الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 06:25 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الأربعاء, 24-مايو-2006
المؤتمر نت - معالم في مدينة الرياض بقلم :علي عبيد -
أبناء الرياض
استوقفني وأنا في الرياض الأسبوع الماضي خبر مسابقة أطلقتها الإدارة العامة للتعليم في منطقة الرياض عنوانها «ارسم مدينتك كما تتخيلها بعد عشرين عاماً» بمشاركة نحو 300 ألف طالب يمثلون جميع طلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة في مدارس المدينة.
وذلك بغرض حفز الطلاب على الإبداع والابتكار، إضافة إلى ما ستزرعه المسابقة في نفوسهم من حب لمدينتهم، حيث سيكون الاشتراك متاحا لكل طالب يرسم لوحة من عمله، شريطة أن لا يزيد عمره على 12 عاماً، وفقاً لما جاء على لسان مدير تربية وتعليم منطقة الرياض «بنين».
لم يستوقفني في الخبر الغرضان اللذان ذكرهما مدير التربية والتعليم بالمنطقة لأنهما غرضان بديهيان لأية مسابقة من هذا النوع لفئة سنية في هذه المرحلة الدراسية، لكن الذي استوقفني هي الصورة التي يرى عليها
أطفال الرياض مدينتهم الآن، كما يشاهدونها على أرض الواقع أو من خلال الصور التي تبثها أجهزة الإعلام المرئية وتنشرها الصحف.
وكيف تنطبع في نفوسهم وعقولهم ووجدانهم، وما هو الأثر الذي ستتركه على اللوحات التي سيتخيلونها لمدينتهم بعد عشرين عاما متأثرين بما يرونه اليوم، واضعين فيها أمنياتهم و تطلعاتهم وآمالهم.
رغم أن زياراتي التي بدأت لمدينة الرياض منذ خمسة وعشرين عاما تقريبا قليلة، لكن صورة هذه المدينة التي لعبت دوراً بارزاً في تاريخ نجد عبر أكثر من ثلاثة قرون من الصور التي لا تبارح الذاكرة حتى لو تقادم العهد
بها، تماما كما ينطبع في القلب اسمها المرتبط بالحياة والنضارة، ضاربا بجذوره في عمق التاريخ .
حيث كانت تقوم مدينة «حجر» الغابرة التي عرفت باسم «خضراء حجر» عام 715 قبل الميلاد إلى أن أطلق اسم «الرياض» عليها في القرن الثامن عشر الميلادي
وقد ظلت هذه الصورة مرتبطة بملحمة توحيد معظم أجزاء الجزيرة العربية التي بدأت باقتحام الملك عبد العزيز لحصن «المصمك» الذي يمثل واحداً من أهم معالم المدينة التاريخية .
لذلك وتأسيسا على هذه الخلفية التي تكونت لدي عن هذه المدينة التي استمرت تلعب دورا مهما في العصر الحديث، ورجوعا إلى الصورة التي انطبعت في ذهني منذ الزيارة الأولى لها في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، كانت صدمتي كبيرة وأنا أرى نقاط التفتيش تنتصب في الطريق من المطار إلى
الفندق الذي سنقيم فيه.
حيث استقبلتنا الحواجز الإسمنتية وهي تسد مدخل الفندق وتحوّل الطريق الذي كان مستقيما إلى آخر متعرج كي تبطئ السيارة من سيرها ثم تتوقف ليقوم رجال الأمن بفتح غطائها الأمامي .
وتفتيش حقيبتها الخلفية والتأكد من هوية ركابها الذين عليهم أن يدخلوا الفندق عبر بوابة إلكترونية من ذلك النوع الذي لا نراه عادة إلا في المطارات. هذه الصورة التي تكررت بعض تفاصيلها عند زيارتنا للمراكز التجارية،.
وشاهدنا نسخا منها حول الوزارات والمؤسسات الحكومية، جعلتنا نشعر بأننا نعيش أجواء حرب أو نترقب عدوا، فأي حرب هذه التي فُرِضت على هذه المدينة الوادعة، ومع من تخوضها، ومن هم أطرافها وضحاياها؟
إنه السؤال الذي ظل يراودني طوال فترة زيارتي للرياض التي امتدت أربعة أيام وكانت مختلفة هذه المرة مقارنة بالزيارات السابقة التي لم أشاهد خلالها أيا من هذه المظاهر على مدى خمسة وعشرين عاما هي عمر علاقتي المباشرة بهذه المدينة التي يشيع اسمها في النفس الهدوء والراحة والسكينة رغم القلق الذي ينتابك وأنت تشاهد هذه المظاهر الغريبة غير المألوفة.
