عمر كوش - أدلة مخفية اغتيال الحريري تأليف :يورغن كاين كولبل
أحدث كتاب «اغتيال الحريري .. أدلة مخفية» ضجة كبيرة، مازال صداها يتردد في الأوساط السورية الرسمية واللبنانية، ويتعداها إلى أوساط دولية وإقليمية، تتصل بملابسات التحقيق في جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، الذي اغتيل في 14 فبراير عام 2005.
ومؤلف هذا الكتاب هو الصحافي والباحث الجنائي الألماني «يورغن كاين كولبل»، من مواليد 1956. درس علم الجنايات في الفترة 1974 ـ 1979، ومارس التدريس منذ تخرجه وحتى 1988 كباحث في علم الجنايات.
وهو يعمل الآن في صحيفتين ألمانيتين هما «يونغه فيلت» (العالم الفتي) و«نويس دويتشلاند» (ألمانيا الحديثة)، ويهتم بالسياسة الخارجية والنقد الفكري للسياسة الأميركية ولأفكار وممارسات المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية.
ويكشف الكتاب حقائق وأسراراً ومفاجآت تتعلق بجريمة اغتيال رفيق الحريري، حيث يشير إلى أن أجهزة التشويش التي يستخدمها موكب الحريري بشكل دائم، تعطلت قبل ساعة واحدة من حدوث عملية الاغتيال، إذ توقف عمل الجهاز الإلكتروني لموكب الحريري والخاص بتعطيل استقبال وإرسال أية ذبذبات، ليس فقط لأجهزة الهاتف المحمول، بل وأية أجهزة تحكم عن بعد يعرفها العالم وتستخدم للتفجير عن بعد.
وهذه الخاصية، حسبما بينت الاختبارات التقنية بعد ذلك، لا يمكن تعطيلها إلا من الشبكة المركزية للتحكم في النظام الإلكتروني لتلك الأجهزة، والتي لا تملكها إلا الشركة الموردة لها.
ويؤكد المؤلف أنها شركة إسرائيلية أغفل المحقق «ديتلف ميليس» ذكرها نهائياً في تقاريره التي قدمها لمجلس الأمن الدولي. ويذكر أنه تحدث مع أحد أصحاب هذه الشركة الإسرائيلية، وتبيّن له أنه عمل حتى سنوات مضت في جهاز الاستخبارات الحربية الإسرائيلية.
ويرى المؤلف أنه يحاول في هذا الكتاب أن يسدّ على الأقل ثغرة، بأن ويذكر المؤلف أنه حاول البحث عن الأدلة الجنائية التي تثبت تورط النظام السوري في جريمة الاغتيال منذ وقوعها وحتى نشر الكتاب، إلا أنه توصل، بعد طول بحث وتنقيب ولقاءات وتحليلات، إلى نتائج معاكسة لتلك الفرضية تماماً.
وكان متشككاً في الأمر منذ البداية، نظراً لأن المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية، وضعوا نصب أعينهم هدف تغيير النظام السوري منذ ما قبل عملية اغتيال الحريري بسنوات.
وفي هذا السياق يتهم «كوفي عنان» أمين عام الأمم المتحدة بتبني فرضية الولايات المتحدة، في وقت «لم تكن الجثة قد بردت بعد»، وبالرغم من انعدام الأدلة التي تؤكد تورط سوريا في الجريمة.
ويعتبر أن هذه الحادثة كانت فرصة «عنان» الوحيدة «لإنقاذ سمعته ومنصبه من الضياع بعد الاتهامات المبرهن عليها الخاصة بتورط ابنه في فضيحة رشاوي النفط مقابل الغذاء»، ويعزو موقف عنان إلى الابتزاز الذي مورس ضده، بحيث لم يجد أمامه مخرجاً آخر سوى الموافقة الكاملة على ما تطلبه واشنطن.
ويضيف المؤلف أن واشنطن طلبت صراحة من عنان تفويض القاضية العامة «كارلا ديل بونتي» في محكمة «لاهاي»، المسؤولة عن ملف الرئيس الصربي «سلوبودان ميلوسيفيتش»، لتحديد رئيس لجنة التحقيق في اغتيال الحريري، فيما لم تجد الأخيرة برغم فرق لجان التحقيق الجنائية المتخصصة التي تملكها المحكمة الدولية سوى «صديقها» المدعي العام الألماني «ديتلف ميليس»، لتنفيذ المرحلة الأولى من «الأعمال القذرة» حسب تعبير المؤلف.
ويعتقد المؤلف أن اغتيال الحريري هو سبب استندت إليه الإدارة الأميركية لكي تخلخل الأوضاع في لبنان، وتحصد النتائج السياسية الناجمة عن عملية الاغتيال في كل المنطقة، إلى جانب تسخير الأمم المتحدة لتبني الرؤية الأميركية، وتحريك الشارع اللبناني على نحو سريع ضد التواجد العسكري والاستخباراتي السوري.
ويطرح المؤلف أسئلة عديدة حول قدرة الإدارة الأميركية على استخدام الأنظمة العربية من أجل الترويج لفرضية تورط سوريا في جريمة اغتيال الحريري. وتخص تلك الأسئلة ماهية الدوافع وراء تصوير سوريا أمام العالم وبشكل دائم على أنها راعية للإرهاب، وكذلك العلاقة ما بين اللبنانيين المهاجرين واغتيال الحريري، والسبب الذي دفع أبناء الحريري إلى التورط في اتهام سوريا.
