الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:32 ص
ابحث ابحث عن:
عربي ودولي
الإثنين, 29-مايو-2006
بقلم: دومينيك مويزي -
أوروبا تمر بحالة من التذكر والندم
أوروبا تمر بحالة من التذكر والندم:الحدود الجديدة لإصلاح ذات البين

إذا كانت دول أوروبا القومية قد تصالحت فيما بينها فمازالت كل منها لم تحقق التصالح بين طوائفها، ولم تتصالح مع النقاط المظلمة والرمادية في ماضيها وحاضرها، وبصورة خاصة الأسلوب الذي تتعامل به مع أقلياتها
وافق العاشر من مايو في فرنسا يوم الاحتفال بذكرى إلغاء الرِق. وفي اليوم السابع والعشرين من يناير نتذكر المحرقة بالاحتفال بذكرى تحرير مدينة أوشويتـز. وفي غضون أيام قليلة سوف نحتفل بمناسبة مرور قرن من الزمان على إعادة النظر في الحكم بإدانة ألفريد درايفوس بتهمة الجاسوسية في محاكمة تسببت آنذاك في تمزيق البلاد.
مما يبدو أن فرنسا بصورة خاصة، وأوروبا بصورة عامة، تمر بحالة مزاجية تدفعها إلى التذكر والندم. والأمر في مجمله يوحي بأن الحاجة إلى دمج المجتمعات داخل الأمم وترويضها على تقبل ماضيها من أجل توحيدها حول هوية مشتركة ومشروع مشترك للمستقبل، قد حلت الآن محل المهمة التي تمكنت أوروبا من إكمالها، والتي كانت تتلخص في إصلاح ذات البين وتسوية الخلافات بين الأعداء القدامى مثل ألمانيا وفرنسا.
طيلة عقود من الزمان كانت محاولات »إصلاح ذات البين« وأعظم الإنجازات التي ترتبت عليها ـ إعادة العلاقات الودية بين فرنسا وألمانيا ـ بمثابة العلامة المسجلة للمشروع الخاص بإقامة اتحاد لا يتوقف عن التقارب في أوروبا. ربما يكون إصلاح ذات البين أملاً بعيد المنال بالنسبة لشعوب دول مثل اليابان، والصين، وكوريا الجنوبية، لكنه بات أمراً مسلماً به بالنسبة للشعوب الأوروبية اليوم.
فباستثناء دول البلقان، أصبح السلام سائداً بين أغلب الدول الأوروبية. وباتت جينات الحرب تعبر عن نفسها الآن في ملاعب كرة القدم، وحل التنافس على الفوز بالميداليات والألقاب محل التنافس على الفوز بالأرض. مؤخراً صدر أول كتاب عن تاريخ العلاقات الفرنسية الألمانية، وطبقاً للمجموعة التي اشتركت في تأليف الكتاب ، فإن مصدر الارتباط بين تاريخي فرنسا وألمانيا ليس الماضي وسنوات النازية، بل إنه يستند في الواقع إلى الحاضر، وبصورة خاصة العلاقات المشتركة بينهما وبين الولايات المتحدة.
وعلى ذلك فإذا ما كان في مهمة إصلاح ذات البين بقية من حياة، فقد تحولت بؤرة تركيزها. فإن كانت دول أوروبا القومية قد تصالحت فيما بينها، فما زالت كل منها لم تحقق التصالح بين طوائفها، ولم تتصالح مع النقاط المظلمة والرمادية في ماضيها وحاضرها، وبصورة خاصة الأسلوب الذي تتعامل به مع أقلياتها.
قد يستنتج مؤرخو أوروبا ذات يوم أن المحرقة وعلاقة أوروبا بيهودها هي التي مهدت الطريق إلى هذه الحالة من الندم والتوبة. وطبقاً لكلمات المؤرخ ورجل الدولة البولندي برونيسلو جيريميك فإن لحظة تحرير مدينة أوشويتـز في السابع والعشرين من يناير من عام 1945، لابد وأن ينظر إليها باعتبارها واحدة من اللحظات المؤسسة لأوروبا اليوم. فقد حل محل الصمت الذي أحاط بالناجين من المحرقة خلال فترة إعادة إعمار أوروبا التي أعقبت الحرب مباشرة، شعور بالأسف العميق والرغبة في التعويض والإصلاح.
