د. ابراهيم الخضير - صحيفة الرياض - قلع الأسنان يترك فراغاً نفسياً!! خلق الأسنان، أو قلع الأسنان، أي إزالة السن، كان سابقاً الحل السهل والأمثل لأي مرض أو ضرر يصيب السن، كان في الماضي أكثر الاشخاص ما أن يبلغوا سن الخمسين أوربما قبل ذلك إلا وتكون كثيراً من أسنانهم قد ذهبت، وكان من المناظر المألوفة أن ترى المتقدمين في العمر، وقد خسروا جميع أسنانهم، ويعتمدون على الأسنان الاصطناعية، رغم صعوبة هذا الأمر.
الان تطور الأمر في طب الأسنان، وأصبحت هناك طرق عديدة وحديثة لتعويض الأسنان المفقودة، من زراعة أسنان وأساليب أخرى لتعويض الأسنان المفقودة.
رغم كل هذا التقدم، لكن مازال السن الطبيعي والمحافظة عليه من أهم الأمور، وأفضل شيء لأسنان جيدة تقوم بكافة الوظائف التي خلقها الله سبحانه وتعالى. فمهما حصل تطور في تعويض الأسنان يظل السن الطبيعي هوالمطلب الرئيس والأساسي، وهذا يكمن في المحافظة على الأسنان، عن طريق الوقاية من المواد الضارة التي تفتك بالأسنان.
يجب على الأهل منذ الصغر تعليم الأطفال أهمية المحافظة على الأسنان، وتجنب المواد الغذائية والعادات الغذائية السيئة التي تسبب تسوس الأسنان وبالتالي تكون البداية منذ الصغر في كيفية المحافظة على الأسنان الطبيعية، وتعريفهم مدى أهمية الأسنان الطبيعية، كي يترعرعوا وهم على دراية بأهمية هذا السن الذي يعتقد البعض بأن هناك بديلاً، لذلك لا يهتمون كثيراً بهذا السن، والذي يعتقد البعض بأن أسوأ ما في خلع السن، هو آلالم الخلع المصاحبة لخلع أي سن كان خاصة الضروس، ولاشك أن المثل الشعبي الشهير: (لاوجع إلا وجع الضرس ولا هم إلا هم العرس...!) وهذه يبين مدى الانتشار الخاطئ بين العامة لوجع الضرس الذي يعتقدون بأن بخلعه ينتهي وجع الضرس ويتم التخلص منه، ويتم تركيب بديلاً له.. وبهذا ينتهي الأمر..!!
لم يكن أحد يلقي بالا إلى أي مشاكل نفسية إلى خلع الشخص سنه..! فالمشاكل النفسية تعتبر ترفاً لا يحق للشخص أن يشكو منها..! وإلا لانهم مثل هؤلاء الأشخاص بأنهم ضعفاء وليسوا أشخاصاً أقوياء..!
في الفترة الأخيرة بدأت دراسات عن الأشخاص الذين يفقدون أسنانهم، وكانت النتيجة تستحق التوقف أمامها.
فقد أشارت أبحاث حديثه إلى أن معظم الأشخاص الذين يضطرون لخلع أسنانهم أو بعض من هذه الأسنان، فإنهم يجدون صعوبة في التكيف للعيش بدون هذه الأسنان لفترة طويلة، بينما لا يتمكن ثلث هؤلاء من التكيف على الإطلاق.
واستناداً إلى البحث، الذي نشرته مجلة طب الأسنان البريطانية، فإن الكثيرين من هؤلاء الأشخاص يفقدون الثقة بالنفس ولا يتمكنون من أداء نشاطاتهم اليومية بشكل صحيح، هل كان أحد يتوقع مثل هذه النتائج لفريق بحث علمي جاد، ومنشور في واحدة من أهم المجلات الطبية المتخصصة في طب الأسنان، فقد كان الناس يعتقدون بأن لا يوجد أي علاقة نفسية بين خلع الأسنان والحالة النفسية للشخص الذي يخلع ضرسه أو سنه، ولا يعتقد أحد سوى بالألم الذي يصاحب خلع السن أو الضرس، أما أن ينتبه الأشخاص الذين يهتمون بالصحة إلى الحالة النفسية للشخص الذي يفقد سنه فهذا ما لم يخطر على بال أحداِ من العاملين في حقل المجال الصحي..!