ويرى أن المحقق «ديتلف ميليس» قدم تقريرين، مؤلفين، عائمين، كما طُلب منه تماماً، ولا يصلحان حتى كسيناريو متواضع لأحد الأفلام البوليسية للهواة على حدّ قول المؤلف،.
وذلك لأنهما لم يتضمنا أية براهين حقيقية، بالرغم من التحقيقات الشكلية والاستجوابات التي قام بها ميليس هنا وهناك، مع تضمنهما «اعترافات» من أشخاص «ليسوا فوق مستوى الشبهات، وثبت قطعاً بعد ذلك بأدلة راسخة تعرضهم للتعذيب، أو للابتزاز، ما دفعهم لاحقاً لسحب اعترافاتهم والإقرار بكذبها».
ويعزو المؤلف عدم رغبة أبناء رفيق الحريري في تصديق عدم تورط سوريا في الاغتيال إلى أسباب عاطفية وغيرها، بالرغم من «المعلومات التي وفرها لهم جهاز مخابرات غربي، لدولة كان رجلها الأول صديقاً وفياً لأبيهم وفضلوا تصديق الرواية الفرنسية والأميركية ـ الإسرائيلية.
والعوم مع التيار وتجاهل القاتل الحقيقي، على التورط في خوض طريق كشف الحقيقة، لعلمهم بأنه لن يمكّنهم من الأخذ بثأر أبيهم، وسيجر عليهم عداوات دولية قد يخسرون فيها أكثر من المال».
من جهة أخرى يشير المؤلف إلى «العلاقات الخفية التي جمعت بين بعض أعضاء تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأميركية، واليمين المتطرف في إسرائيل، وبعض المهاجرين اللبنانيين في الولايات المتحدة من المتورطين منذ زمن في عدة محاولات لاغتيال سياسيين لبنانيين نجح بعضها وفشل البعض الآخر».
ويسترسل في قراءة أحداث تاريخية معينة، كي يرسم لوحة لمسار أحداث جرت عبر سنين عديدة في أكثر من مكان، وأفضت إلى جريمة اغتيال الحريري، ويذكر في هذا المجال أنه في عام 1997 قام مجموعة من اللبنانيين، من عناصر الميليشيات الطائفية والملاحقين من قبل المحاكم اللبنانية بتهم جرائم خلال الحرب الأهلية.
والمقيمين في الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى، بتشكيل ما يعرف ب«اللجنة الأميركية من أجل لبنان الحر». وكان أحد مؤسسيها اللبناني زياد عبد النور من الكتائب اللبنانية، وهو مقيم في ولاية كاليفورنيا.
وفي العام 1999، يؤسس زياد عبد النور نشرة «استخبارات الشرق الأوسط» على الانترنت مع اللبناني وليد فارس، ويتعاون معهم «موراي كال»، وهو إسرائيلي يعيش في أميركا ومناوئ للعرب. وينشرون فيها مقالات وأخباراً محرضة ضد سوريا.
ويلتقي في بيروت بتاريخ 24 يناير 2002 كل من رئيس لجنة العدل في مجلس الشيوخ البلجيكي ورئيسي منظمتين بلجيكيتين حول التحقيق والتضامن مع ضحايا مجازر صبرا وشاتيلا ب«ايلي حبيقة» الذي يخبرهم بتفاصيل حول المجزرة ومسؤولية ودور شارون فيها. وفي اليوم التالي يتم اغتيال ايلي حبيقة بسيارة مفخخة.
وفي مارس 2003 يبدأ العدوان الأميركي ـ البريطاني على العراق ويتم سقوط بغداد، ووقفت سوريا ضد العدوان على الشعب العراقي، وضد احتلال العراق فيما بعد. ويوقع الرئيس بوش في 12 ديسمبر 2003 على قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية، الذي يتضمن إعلان حالة طوارئ وطنية بسبب تصرف سوريا الذي يشكل حسب رأي بوش تهديداً فوق العادي للولايات المتحدة، ناجماً عن سياسة سوريا في دعم الإرهاب..
واستمرارها في احتلال لبنان، وسعيها للحصول على أسلحة للدمار الشامل وبرامج للصواريخ، وتقويضها لجهود الولايات المتحدة وللجهود الدولية من أجل استقرار العراق وإعادة إعماره.
وفي 11 مايو 2004 يصدر أمر أميركي بتوقيع بوش برقم (13338) الذي أكد على القرار السابق. وقد صدر هذا الأمر قبل تمديد ولاية الرئيس إميل لحود، وقبل صدور القرار 1559 عن مجلس الأمن. وفي العام 2004 يوضع اسم رفيق الحريري مع ملف عنه على الموقع الالكتروني ل«اللجنة الأميركية من أجل لبنان الحر»، ويوصف ب: «العميل اللبناني الأول لسوريا».
ولاحقاً في نفس العام يصدر القرار 1559. والخلاصة التي يريد المؤلف الوصول إليها من خلال قراءته لهذه التواريخ هي تشابه الجهة المنفذة لحادثتي اغتيال إيلي حبيقة ورفيق الحريري، ويأخذها منطلقاً للقول بأن الولايات المتحدة وإسرائيل وراء عملية الاغتيال، التي نفذت بأيدي محترفين يمتلكون الخبرة التقنية العالية، وهي ليست متوفرة لدى أي جهاز مخابرات، وليست متاحة إلا للخبراء السويسريين والإسرائيليين.
* الكتاب: اغتيال الحريري.. أدلة مخفية
* الترجمة : د.هاني صالح وكامل إسماعيل
* الناشر: دار الرأي ـ دمشق 2006
|