د. حسن مدن - الدرس الليبي لأننا لا نريد لليبيا، حالها حال أي بلد عربي آخر، أن تكون عرضة لأذى، فإننا سنقرأ قرار الرئيس الأمريكي جورج بوش بحذف اسم ليبيا من "قائمة البلدان المؤيدة للإرهاب" على أنه إشارة إلى أن ليبيا، على الأقل في الوقت الراهن، لم تعد في دائرة الاستهداف الأمريكي، كما هو الشأن مع سوريا مثلاً، وأن إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين منذ عقود تشير إلى أن واشنطن قد باتت راضية عن أداء ليبيا، بعد صيغة التفاهم التي جرى التوصل إليها في وقت سابق، حين كشفت طرابلس الغرب عن برامج التسلح التي تتبناها، وأبدت استعدادها للتخلص من نتائج جهد
الأبحاث النووية الذي كانت تتبناه. المحللون قرأوا القرار الليبي، الذي بدا للعيان طواعياً، أنه استخلاص مبكر من قبل العقيد معمر القذافي لدروس الغزو الأمريكي للعراق ونتائجه، ورغبة في تفادي مجابهة خاسرة مع الولايات
المتحدة، كان لا مناص منها لو أن ليبيا لم تسلك هذا المسلك.
القرار الأمريكي الأخير ليس مفاجئاً، أو هكذا يفترض، لأن سير الأمور منذ التفاهم الأمريكي الليبي يدفع في اتجاه ذلك، فضلاً عن أن القرار يحمل رسالة واضحة لما باتت تعرف ب "الدول المارقة"، أو "محور الشر"، والمقصود بها بشكل خاص سوريا وإيران وكوريا الشمالية، إلى أنها يمكن أن تحذو الحذو الليبي، فتأمن الغضب الأمريكي، وتخرج من دائرة المغضوب عليهم، ولسان حال الإدارة الأمريكية يقول: خذوا الحكمة من ليبيا والعقيد القذافي، فقد حمى بلاده من الخطر بأن انصاع لما طلبناه منه، ولم نعد بعد ذلك مهتمين ما إذا أقام ديمقراطية أو تعددية سياسية في بلاده أم لا، فذلك لا يعنينا كثيراً، ما يعنينا أن لا يملك قوة تكون خارجة عن توجيهاتنا.
لكن هناك أمراً مهماً في الدرس الليبي يعنينا هنا، يتصل بالسؤال الذي على الأنظمة العربية المعنية أن تطرحه على نفسها، عندما يتصل الأمر ببرامج العسكرة التي تنصرف إليها، فتغدق عليها من الأموال والإمكانات الضخمة الشيء الكثير، على نحو ما فعل العراق في عهد صدام حسين، وعلى نحو ما فعل العقيد معمر القذافي، فالترسانة الضخمة والجيش الذي كان يعد بنحو مليون فرد في عهد صدام حسين لم يستطيعا أن يحميا حتى النظام نفسه،
ناهيك عن العراق كله، بلداً وشعباً، لأن العقيدة العسكرية التي بنيت عليها هذه القوة، كانت موجهة الوجهة الخطأ، كما دلت على ذلك الحرب العراقية الإيرانية، ثم غزو الكويت، مما جعل العراق أخيراً لقمة سائغة للحصار والعزل، وأخيراً العدوان الذي انتهى باحتلاله من قبل الولايات المتحدة، ودفعه نحو الخراب والاقتتال الداخلي.
مع اختلاف التفاصيل يمكن قول شيء مشابه عن ليبيا، فأين الحكمة والجدوى في الإنفاق الباهظ على برامج التسلح التي جرى التخلي عنها وإتلافها، من دون أن تعود بأي عائد على ليبيا، دولة وشعباً، كأن ثمنها لم يكن أكثر من
المقايضة على بقاء النظام، فيما كان الأجدى توجيه تلك المبالغ نحو تنمية ليبيا، ونهضة شعبها ورفاهته، وتشييد بنية تحتية متطورة للاقتصاد الوطني.
إن ما تحتاجه الأنظمة العربية، قبل التصالح مع الخارج، هو في المقام الأول، تأمين الجبهة الداخلية لبلدانها، عبر التصالح مع شعوبها، فهو الأجدى في حفظ الأمن والاستقرار وضمان التقدم والرفاه، وتأمين المناخات
الديمقراطية التي تؤمن التطور الهادئ والمستقر.
|