لقد أقرت أوروبا بالمسئولية عن السلبية فضلاً عن الجرائم التي ارتكبت. وتم فضح الأكاذيب الزائفة. ففي فرنسا منذ نصف قرن، بينما كانت الحرب الباردة تلوح في الأفق، أقنع شارل ديغول الفرنسيين بسهولة بأنهم كانوا من الأبطال أثناء الحرب العالمية الثانية لأنه ببساطة كان بطلاً. أما فرانسوا ميتران، وعلى النقيض من ذلك، فقد تمكن من طمأنة الشعب الفرنسي إلى أنه لم يكن سيئاً للغاية، لأنه هو شخصياً كان قد خدم في نظام فيشي المتعاون تحت قيادة المارشال بيتين قبل أن ينضم إلى المقاومة.
أما الرئيس جاك شيراك فإن القيمة الإيجابية التي قدمها قد تكون في نظر المؤرخين على الأرجح محاولاته الشجاعة للإصلاح بين الأقليات الجريحة في فرنسا وبين ماضيها والأمة الفرنسية من خلال عملية ندم شملت الأمة كلها. بدأت تلك العملية باليهود والإقرار بأن نظام فيشي كان بالفعل يجسد الدولة الفرنسية. وعلى هذا فقد كانت فرنسا ذاتها شريكة في الجرائم التي ارتكبها النظام النازي.
اليوم، تحاول الأقلية السوداء في فرنسا تنظيم نفسها على غرار النموذج الذي قدمته الأقلية اليهودية. فبادرت إلى إنشاء سلطة مركزية تخدم كمظلة تعمل تحتها المنظمات المختلفة. ولقد توصلت هذه الأقلية السوداء إلى أن قروناً من العبودية تعادل المحرقة، وتؤكد أن إقرار الأوروبيين بجرائمهم ضد اليهود، لابد وأن يعقبه اعترافهم بالذنب إزاء الأقليات السوداء في القارة.
ربما تكون أعمال العنف التي اندلعت في خريف عام 2005 في العديد من المدن والضواحي الفرنسية، والتي لعب فيها الشباب والعاطلون من السود دوراً كبيراً، قد عجلت باستعداد المسؤولين الفرنسيين للتعامل بشجاعة مع هذا الإرث التاريخي. ولكي يتسنى لفرنسا أن تواجه بنجاح تحدي التكامل، فينبغي عليها أن تواجه ماضيها. ولكن يتعين عليها أيضاً أن تتصرف بأسلوب معاصر في إمبراطوريتها الإفريقية السابقة بدلاً من اللجوء إلى النمط الاستعماري الجديد.
إذا ما كان التصالح مع الماضي على ذلك القدر الكبير من الأهمية من أجل بناء مستقبل متناغم، فما زال أمام فرنسا الكثير من العمل فيما يتصل بالتعامل مع أقلية أخرى ظل التاريخ متوقفاً بالنسبة لها إلى حد كبير. وهي الأقلية الفرنسية ذات الأصول الجزائرية، ناهيك عن التعامل مع الجزائر ذاتها، والتي يبدو تحقيق التصالح معها أمراً بالغ الصعوبة. سوف يتطلب الأمر أكثر من مجرد تقديم عدد بسيط من النماذج التي ينبغي أن يقتدى بها، مثل نموذج زين الدين زيدان أعظم نجوم كرة القدم الفرنسية، من أجل تهدئة حالة الإحباط وكبح الاستياء.
ولكن هل الاعتراف بذنوب الماضي هو مجرد وسيلة لتيسير عملية تكامل الأقليات؟ أم أنه أيضاً يشكل جزءاً من عملية إغلاق أبواب "فردوسنا" الأوروبي في أوجه هؤلاء الذين ما زالوا يريدون الانضمام إلينا؟ ربما كان الإصلاح بين الأمم أيسر من الإصلاح بين طوائف الأمة الواحدة. وهذا هو التحدي الذي تواجهه العديد من الأنظمة الديمقراطية في العالم اليوم، ليس فقط في فرنسا وأوروبا بصفة عامة، بل وفي الولايات المتحدة أيضاً.


* أحد مؤسسي وكبير مستشاري المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (Ifri)، وهو يعمل حالياً أستاذاً بجامعة أوروبا في ناتولين بوارسو.

* ترجمة: أمين علي
* الراية







أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر