المؤتمرنت / صالح البيضاني - ربيع: استشهدت بنص خال من الشعر فاتهموني بالتكفير شهد ملتقى صنعاء للشعراء الشباب الذي اقيم مؤخراً في صنعاء بمشاركة أكثر من ثلاثمائة شاعر يمني وعربي الكثير من المفارقات والمواقف، ولكن القنبلة التي القاها الناقد والشاعر علي ربيع الخميسي على طاولة شعراء قصيدة النثر تظل الحدث الابرز الذي خلق معركة تفاعلت أحداثها وانتشرت شظاياها لتطال المواقع الالكترونية والصحافة الثقافية في اليمن والوطن العربي..
عن حقيقة موقفه من شعراء قصيدة النثر التي لا يعترف بها أصلاً وعن المنطلقات التي انطلق منها.. وعن خفايا الصراع الذي تلى ورقته النقدية المثيرة للجدل حول قصيدة النثر.. كان هذا الحوار الذي تحدث من خلاله للمرة الأولى علي ربيع الخميسي عن تداعيات ملتقى صنعاء للشعراء العرب الشباب..
حاوره/ صالح البيضاني
* فجرت (قنبلة نووية) كما وصفها البعض في ملتقى صنعاء للشعراء العرب.. هل كنت تتعمد ذلك ام انك وجدتها فرصة سانحة للادلاء بقناعات قديمة تجاه قصيدة النثر؟.
-كلٌ فسر الأمر على طريقته، وما قلته لا يعدو أن يكون رأياً اقتنعت به بعد تأمل، وجهرت به بصراحة واضحة، وأنا لم اتقصّد كتاب قصيدة النثر عنوة ولكنني تطرقت إلى كتاب قصيدة العمود وكتاب قصيدة التفعيلة أيضاً، لكن "الحساسية الجديدة" لدى اصحاب النثر جعلت صدورهم اضيق من خرم إبرة تجاه الرأي، مع انهم يدعون التقدمية والحرية الواسعة الابواب.
وإن شئت الحقيقة، أنا لا أعتبر ما يسمونه بقصيدة النثر شعراً ولا قصيدة، وقناعتي ان الجميل من هذا النوع من الكتابة هو نثر فيه شعرية، على غرار انماط النثر الفني الآخر، وهذا ليس عيباً، فهناك من النثر ما هو اجمل من الشعر، وانا لا احجر على هؤلاء الكتاب لكي لا يكتبوا لكني أدون عليهم عدة أمور من بينها ان كثيرين منهم عاجزون معرفياً وفنياً، ويتطفلون على هذا النوع من الكتابة ليصبحوا شعراء، ليس هذا وحسب، بل وينفون الشعر عن غيرهم ممن يكتبون عموداً أو تفعيلة، ويتهمونه بالرجعية والتخلف، ومن الكلام المكرر الذي ردده قبلهم عصابة مجلة "شعرا" اضف إلى ذلك ان من بينهم من لا يحسن اللغة ولا النحو ولا قواعد الكتابة ولا صياغة الجملة العربية، لانهم متأثرون بالترجمات من لغات اخرى إلى العربية، ثم انهم يبحثون عن وهم الحداثة في غير مكانه، منفصلين عن سياقهم الثقافي والاجتماعي والتاريخي، فهم منبتوا الجذور على كافة الاصعدة، وهم كذلك يجهلون ان هذه الكتابة النثرية ظهرت في الغرب من اصول فلسفية وفكرية من اهمها: العدمية، العبثية، تحطيم المقدس، وتفتيت المركز، والمروق عن الثوابت الفنية والعقائدية والعرفية، وإذا كانوا يعطون لانفسهم الحق في تبني افكار جاك دريدا، ورواد الفلسفة العدمية، فلماذا يحجرون علينا ان نبني افكار بعض رواد النقد والفكر في الغرب من أمثال جان كوهين، ام ان دريدا مثلاً تقدمي اوروبي وأوهين متخلف اوروبي.