إن فقدان أي جزء من الجسد البشري يسبب بعض الحالة السلبية لدى من يفقد هذا الجزء، لكن ربما يعتقد بعض العاملين في حقل الرعاية الصحية، بأن السن شيء غير ذي بال «من سقط المتاع..!»، أي أنه لا ضرر من فقده فهو ليس كفقد عضو مهم كالعين أوالأطراف أو الكلى أو أي عضو اخر من أعضاء الجسم. الكثيرون ينظرون إلى أن السن قطعة عظم لا شأن لها ولاحول، وأقصى من يمكن فعله هو خلعه ورميه في سلة النفايات.. أما العلاقة النفسية، والتي كما أشرنا فهي بعيدة كل البعد عن الجهات المختصة برعاية وعناية المريض، والتي يجب أن يكون مهمة هذه الجهات الصحية خدمة المريض من جميع النواحي البدنية النفسية والاجتماعية.
كذلك يجد هؤلاء الأفراد صعوبة في تقبل التغيرات التي تطرأ على ملامح وجوههم اثر قلع الأسنان، خاصة النساء. وهذا مرتبط بمكان السن ومدى تأثيره على شكل الإنسان، فإذا كان خلع السن من مقدمة الفم، فإن تأثير هذا الأمر السلبي على الشخص يكون اكثر من لو كان ضرساً داخلياً. والآن اصبح هناك اهتمام شديد بالأسنان وتجميلها بشكل قد يكون مبالغاً فيه، سواء كان من الرجال والنساء، وإن كان النساء اكثر اهتماما بهذا الأمر، وهذا امر طبيعي مفهوم بالنسبة لطبيعة المرأة، وسيكولوجية الجمال لدى المرأة التي تحاول ان تكون اجمل بكل وسيلة ممكنة.
المرأة قد تصاب بالاكتئاب اذا حدث خلع ادى الى تشوه في شكل اسنانها. وهناك فتيات يعتزلن المجتمع والاختلاط اذا حدث امر قاد الى تشوه اسنانهن، وهذا الأمر قد يعيق الفتاة من امور مهمة جداً، اذ احياناً قد تترك الفتاة الدراسة، حتى ولو كانت متفوقة، وكانت في مراحل متقدمة من الدراسة، مثل المدارس الثانوية او حتى الجامعات.
ان تأثير خلع الأسنان ليس سهلاً، كما قد يتخيل بعض البسطاء، خاصة في وقتنا الحالي، الذي اصبح الجمال فيه صناعة رائحة، وأصبحت عمليات التجميل تجرى في كل مكان، حتى ان بعض الأثرياء يضعون ميزانية خاصة، لكل ستة اشهر مثلاً لإجراء بعض عمليات التجميل، وكذلك ميزانية مماثلة لعمليات تجميل الأسنان..! وقد قرأنا في الصحف كيف ان زوجة احد المغنين الأثرياء في الولايات المتحدة الأمريكية، التي طالبت زوجها بعد الطلاق بمبلغ يصل الى ثلاثمائة الف دولار شهرياً، كان ضمن هذه النفقات اجور الحلاقين (الكوافير) وكذلك عمليات تجميل، وزيارات لطبيب الأسنان بصورة دورية لتجميل الأسنان وتبيضها وجعلها دائماً بصورة جميلة، كأنما هي لصبية في سن المراهقة.
هذا التغيير الاجتماعي والذي طال معظم المجتمعات الغربية، خاصة المجتمعات المخملية حتى في الدول العربية.. فأصبح الرجال والنساء اليوم يعتنون بأسنانهم ويدفعون مبالغ طائلة في سبيل الحصول على اسنان جميلة، جذابة.
