عبد القوي الشميري -
الشعوب وصناعة التحولات
إن عظمة الشعوب وعظمة قادتها لا يمكن أن تقاس بمدى قدرتها على تأمين حاجاتها في الحياة من المأكل، والمشرب والملبس، فتلك من البديهات، ولكن -في اعتقادي- هناك ما هو أكبر وأسمى من ذلك في حياة الكثيرين من الشعوب، والقادة الذين يمثلون جوهرة الإنسانية ويدركون الحياة من زاويا أخرى لا تنحصر في المأكل والمشرب والرفاهية، وإنما في صنع التحولات التاريخية التي تخدم شعوبهم وتخدم البشرية يدفعهم إلى ذلك إيمانهم الراسخ بأهمية صناعتها وقيمهم ومبادؤهم التي لا يمكن أن تنحني أمام الأهواء والرغبات بل تبذل الأرواح وتتضاعف العطاءات والتضحيات في سبيل الوصول إلى تحقيقها، ومثل تلك التحولات تصنع مستقبل الشعوب، وتسطر تاريخها، وهي ترسم حاضرها ومستقبلها، حتى وإن طال ا لأمد. فالقناعات المطلقة بسلامة الأهداف المنشودة تشفع لكل العثرات وتقوي العزيمة على الصبر، والمثابرة ، ولولا ذلك لكان تاريخ البشرية لا يقرأ ولا يكتب لأن كل ما سيقوم به الإنسان في هذه الحالة سيصبح مألوفاً ولن يخرج عن الحالة العامة التي لا تحتاج إلى قراءة.
ولكن لأن الحياة بطبيعتها الكونية والبشرية تقوم على التحولات فإن البشرية تقاس بمدى قدرتهم على صناعة تلك التحولات. وتكمن عظمتها بعظمة الأهداف التي تسعى إليها أو حققها كثيرون من القادة الذين قادوا تحولات عظيمة شكلت نهايات وبدايات حقب تاريخية جديدة في حياة شعوبهم كما هو حال الكثير من الشعوب التي رفضت كل المغريات أو الخضوع لأي ضغوطات وفضلت الموت والجوع مقابل الحفاظ على أهدافها ومبادئها التي آمنت وتمسكت بها للمضي في صناعة التحولات التي تصبو إليها.
نحن لم نكن بعيدين من تلك التحولات في اليمن على مر التاريخ ، فلقد كانت الغاية سامية والوسيلة أسمى وكان الشعب عظيماً، وقادته عظماء، كل تلك العوامل صنعت أعظم التحولات في الماضي، والحاضر، الذي يمثل امتداداً لحضارة وتاريخ عريق لشعبنا اليمني.. وإذا ما وقفنا عند إحدى المحطات التاريخية التي نعيش أفراحها اليوم وهي إعادة تحقيق الوحدة اليمنية والتي تعتبر أحد أهم التحولات في تاريخ اليمن سندرك عظمة هذا المنجز الذي لا يمكن أن يقاس بكنوز الدنيا وملذاتها ولا يمكن أن ينكر ذلك إلا جاحد أو عديم الشعور والإحساس.
ذلك لأن الوحدة اليمنية ليست مجرد حدث عابر مر مرور الكرام، لكنه حدث له معانيه وأبعاده ودلالاته في صنع يوم حمل معه جم التحولات ا لتي عكست نفسها على واقع الحياة فكراً وعملا باعتبار أن الوحدة اليمنية ولدت وهي تحمل ثقافات ومفاهيم ورؤى غير تلك التي اعتادها الأغلبية من أبناء الشعب، تلك الثقافات والمفاهيم والرؤى أحدثت تحولاً نوعيَّاً في جملة المفاهيم المكتسبة، مما دفع بها إلى التطوير والترسيخ في الوعي والممارسة من خلال التعاطي معها كجزء من واقع جديد يقوم على معطيات جديدة ويستند إلى ثقافة جديدة كسرت القواعد والمفاهيم السابقة التي ظل متعارف عليها خلال الفترة الماضية في شمال الوطن، وجنوبه ، مثل الانتقال من اللاحزبية إلى التعددية الحزبية و من الاشتراكية إلى الرأسمالية إلى غير ذلك من المتغيرات التي جاءت بها الوحدة المباركة.
هنا يمكن القول بأن الوحدة قد فجرت ثورة ثقافية فكرية اقتصادية سياسية تقوم على مفاهيم عصرية ولا تتعارض مع الأسس والثوابت الوطنية والاجتماعية...الخ .
هذا التحول الذي شكل منعطفاً في حياة الشعب هو ثمرة تحقيق الوحدة وهو عادة ما يسعى إلى تحقيقه العظماء من الشعوب والقادة.
* نائب رئيس الدائرة الإعلامية للمؤتمر الشعبي العام