* يقولون انهم يكتبون بطريقة مغايرة، ذات شعرية جديدة.. ما رأيك أنت؟
-يا عزيزي لا مغايرة ولا شعرية، هذا وهم كبير يعيشون فيه ويجمله لهم عدد من ادعياء النقد على انه اكتشاف عظيم وعبقرية فذة وهو في الحقيقة ضحك على الذقون وعلى الذوق الأدبي.
* هل انت ضد الابتكار والتجديد إذاً؟
-لا هذا كلام غير صحيح، هناك فرق بين التجديد والهدم.. بين الالغاء والاضافة، هؤلاء النثريون هدموا مقومات الشعرية في الشعر العربي ولم يضيفوا إليها، والمفترض الاضافة وليس العكس، فالتجديد كان سمة لازمة للشعر العربي على مدار العصور، من خلال التركيز اكثر على واحد من مقومات الشعرية في كل عصر بعينه، ومن ثم فالتجديد لا بد ان يكون منبثقاً من عمق الثقافة العربية، وإذا عجزت عن التجديد بهذا الشرط فهذا عيب فيك أنت وليس في الثقافة العربية، ألم يكن ابو تمام مجدداً.. ألم يكن ابو نواس مجدداً.. ألم يكن البردوني مجدداً.. ألم يكن المقالح مجدداً، ثم اني اسألك ما الذي جاء به كتاب النثر ولم يأت به من قبلهم؟ الاحتفاء بالهامشي واليومي موجود عند شعراء كتبوا العمود والتفعيلة، المفارقة الشعرية موجودة منذ العصر الجاهلي، مروراً بعصور الشعر الاخرى، وخذ المتنبي مثلاً، بل انها وجدت حتى في النثر العربي، واساليب التكرار والتعديد موجودة في العمود والتفعيلة، حتى المضامين التي يتطرقون إليها بكثرة مثل التصادم مع المقدس الديني أو الاجتماعي، أو الاخلاقي غير جديدة، ولهم ان يقرأوا ابن سكرة وابي نواس مثلاً، كل ما يمكن ان قوله من تجديد في نثرهم احتمله الشعر العربي قديمه وحديثه، انظر إلى المجددين بحق أمثال المتنبي قديما والبردوني حديثا.. وهذا الأخير يكفي فقط للتدليل على ان كل اساليب الحداثة الفنية التعبيرية والتخيلية موجودة في شعره.. ماذا بقي إذن لديهم سوى كثير من الادعاء والوهم والفراغ.
* هل تعتقد ان ردود الفعل كانت مناسبة وفي محلها ام انها انفعالات لا تصب في خانة النقد؟.
-كما يقال الغريق يتشبث بقشة، ولأن كلمة الصدق احياناً تذبح وتجرح فمن الطبيعي ان تحدث ردود افعال، لكن اسوأ ما في الامر ان تأخذ ردة الفعل منحى يجافي الحقيقة، فمثلاً قالوا انني كفّرت واحدا من كتاب النثر لأنني استشهدت له بنص كان - من وجهة نظري - خالياً من مقومات الشعرية، كما افهمها، وتهكمت على هذا النوع وسخرت منه، لأنه كلام عادي نثري تقريري وليس لأنه يحمل معنى يصطدم بالعرف الاجتماعي والاخلاقي لأن هذه المسألة حسمت لصالح الابداع منذ ما يزيد عن الف سنة عند النقاد القدامى، وكما علمت فقد عكس بعضهم الحقيقة عبر وسائل النشر الالكترونية والورقية محليا وعربيا وزعموا انني كفرت صاحب النص، وجعلوا منه ضحية انا جلادها الجديد، وان فكرنا سلفي ورجعي.. تخيل أنني كنت استشهدت بأكثر من عشرين نموذجاً لهذه الرداءة الادبية كانت معي لم يتح لي ان اذكرها.. ماذا سيقولون إذن؟.. أما النقاد الذين ظنوا انني اقصدهم حينما ذكرت النفاق النقدي والمجاملاتي والتكسبي والادعاء النقدي ايضاً ومحاولة الظهور التي اتاحت للرداءة الادبية ان تنمو وتصبح اعشابا ضارة وسامة فلا تعليق لي عليهم مع اني أحلم ايضاً ان تصحوا الضمائر الساكتة عن هذا الغثاء لتقول كلمتها وتقول للمحسن أحسنت ولغيره ما يستحق وحسب.
