الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 06:09 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الأربعاء, 24-مايو-2006
المؤتمر نت - . جمال الموساوي -
هل فرنسا لكل الفرنسيين؟

أثار الماضي الاستعماري لفرنسا الكثير من الجدل، في فرنسا نفسها وفي مستعمراتها السابقة، بالرغم من مرور عقود طويلة على استقلال هذه المستعمرات. وقد بدا من خلال القانون الذي تم تبنيه في 23 فبراير 2005 حول الدور الإيجابي للاستعمار الفرنسي في مقاطعات ما وراء البحر، خصوصا في شمال أفريقيا، أن لدى بعض الفرنسيين في اليمين حنين إلى ما ليس لهم، وهؤلاء لا يريدون النظر إلى أنهار الدم والمجازر التي ارتكبتها القوات الاستعمارية في غير ما بقعة من العالم، ويريدون تكريس تلك النظرة العنصرية التي تفصل الشعوبَ بين متحضرة ومتوحشة.
قد لا نذهب بعيدا عن الحقيقة إذا قلنا إن أحداث العنف التي عرفتها الضواحي الفرنسية خلال نونبر الماضي قد زعزعت الكثير من الأمور والقناعات لدى العديد من السياسين الفرنسيين وجعلتهم عرايا أمام أنفسهم، وأوضحت تلك الأحداث إلى أي حدّ أن فرنسا ليست لكل الفرنسيين، وإلى أي حدّ يطبع السياساتِ الاجتماعية والاقتصادية َ التهميشُ والاقصاء والتمييز الذي يمضي عميقا باتجاه تغذية النزعات العنصرية في مجتمع الحرية والمساواة والأخوة.

هذه الأحداث خلصت فرنسا، أو بعض الفرنسيين على الأقل، من ضبابية الرؤية، وعلى رأس هؤلاء الرئيس جاك شيراك الذي طلب إلغاء القانون المتعلق بالدور الإيجابي ودعا إلى قراءة التاريخ الفرنسي كما هو بصفحاته المجيدة ومناطقه المظلمة على حد سواء.

هذه القراءة نعتقد أنها تقتضي كذلك النظر بعين أخرى إلى الدور الإيجابي الذي لعبه المهاجرون الأوائل في إعادة بناء فرنسا التي وإن خرجت منتصرة إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية فإنها لم تكن في مستوى يؤهلها للوصول إلى ما حققته اليوم كواحدة من القوى الاقتصادية على صعيد الاتحاد الأوروبي والعالم. فقد كان لهؤلاء المهاجرين من الأصقاع المختلفة ومنهم الكثير من المغاربة، الذين قاتلوا في صفوف القوات الفرنسية قبل أن تبدأ موجات الهجرة، هم الذين وقعوا على المسيرة التنموية لفرنسا ما بعد الحرب، لكن مرور الوقت ينتهي بالذاكرة إلى النسيان أو إلى التردد على الأقل، وهذا ما حدث للسياسيين الفرنسين خلال العقود الماضية، أي انصرفوا عن الاهتمام كلية بالفرنسيين الجدد الذين فتحت لهم البلاد أذرعها عندما كانت في حاجة إليهم، والآن آمام أزمات الاقتصاد التي فرضتها التطورات والمستجدات في عالم التكنولوجيا والآلة تريد لفظهم إلى بؤر الفقر في العالم الثالث. إلى بلدانهم الأصلية التي نهب الاستعمار الكثير من طاقاتها.

هل عاد جاك شيراك إلى رصيد من الحكمة لديه، أم أنه يستدعي مبادئ الجمهورية وينفض الغبار عن ضمير يحاول اليمين المتطرف إقباره إلى غير بعث!

لقد كان الرجل واضحا وهو يعترف ب»المساهمة الثقافية الهامة للعبيد وأبنائهم وأحفادهم« في تقدم فرنسا، وهو اعتراف يكسر إلى حد بعيد صعود الخطابات العنصرية التي ترى في السود، وفي الأجانب عموما، عبء على المجتمع الفرنسي وسببا في انتشار البطالة والجرائم .... والإرهاب.

ومن الواضح أن العنصرية ليست شأنا فرنسيا تحديدا لكن حجم المهاجرين الذين قدموا من مستعمراتها السابقة المترامية الأطراف ومن مناطق أخرى جعل الممارسات والخطابات ذات الطابع العنصري أكثر بروزا، وأكثر حدة، وجعلت النقاش حول موضوع العنصرية وتنافرها مع قيم الجمهورية الفرنسية في قلب الاهتمام اليومي للسياسيين والمواطنين الفرنسيين والمهاجرين على السواء، وأصبحت هاجسا دائما مع احتمالات ما يمكن أن ينتج من خطر عن تكريسها والاعتياد عليها، وهذا ما دفع شيراك إلي القول » إن العنصرية واحد من الأسباب التي تجعل ذاكرة الرق جرحا ما زال ينزف لدى العديد من مواطنينا« معتبرا العنصرية جريمة أيا كان مصدرها وأنها» أحد أبشع انحرافات السلوك البشري«، هذا مع العلم أن فرنسا كانت أول بلد يدرج الرق ضمن الجرائم ضد الانسانية وذلك في العاشر من ماي 2001 قبل أن يتقرر تكريس هذا اليوم للاحتفاء بذاكرة الرق.

ولعلنا نأمل، باعتبارنا معنيين، أولا بجزء من الماضي الاستعماري لفرنسا، وثانيا بمواطنين مغاربة كثيرين يعيشون وأبناؤهم في فرنسا، أن يكون جاك شيراك قد وضع القطار على سكة صحيحة وقوض سكة التطرف اليميني الذي يحاول كسب المساحات على حساب السواعد والعقول التي بنت فرنسا الحالية، فرنسا ما بعد خراب الحرب

كاتب من المغرب




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر