المؤتمر نت - جمال كريم - مرثية لملاك فينوس.. وحتما لملاك أُمَها
فينوس.. أهكذا ترحلين..؟ أكان من الانصاف أن ترحلي، هكذا كنقطة ضوء في فراغ الكون؟ ابنتي الحبيبة أهكذا، بهذه العجالة المروعة، تتهشم روحك وتتشظى، مندفعة، ساخطة- وفي كل الاتجاهات إلى فضاءاتها ومنائيها.. أين؟ أوَّاه.. فينوس يا وطني ومنساي/ كيف تركت الجرح مفتوحاً..؟ أما علمت أن "أمريكا هي الجرح والسكين"؟ فينوس، أعرف أن طيور أحلامك قد أقامت أعشاشها ببراءة وسلام، وفي الأعالي تلامس الجمال يداك الصبيتان وتمسح عن وجنتيه غبار أحزانه، فيما أنشبت القذائف أظفارها بشراسة ومزقت كل ذلك، قذائف الحروب مزقتها برمشة وردة، وتهاوت الأعشاس، عشا.. عشا فوق حطام الدنيا، فوق رؤوس البنايات والأنهار والشطوط والأسواق والمقابر وشناشيل ابنة جلبي السياب وجيكوره المجهورة، فوق روس الجبال وأعناق قامات سراب الصحراء وقصب الأهوار المثرمد من حرائق الحروب والنزوات وخرافات الأزمان.
فينوس، الليلة قبل الماضية، تسمرت عيناي الحجراوان مثل حبتي الفراولة على طفيك المتلألي مثل زخات المطر المشبعة بضياء الشمس، كانت أهنأ ليلة، شعرت بروحي تنخدر وبسحر يصعق كياني، طيفك الجميل اهتدى إلى بيت منفاي فيما كانت النجوم مدلاة في جوف الظلام، وقف أمام بابي، هنا، وراح يرمقن من فرجة الباب، انغمر البيت برائحة صباك العذب،السماء خلف زجاج نافذتي كانت تنز بريقا من نجومها وظلاماً من أعاليها المترامية طيفك دخل غرفتي وراح يتجول ببطء وتأن ووجل، أخذ يحدق في كياني المهشم، فيما أنا مستلق على أفرشة العمر المكدود. فينوس هذا هو وجهي.. هل نسيت؟ إذن والنافذة إلى اليمين والذكريات المرمية وبقايا صمت قديم وصور أخوتك في وجوه الحداد، بذراعين دافئين أضمه إلى قلبي وأسأله: هل وهم ساحر ينائينا..؟ وهذا الموت، الذئب، يجوب الدنيا والطرقات والحواري، بل يلبد تحت ثيابنا أو في دفاتر مدارسنا وذكرياتنا، فأما كنت وأمك تعلمين؟ أم خانتكما الخطى الرديئة..؟ يا أنتما من لي إذا أطفئت جمرة في الروح..؟ أنا الذي احتميت بالكلم الطيب والأسفار القصية، منبهراً كضوء الروح البهي الرائع، ها أنذا أنظر إلى ملاكيكما ومن تحت ضوء القمر الشحيح، أسمع صوت تحطيم السنين، كالطلقات، تصفر وتدوي مثل المطر فوق صفيح العمر الباهت. هل كان حقا هذا النأي الأبدي..؟ ألوذ بالصمت وأنطفئ وحيداً "رباه ما أشد ما تبدو، لي، عادات الدنيا هذه.
مضنية،عسنيفة، فاهية، لا نفع فيها.
ألا تباً لها، تباً لها، تباً لها..".
|