* الشعراء الذين استضافهم ملتقى صنعاء.. هل يمثلون برأيك الجيل الجديد من الشعراء في الوطن العربي؟.
-الشعراء الحاضرون كانوا مدعين عن طريق شخص واحد في اللجنة التحضيرية وهم اصدقاؤه عبر الانترنت، وبالتالي فهم يمثلون الشعراء الشباب العرب من وجهة نظره هو، وليس من وجهة نظر الحقيقة.. وهذه النقطة - تحديداً - كانت مثار نقد وسخط الكثيرين حتى من العرب انفسهم، وكان المفترض ان تبعث دعوات إلى جهات رسمية مختصة أو إلى نقاد معروفين في كل بلد لترشيح الشعراء الشباب العرب الذين يمثلون المشهد الشعري في بلدانهم، ومن ثم الاختيار من بينهم درءاً للمجاملات والمحسوبية عند الترشيح.. فقلة قليلة ممن شاركوا من العرب كانوا عند المستوى المطلوب، والباقي كما سمعنا لهم في الملتقى، لا تتجاوز شعريتهم حدود العورة وغرف النوم، أو الخاطرة الادبية أو التهويم السردي غير الواعي.
* هل ستواصل معركتك التي بدأتها في ملتقى صنعاء، ام تعتبر انك قد قلت كل ما لديك؟.
- لسنا في حرب مع أحد، وآراؤنا ربما تكون غير صحيحة، لكنها تظل آراءنا التي نرى انها هي الاقرب إلى ما نؤمن به وسنظل نعبر عنها كل وقت وحين ولا مانع من ان تتغير هذه القناعات في الرأي، لكن في الوقت الراهن هذا رأيي، قد لا يقبله أحد لكني على استعداد لشرح الاسس التي انطلقت منها في اطار الحقل المعرفي النقدي المتعلق بالفنون الادبية، وما قتله في ملتقى صنعاء كان للنتيجة التي توصلت إليها فقط لأن المقام لم يكن يسمح لسرد المقدمات التي انطلقت منها وبالتأكيد فلدينا الكثير مما لم نقله لكن سنقوله في حينه.
* يقال أن بعض الشعراء الشباب حاول تحويل الملتقى إلى منبر سياسي .. هل تتفق مع ذلك ؟.
-هؤلاء يبحثون عن الشهرة والاضواء من المكان الخطأ، والشعر لم يكن ولن يكون بياناً سياسياً، وانتهاكاً لقيم المجتمع ومعتقداته، الشعر رؤية وتشكيل لغوي، يقول ولا يقول يلمح ولا يصرح، والشاعر لن يغير العالم بشعره، لكنه يشكل عالمه الشعري من خلال اللغة الشعرية التي هي لغة عليا على رأي جان كوهين.
ومع ذلك علينا ألا نلتفت إلى مثل هؤلاء الذين ذكرتهم لكي لا نعطيهم أهمية، هم - أساساً -يبحثون عنها، وأولاً واخيراً نحن في وطن يخوض غمار الديمقراطية ويكفل حق الرأي والقول بدليل ان احداً لم يلتفت إلى هؤلاء، وكأنهم لم يقولوا شيئاً، وهذه هي روح الديمقراطية والايمان بحق الرأي، وان كانت هناك اساءة في هذا الرأي أو القول أو ذاك للدين أو للوطن كما ترى فأرى ان الدين أو الوطن أكبر من أن يساء اليهما بمثل هذه الفقاقيع.
|