أمير طاهري -
حرب بالوكالة
حتى قبل اسبوع واحد من الآن لم يكن هناك ما يشير الى احتمال اندلاع حرب اخرى رئيسية في منطقة الشرق الاوسط تكون اسرائيل طرفا فيها. إلا ان اكثر المراقبين تفاؤلا ليسوا متأكدين الآن مما يمكن ان تنتهي اليه الأحداث والتطورات المتلاحقة. ومن المرجح ان يحاول قادة الدول الصناعية الثماني في لقاء القمة بسانت بطرسبورغ الاسبوع المقبل الحيلولة دون اندلاع حرب واسعة في المنطقة. ولكن، هل يستطيعون ذلك؟
شرح الأسباب الكامنة وراء ورود احتمالات اندلاع حرب شاملة لا يحتاج الى عناء كبير. فإسرائيل، التي تواجه حركة المقاومة الاسلامية (حماس) في الاراضي المحتلة و«حزب الله» في لبنان تعتقد انها تواجه خطرا يتهدد وجودها.
إلا ان ذلك لا يعني بالضرورة ان «حماس» او «حزب الله» في وضع يمكن أيا منهما من إلحاق هزيمة عسكرية بإسرائيل. إلا ان كليهما قادر على الاستمرار في خوض حرب استنزاف ضد اسرائيل الى ما لا نهاية. وسيكون هدف هذه الحرب، شأن كل حروب الاستنزاف، إضعاف الروح المعنوية للعدو وإقناع المزيد من الاسرائيليين بأن بلدهم ليس مكانا يمكن ان يعيشوا فيه حياة عادية وينشئون فيه اطفالهم وانه من الأفضل لهم التوجه الى مكان آخر اكثر أمنا. يضاف الى ما سبق ان حرب الاستنزاف لها آثار سلبية على اقتصاد البلد، إذ لن يكون هناك تفكير في الاستثمار على المدى البعيد والصواريخ تتقاطر على المكان. ويمكن القول ان الشعور بآثار حرب الاستنزاف ستكون أقوى في اسرائيل اذا اخذنا في الاعتبار الأثر الذي ينعكس على الجانب السكاني، إذ ان العيش تحت ظل خطر الهجمات الانتحارية لا يشجع على انجاب الأطفال.
في الجانب الآخر يواجه كل من «حزب الله» وحركة «حماس» اخطارا تتعلق بوجودهما، إذ يدركان ان اسرائيل مصممة على تدميرهما تماما كتنظيمين سياسيين.
اسرائيل رفضت من جانبها الاعتراف بالحكومة الفلسطينية بقيادة «حماس» ونجحت في تنظيم ما يمكن اعتباره عزلا دوليا ضدها. اذا تخلت حركة «حماس» عن ميثاقها واعترفت بشرعية وجود اسرائيل، فإنها ستضع نهاية لنفسها كحركة اسلامية متطرفة. ومن الناحية الثانية، اذا واصلت في اصرارها على موقفها المتشدد دون استعداد للتفاهم، فإن الكثير من الفلسطينيين سينظرون اليها كونها مسؤولة عن كل الصعوبات التي يعانون منها الآن. «حماس» كحكومة تختلف تماما عن «حماس» كحركة مستقلة.
اما بالنسبة لـ«حزب الله»، فإن هيبته، او ما تبقى منها، تقوم على اساس انه هزم الاسرائيليين وطرد القوات الاسرائيلية من جنوب لبنان. وفي نفس الوقت صدر بحق «حزب الله» قرار الامم المتحدة رقم 1559 المطالب بحله كمجموعة سياسية. و«حزب الله» بدون سلاح سيصبح فقط حزبا سياسيا لبنانيا آخر يحظى بحوالي 20 في المائة من اصوات الناخبين.
يواجه «حزب الله» مشكلة اخرى اكبر حجما، إذ عليه ان يطور سياساته في إطار استراتيجية اوسع تصوغها ايران وسورية. نتيجة لذلك، لا يمكن لـ«حزب الله» ان يقرر ببساطة تخفيف حدة توتر الوضع على أمل الحفاظ على تنظيمه العسكري كما هو. اما ايران، التي تتعرض لضغوط متزايدة بسبب برنامجها النووي، فتبحث جاهدة عما يمكن ان يساعد على صرف الأنظار. وهل هناك وسيلة افضل لصرف الأنظار من حرب مصغرة تتسبب في تركيز الاهتمام العالمي على مثلث اسرائيل ـ لبنان ـ فلسطين؟
سورية من جانبها ربما تستفيد من حرب محدودة بين اسرائيل و«حزب الله» لتؤكد ان وجودها في لبنان كان عامل استقرار وان إخراج قواتها من الاراضي اللبنانية ادى الى حالة عدم استقرار.
يمكن القول هنا ان ما نشهده هو بداية حرب بالوكالة بين سورية وإيران من جهة وإسرائيل من الجهة الاخرى. اما بالنسبة للبنان، فإنه، كما حدث في مرات كثيرة سابقة، يستغل كميدان معركة من جانب قوى اقليمية ودولية متنافسة تعتبر الشعب اللبناني، في أحسن الأحوال، ضحايا حرب مدنيين.
يدرك الجميع ان الحكومة اللبنانية لا تملك السلطة التي تمكنها من تطبيق القرار رقم 1559 الذي ينص على نزع سلاح «حزب الله». يدرك الكل ايضا ان لبنان لم يصبح بعد بالقوة الكافية التي تسمح له بمواجهة وصد الضغوط والتدخل من جانب القوى الخارجية، مثل سوريا وإيران في سياق الوضع الحالي.
السؤال المهم الآن هو: هل ستسمح ايران وسورية لإسرائيل بتدمير الآلة العسكرية لـ«حزب الله» ونزع سلاح ميليشياته؟
اذا آثرت طهران ودمشق الجلوس ومشاهدة اسرائيل وهي تفكك رصيدهما الأساسي في لبنان، ألن تفقد سورية ولبنان مصداقيتهما كراعيتين للحركات المتطرفة في الشرق الاوسط وخارجه؟ وهل يبدأ محمود احمدي نجاد، الذي تعهد بمحو اسرائيل من الخارطة، رئاسته بالجلوس ومشاهدة اسرائيل وهي تمحو ميليشيا «حزب الله» من الخارطة اللبنانية؟ وكيف سيبدو منظر سورية اذا لم تفعل شيئا لمنع التغلب على «حزب الله»، حصن النفوذ السوري في لبنان، في هذه الجولة من القتال؟ من المؤكد ان لسورية بعض الحلفاء المارونيين في لبنان حتى الآن، ولكن وجود هؤلاء الحلفاء مرتبط بوجود «حزب الله»، أي بمجرد ان يخرج «حزب الله» من المعادلة كمجموعة مسلحة سيبدأ ميشال عون وآخرون السعي في كل الاتجاهات بحثا عن حماة جدد.
الاستراتيجية الايرانية ـ السورية، خصوصا منذ قرار احمدي نجاد بجعل تدمير اسرائيل من اولويات ادارته، ستشجع المؤيدين داخل اسرائيل لاستغلال هذه الفرصة لتدمير الماكينة الحربية لـ«حزب الله»، حتى اذا كان ذلك في سياق حرب واسعة. وبفعلها ذلك، ستزعم اسرائيل انها بصدد مساعدة لبنان على تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1559.
تطورت الأحداث بصورة لم يتوقعها احد.
اذا تراجعت اسرائيل وأنهت حملتها دون نزع سلاح «حزب الله»، فإنها ستهدي الى ايران وسورية انتصارا غير متوقع. كما ان ذلك اذا حدث سيكون بمثابة نهاية لحكومة لبنان الديمقراطية الجديدة وعودة النفوذ السوري والإيراني الى لبنان. وفي الجانب الآخر سيؤدي تراجع اسرائيل الى تشجيع «حماس» ويعطيها قوة اكثر للسعي الى تحقيق استراتيجيها الراديكالية.
ومن الناحية الاخرى، اذا أزالت اسرائيل «حزب الله» من الساحة اللبنانية سيتعين على قيادتي طهران ودمشق التعامل مع النتائج المترتبة على انتكاسة استراتيجية من الممكن ان تؤدي الى تشجيع اعدائهما في الداخل. الأمر المؤكد هو ان قمة الدول الصناعية الثماني ربما تحاول إرجاء وقت القرار، ولكن من الصعب تجاهل حقيقة ان هناك نظرتين للشرق الاوسط احداهما تقف وراءها الولايات المتحدة وحلفاؤها، بما في ذلك اسرائيل، والأخرى تقف وراءها كل من ايران وسورية والجهات المؤيدة لهما. وبما انه لا يمكن التوفيق او التوليف بين النظرتين، ربما تدرك قمة الدول الصناعية الثماني انه لن يكون بوسعها الحيلولة دون اندلاع حرب اقليمية واسعة.
الشرق الاوسط