عبد الله الحضرمي - ثورات شعبية!!
حالة الشد العصبي، التي تطبع لغة بعض السياسيين هذه الأيام، تجعل الحاجة ملحة إلى استحداث مصحة نفسية في كل حزب، مهمتها قياس درجة العقلانية لدى قيادات الأحزاب، قبل خروجها للتحدث إلى الإعلام.
وهذا ليس تهكماً، فمن شأن الخدمات الصحية المقترحة أن تضمن خطاباً حزبياً يحاور العقل، ويحاجج الفكرة، بدلاً من مناجاة العواطف بلغة متشنجة ومشحونة.
إن المجادلة على أساس الحجة يعكس وعياً راقياً لفهم الديمقراطية، والعمل السياسي؛ بينما الانفعال لا يعد سوى المؤشر على الانهيار نحو الفشل، وهو الأمر الذي يحاول بعض قياديي أحزاب المشترك إثبات أنهم وصلوا إليه.
فقد احتفت صحف اللقاء بتصريحات منسوبة للشيخ حميد الأحمر -القيادي في حزب الإصلاح- والتي يعلن فيها استعداده وجاهزيته لتفجير ثورة شعبية، فيما نقرأ تصريحات لقيادات أخرى فحواها أن النظام السياسي يتآكل، ويأتي آخر بمفردات أكثر شطحاً ليقول بأن النظام قد فقد شرعيته!!.
ألستم معي في أن أصحاب هذه الفرقعات، هم أحوج ما يكونون إلى الرعاية النفسية؟
لنرى.. فإن يتآكل النظام السياسي، أو يفقد شرعيته، فذلك يعني أن الأحزاب التي يتحدثون باسمها تفقد شرعيتها المستمدة –أصلاً-من النظام السياسي للبلد، غير أن الانفعال والرغبة في إطلاق تصريحات تصلح لأن تكون عناوين في الصحف، هو ما جعل السياسيين يفضلون تقمص الفتوات، أما التهديد بثورة شعبية، فذلك هو الجنون بعينه، بصرف النظر عن القدرة على التنفيذ.
ولا زلت أؤكد على العقل؛ فلو أن الذين بيوتهم مبنية من زجاج، وملكوا عقولهم في لحظة ما، لعرفوا أن الأحجار ستتساقط على رؤوسهم قبل أي شيء آخر.
والأهم هو أن قادة الثورات يأتون من الشارع ومن معاناته وطموحاته، وحين لا تتوافر هذه الشروط سيكون جنوناً التلويح بورقة، من شأنها حرق المراهنين عليها؛ حيث سيتجه الغضب الشعبي المتنامي ضد هؤلاء؛ ولا شك أنهم يعرفون السبب جيداً.
الجنون الجماعي حمل قيادي إصلاحي آخر إلى الفرقعة نفسها، وذلك في تصريحات أطلقها محمد قحطان، محذراً من اضطرار حزبه إلى إخراج (شمشون).
وتبدو المشكلة معقدة حين يقف المرء أمام أحزاب بلا ذاكرة؛ فإذا نسي قحطان والأحمر الكثير من وقائع الانتهاك التي طالت وتطال العديد من المواطنين كارصدة لبعض قيادات حزبهم، فإنه لا يزال بالإمكان تذكر رغبة عشرات الآلاف من المواطنين في انتزاع حقوقهم التي ابتلعها فساد الشركات الوهمية الخارجة من عباءة الإصلاح، مدججة بخطاب ديني.
حلي النساء ومدَّخرات المزارعين الذين أصبحوا بين ليلة وضحاها فقراء مُعدمين، يكشف كيف يستطيع حزب ديني أن يمارس الفساد المالي من دون أن يكون في السلطة، وحين وصل إلى الحكم وشارك فيه لفترة وجيزة، مارس الفساد بنهَمِ الجائع الشره، وبعد خروجه مهزوماً في انتخابات ديمقراطية، عاد، ونثر أوراقه القديمة، ونفذ صفقة فساد غير مسبوقة، تمثلت بملف التعويض الخاص بالشركات الوهمية، ليلج إلى جيوب قلة قليلة، مبلغ يقترب من الملياري ريال، صُرف من الخزينة العامة لتعويض المواطنين الذين هم –في الأصل- ضحايا شركات الإصلاح.
بالتأكيد لن يخرج الناس إلى الشوارع للتصفيق لهؤلاء، ولكنهم سيعرفون الطريق إلى الأماكن التي استقرت فيها حقوقهم.
|