سؤال أطل بوجهه عليّ وأنا أقرأ خبر المسابقة التي أطلقتها الإدارة العامة للتعليم بمنطقة الرياض محفزة طلابها على رسم مدينتهم كما يتخيلونها بعد عشرين عاماً،.
فما الذي سترسمه هذه البراعم الغضة التي تفتحت مداركها على الإرهاب وهو يضرب مدينتها الحبيبة، لتقع أعينها على الحواجز الأسمنتية وهي تسد مداخل الفنادق والمراكز التجارية والمصالح الحكومية،.
وعلى نقاط التفتيش وهي تتوزع في شوارعها، وعلى رجال الأمن وهم ينتشرون في أرجائها لحماية الأبرياء من ضربات أولئك المختلين عقليا ونفسيا وعقائديا، أولئك الذين لا هدف لهم سوى ترويع الآمنين والعبث بأمن البلاد وأهلها؟
لو طلب مني أو من أبناء الرياض ـ قبل عشرين عاماً ـ أن نرسم هذه المدينة الجميلة كما نتخيلها اليوم لما تخيل أي منا أن يراها على هذه الصورة.
ولما تمنينا أن نرى هذه المظاهر تنتشر فيها لأننا جميعا نحبها، أما أولئك الذين ينشرون الرعب بين الآمنين ويستمتعون برؤية حواجز الإسمنت ونقاط التفتيش فهم بالتأكيد لا يحبون مدنهم وأوطانهم، لأن من يحب وطنه لا
يمكن أن ينشر الرعب بين أهله والدمار في بلده، فمن أي فكر منحرف جاء هؤلاء الحاقدون ليزهقوا أرواحا بريئة ويروعوا نفوسا آمنة، غير مفرقين بين رجل وطفل وامرأة؟
لو كنت طفلاً من أطفال الرياض لرسمت لمدينتي الحبيبة صورة خالية من كل هذه المظاهر التي فرضتها عليها خفافيش الظلام وسدنة الإرهاب الكارهون لأوطانهم وأهلها، أولئك الذين يزهقون أرواح أطفال أبرياء مثلي،.
وييتمون زملاء أعزاء لي، ويزرعون الخوف في قلبي وقلوب كل الأطفال الذين يعيشون في مدينتي، كي يحرمونا من ممارسة حياتنا والاستمتاع بطفولتنا والتنقل في أنحاء مدينتنا وربوع وطننا دونما حواجز إسمنتية ولا نقاط تفتيش وبوابات إلكترونية تشعرنا بالخطر الذي يهددنا والنفوس الشريرة التي تتربص بنا.
يستحق أطفال الرياض الأبرياء طفولة سعيدة مثلهم مثل كل أطفال الدنيا الذين يعيشون في أوطان لا يهدد أمنها إرهاب المنحرفين عن جادة الصواب المتعطشين لسفك الدماء وقطع الرقاب.
يستحق أبناء الرياض الطيبون مدينة تختفي من أمام مراكزها التجارية وفنادقها ومؤسساتها الحكومية كتل الإسمنت والبوابات الإلكترونية، ولا تقطع الطرق على سكانها نقاط التفتيش وحواجز الأمن.
يستحق أبناء المملكة الشرفاء وطنا يغيب عنه وجه الإرهاب البغيض، وينعم أهله بالهدوء والسكينة لأنهم يعيشون على الأرض التي انطلق منها دين الرحمة والسكينة والتسامح والدعوة إلى سبيل الرب بالحكمة والموعظة
الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.
تلك هي الصورة التي أتوقع أن يتخيلها أطفال الرياض لمدينتهم؛ صورة لا مكان فيها لكل هذه المظاهر الدخيلة على مدينة الرياض وكل مدن المملكة التي نحبها ونعتبرها كلها مدننا، صورة لن ننتظر عشرين عاماً كي نراها
لأنها توشك أن تكتمل.
فتحية لأبناء الرياض الذين يعشقون مدينتهم ووطنهم رغم كل هذه المظاهر التي لا يبالون بها، لأنهم يعرفون أن نهاية الإرهاب قد دنت، واثقين من قدرتهم على التصدي له ودحره، مدركين أن هذه المظاهر ستختفي في يوم هو
أقرب مما يتصور أولئك المتعصبون الحاقدون الكارهون لمدنهم وأوطانهم ، بل للحياة وأنفسهم.

*كاتب إماراتي




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر