بقلم:لؤي يحيى عبدالرحمن الارياني -
لبيروت...
بيروت تشتعل وتسيل بها انهار الدماء, تخرس ضحكات الأطفال ويدوي صوت الأسلحة وصرخات الألم, وبرغم ان الشعوب العربية لم تعد تنتظر من حكوماتها تجاه كل هذا سوى بيانات التنديد والتي لم تعد تستسيغها ولم تعد تنتظرها إلا بمزيج من الألم والسخرية.. إلا ان البعض خرج حتى عن المعتاد من التنديد والشجب, ففي وسط النيران الإسرائيلية التي تحرق الشقيقة لبنان ووسط الشهداء الذين يسقطون تباعا, وتحت شلال الدماء اللبنانية.. وقفت بعض الحكومات العربية لتعلن بكل فخر واعتزاز.. نحن ضد المغامرات غير المحسوبة!!.
في حين يستخدم العالم الغربي مصطلح الإرهاب لوصف عمليات المقاومة المشروعة خرجت هذه الأنظمة بمصطلح جديد قد يكون اشد استفزازا وهو "المغامرات غير المحسوبة" لوصف عمليات المقاومة البطلة, وهو توصيف متحاذق يحاول ان يدين المقاومة دون ان يصفها بالإرهاب !
وفي حين دعا فخامة الرئيس علي عبد الله صالح لتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك ولفتح الأبواب للشباب العربي للمشاركة, جاءت هذه الأنظمة العربية لتغرد خارج السرب الذي يضم 300 مليون إنسان, ولتزايد بشكل مبتذل على لبنان وعلى المقاومة وتقول بأن ما يحدث هو "مغامرات غير محسوبة"!! والمضحك المبكي أنها تخاف من هذه المغامرات على "المنجزات العربية"!!و من خلال المصطلحات المتعددة التي يطلقها المتفرجون أصبح على المقاومة التفكير ألف مرة قبل تنفيذ عملية ما ضد إسرائيل هل ستكون عملية مقاومة, أم إرهاب, أم مغامرات غير محسوبة؟!؟!
ان هذه الأنظمة التي تتعالى على الشعوب العربية وتستخف بها, وتحاول تنحيتها جانبا في قضية فلسطين باعتبار انها " لا تفهم" وبأنها مجموعة من الغوغاء لا تعرف ان لا سبيل لها في الحياة إلا بسياساتهم الحكيمة والارتماء في أحضان العدو وتبني أرائه ووجهة نظره بل وقلقه على أمنه من مبدأ ان يكونوا ملكيين أكثر من الملك, هؤلاء الحكام الذين انتقدوا حزب الله وعملياته نسوا شيئا هاما وهو ان لبنان دولة مواجهة ولديها أسرى في السجون الإسرائيلية تود( ان كان هذا لا يضايقهم) ان تحررهم, كما اضن ان تحرير الأسرى يأخذ أولوية على الموسم السياحي المأسوف عليه (برغم أهميته), وفي حين يحزننا إقفال أبواب المرابع اللبنانية التي يصول ويجول فيها الأخوان العرب والتي قطعت المقاومة (استئناسهم) بها, يفرحنا قرب فتح الأبواب الإسرائيلية ليخرج منها إخواننا الذين يعيشون مأساة الأسر.
ان على من يفكر في الجدل الدائر حول مدى صواب أو خطاء عمليات المقاومة وبرغم خطاء وجود هذا الجدل في هذا الوقت أصلا, ان يتساءل ان كانت هذه العمليات مغامرات غير محسوبة فهل هناك في المقابل سياسات محسوبة لتحرير الأسرى وتحرير الأرض؟!
كما أن علينا أن نتذكر هل كان هناك مرات وقفت فيها هذه الأنظمة بجانب المقاومة لكي تهدد انها هذه المرة لن تقف معها وبأن عليها هي وحدها أن تنهي الأزمة؟!؟!
وبالنسبة لمن يقولون بعدم قدرتنا على مواجهة إسرائيل هل لدينا قدرة على أن نتجنبها؟!كما أن علينا أن نتساءل في قضية خيار المقاومة تجاه المناداة بالتطبيع والسلام بدون قيد أو شرط.. هل أدت كل مبادرات السلام إلى أي نتيجة غير مزيد من العدوان الإسرائيلي ؟!؟وهل الإسرائيليون يريدون السلام أو يقبلوا به أصلا؟!؟! إذا هل هناك في رأيهم أي حل سوى الخضوع والركوع ودخول العصر الإسرائيلي ولبس الكوفية وإنهاء صلاتنا بقولنا " الشالوم" عليكم ورحمة الله؟!!!
إنني انتمي إلى جيل لم يسمع طوال عمره سوى الانكسارات سوى الهزائم.. لم نعش سوى مرارة الخضوع والخنوع.. لم نرى سوى مجازر الاسرائيلين..لم نسمع سوى صرخات أمهاتنا وأخواتنا في فلسطين ولبنان.. وبدلا عن القاهر والظافر عرفنا محمد الدرة وإيمان حجو..حتى البطولات الوهمية والانتصارات الزائفة التي عشتموها والتي كان يذيعها صوت العرب في 67 لم نسمعها!..لم نعش طوال حياتنا فرحة نصر ولحظة عزة حتى وان كانت زائفة كالتي عشتموها..جئنا إلى الدنيا لنجد ان الامر قد حسم منذ الجيل السابق وأصبحت إسرائيل هي الرعب وهي القوة وهي الأسطورة.. جئنا لنرى العالم بأكمله ينتفض من اجل ثلاثة صهاينة هو نفس العالم الذي لم يعر الآلاف من ابائنا وإخواننا الأسرى العرب منذ سنين أي اهتمام وهو نفس العالم الذي يقول لنا باحتقار لا تنظروا إلى إسرائيل لكي لا تنكسر رقبتكم!!..أتستكثرون على جيلنا أن يعيش لحظات عزة وكرامة حقيقية وليست زائفة و التي يمنحها لنا إخواننا الأبطال اللبنانيين, أتستكثرون على اللبنانيين وبرغم كل الألم وبرغم كل الخسائر وبرغم الموت والدمار أن يصمدوا؟!
إلى جميع من يدعون الحكمة وهم ليسوا سوى جبناء, إلى جميع من لا يهمهم أصلا أي من طموحاتنا المشروعة في النصر والتحرير, إلى جميع من (ببساطة) تختلف مصلحتهم عن مصالحنا, إليهم جميعا.. أرجوكم دعوا جيلنا يعيش العزة والفخر..أرجوكم دعوا جيلي ينزع عنه شعور الهزيمة والعجز, أرجوكم لا تعطوا لمشعل النار المزيد من الحطب لإحراق لبنان الجميلة الباسلة, أرجوكم دعوا المقاومة تطرح حلها, أرجوكم.. اصمتوا, ولبيروت التي تحترق.. من قلبي سلام, وقبل.. للبحر والبيوت.
[email protected]