يسلب القارئ قدرته على التجرد و النقد بينما استعمال ضمير الغائب يوفر تلك القدرة على أخد المسافات و الحكم موضوعيا على مجريات الأمور. و لأن لكل ضمير (سواء كان ضمير متكلم أو مخاطب أوغائب ) وظيفته الفنية والتواصلية، فان الحلم يتحقق أفضل بضمير المتكلم و هو ما عاكسه عبد الله المتقي في "أحلامه المتمردة " . فقد فضل الحياد على الحميمية، فضل الحكي بضمير عالم بكل شيء (ضمير الغائب ) وأوهم القارئ بأن شخوص الحكي غرباء وان القصة حديث في مكان آخر في زمان آخر ... قبل ان يقلب كل القناعات عند نهاية النص القصصي بجملة واحدة وحيدة: "الكتاكيت مازالت منشغلة باللعب ... الزوجة تنشر الغسيل فقط .. والزوج كان يحنس قصة قصيرة " .
عند النهاية فقط يدرك القارئ ان النص كان يحكى بضمير المتكلم وان سارد النص هو الزوج الذي ضبط اخيرا متلبسا يحنش قصة قصيرة....
15. منى بنحدو، "لكل جحيمه":
نص "لكل جحيمه" لمنى بنحدو يفصح من قراءة العنوان عن عدالة كونية تحرص على إعطاء كل ذي حق حقه من الجحيم.ولأن الجحيم نصيب الجميع فقد كان للحلم قسطه من الجحيم ولليقظة نصيبها منه بحيث يصبح الوجود كابوسا مستمرا....
على هذه الخلفية نسج نص منى بنحدو وهو نص يرتكز على شقين: شق الحلم بصديقة تستعد للانتحار، وشق اليقظة تنتبه فيه الساردة القادمة للتو من كابوسها لتعلم ان الصديقة نفذت فعلتها وانتحرت:
» انتشلتني يدان حنونتان من عالم الدراما،رفعت عيني لأجد أم صديقتي تسالني عن ابنتها،التفت فلم أجدها،سلبتني احداث الفيلم فلم أحس بانسحابها،لا شعوريا،اتجهت عيناي إلى الباب ومن ثم إلى الدرج. تبعتني عيني والدتها. وفي لمح البصر كانت تتسلق سلالم السطح «.
16. محمد زيتون ،"بخور القصر "
نص " بخور القصر " لمحمد زيتون مسك ختام" انطولوجيا الحلم المغربي" .البخور كأداة وصف فني وظفت بروعة لتكُيف الغموض الكبير في النص بحيث يصعب اختراق سحب البخور للولوج إلى الحقيقة التي من أجلها انطلقت القافلة التي جعلت من السارد هدف الرحلة ومركز النص ومع ذلك فهو ذاته لا يعرف لا ما يجري و لا الهدف من الرحلة ولا حتى استطاع اختراق سحب البخور ليتعرف حضوره من غيابه:
" لمن كان الفرح وانا الحاضر – الغائب؟ "
ولقد ضاعف الحذف والشعر... من تكثيف الغموض حول طبيعة الشخصية المحورية ومصيرها،لكن عنوان القافلة:
" بويا عمر " يجزم بجنون السارد ويترقب من هذه الزيارة خلاص السارد من أوهامه وأحلامه وكوابيسه وعودته لثقافة جماعته وأفق انتظارها.
تركيب:
إذا كانت نصوص "أنطولوجيا الحلم المغربي" تختلف من حيث مواقفها من ثنائية الواقع والمثال (the ideal order & the established order)، فإنها بالمقابل تجتمع كليا حول قيمة فنية مركزية: توحد المضمون القصصي بشكله الفني بحيث يصبح الشكل الفني مضمونا قصصيا ويصبح معه المضمون القصصي شكلا فنيا ناطقا. فالتعبير عن المضمون القصصي بالشكل الفني والتعبير عن الشكل الفني بالمضمون القصصي كان السمة الأساسية للحلم القصصي المغربي، إذ لم يكن الحلم يقال حكيا وإنما كان يرسم سردا.
"أنطولوجيا الحلم المغربي" هي أونطولوجيا لتعددية الحلم القصصي المغربي بدء من الرؤيا والمنام ، مرورا بأحلام اليقظة والوهم وانتهاء بالكوابيس والجنون . هذه التعددية النوعية واكبتها تعددية موازية على مستوى تشغيل الأدوات السردية وزوايا النظر الوظيفية انسجاما وموضوع الرسالة القصصية: تبشير، تحريض، اغتراب، يأس، جنون...
فإذا كانت أحلام/نصوص الأنطولوجيا الفردية حملت مشعل التوحد بين الشكل والمضمون ، فإن الأنطولوجيا كنص أكبر وكحلم أكبر من النصوص الفردية المتضمنة حملت ذات الهاجس الجمالي: هاجس توحد السطح الفني الظاهر بالجوهر الفني العميق، هاجس توحد الذات الظاهرة بالذات العميقة، هاجس التوحد سعيا للخلاص الذي يبقى حلم الأحلام. ولذلك، كانت نصوص الكوابيس طويلة طول العذاب والقلق الوجودي بينما كانت نصوص البشرى والرؤيا نصوصا قصيرة قصر اللحظة الجميلة والإشراقة السعيدة.
|