العامل النفسي لم يتطرق له الا في الآونة الأخيرة، عندما بدأ الأطباء المتخصصون في الطب النفسي وطب الأسنان، يلاحظون حدوث بعض الاضطرابات النفسية لدى الأشخاص الذين يفقدون بعض اسنانهم. هذا الأمر قاد الى القيام بدراسات للتأكد من صحة هذه الملاحظات التي شاهدها اطباء الأسنان في عياداتهم، وكذلك اطباء الرعاية الصحية الأولية وأطباء الأسرة والمجتمع، وهم اكثر الأطباء قرباً من المريض، وأكثرهم معرفة بأحوال المريض من جميع النواحي الطبية، الاجتماعية، النفسية، حيث يلعب طبيب الأسرة في الدول الغربية دوراً هاماً في حياة المجتمع، وتربطه علاقة وطيدة بمرضاه، لا تقتصر فقط على الجوانب الطبية، وانما تتعدى الى كافة جوانب حياة المريض اجتماعياً، نفسياً وأيضاً عاطفياً، حيث مثلاً في بريطانيا، يقوم طبيب الأسرة بدور فاعل داخل المجتمع، ويتمتع بثقة غير محدودة، وقد حصل الأطباء على المركز الأول في ثقة الناس في بريطانيا، بينما حصل السياسيون على اقل المراتب من حيث ثقة افراد المجتمع بهم..!.
اعتمد البحث على عينة من الذين قاموا بقلع بعض اسنانهم تتكون من اربعة وتسعين شخصاً. وقام هؤلاء بالإجابة على أسئلة طرحت في استبيان بعد تلقيهم للعلاج في عيادات الأسنان في ثلاثة مستشفيات في لندن. هذه المستشفيات الثلاث هي جايز، سان توماس وكينجز.
وقد شعر ثلاثة ارباع الأشخاص الذين لم يكونوا مستعدين لفقدان احد اسنانهم بالحاجة الى توضيح من طبيب الأسنان كي يساعدهم على التغلب على التأثيرات المحتملة لفقدان السن.
ويقول الباحثون ان شعور خمسة وأربعين في المائة ممن خلعوا اسنانهم بأنهم لم يكونوا مستعدين للتغيير الجديد، ولتأثير فقدان السن على حياتهم، يعني بوضوح ان الناس بشكل عام تعتقدون ان اطباء الأسنان لا يقومون بأداء واجباتهم على اكمل وجه لتوضيح اثار فقدان الأسنان.
الشعور بالقلق:
يعترف الباحثون ان اطباء الأسنان ربما يقدمون بعض النصائح لمرضاهم، لكن المرضى يشعرون بالقلق الشديد مما يجعلهم غير قادرين على تطبيق هذه النصائح.
ويقترح الباحثون ان افضل استراتيجية هي تقديم المعلومات حول فقدان الأسنان في موعد مع الطبيب يسبق موعد قلع السن.
ويبررون ذلك بالقول ان اعطاء المزيد من الوقت لاستيعاب المعلومات والتأمل في نتائج فقدان السن سوف يساعد المرضى على الاستعداد نفسياً للعملية، بالإضافة الى ان ذلك يعتبر طريقة جيدة للحصول على موافقة المرضى على خلع أسنانهم عن دراية كاملة بالنتائج.
يقول الدكتور نيكلوس موهندرا، وهو طبيب اسنان متخصص في التجميل وإعادة ملامح الوجه الى طبيعتها بعد تركيب طقم أسنان، ان وضع طقم الأسنان يجعل الشخص يبدو مسناً لأنه يقلص من الفجوة بين الأنف والذقن، مما يبالغ في نحافة الشفاه وتجعد البشرة، وهذه كلها ترافق عملية التقدم في السن.
ويضيف الدكتور موهيندرا ان التأثيرات النفسية لقلع الأسنان على عدد كبير من مرضاه كانت هائلة الى درجة انهم عندما استعادوا ملامح وجوههم بعد عمليات اجريت لهم، غيروا من كل تصرفاتهم، ان عملية التجميل اعطتهم حياة جديدة
|