بقلم / فهمي هويدي / نقلاً عن الشرق الاوسط -
انعقاد القمة العربية واجب الوقت
إذا لم تنعقد القمة العربية الآن، فمتى تنعقد إذن؟ هذا السؤال كان أول ما تبادر إلى ذهني حين وجدت أصواتا عدة لا ترى مبررا للدعوة إلى انعقاد القمة العربية في الوقت الراهن، ولاحظت أن من بين القادة العرب من فقد حماسه للفكرة، في حين أن ثمة وجهة نظر أخرى ترى في عقد القمة الآن واجبا يكاد يرتقي إلى مرتبة الفريضة القومية، ولأنني واحد من هؤلاء فإنني استأذن في أن أبسط هنا الحجج التي تساند هذا الرأي الأخير.
قبل أن أسوق تلك الحجج فإنني لا أخفي استغرابا لقول القائلين بأن انعقاد القمة إما أن يكون هدفه إعلان الحرب على إسرائيل، أو أن يصبح فرصة للمزايدات السياسية وهذان الاحتمالان لم يردا في ذهني، لأنني أرى أن هناك خيارات أخرى أمام القمة المرجوة، هو أن يتحاور القادة العرب في مجمل الظروف التي تحيط بالأمة الآن وأن يتفقوا على رؤية مشتركة لكيفية التعامل مع تلك الظروف، باعتبار أن ما يحيط بنا ليس شأنا يهم قطرا بذاته، وإنما هو يتعلق بالمصير العربي كله، ومن يتصور أنه ناج من الطوفان الآتي، الذي تلوح نذره على البعد، فهو جد واهم.
وأيا كان رأينا في نتائج اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي لم يتحدث عن الحرب، وتعددت فيه وجهات النظر، لكننا لم نسمع أنه تحول إلى مسرح للمزايدات السياسية فإنني لا أتصور أن ما فعله الوزراء يستعصى على القمة أن تسير على نهجه.
وهي مفارقة لا ريب، أن تكون التطورات المثيرة الحاصلة في المنطقة موضوعا للمناقشة في قمة الدول الصناعية الكبرى الثماني (التي انعقدت في سان بطرسبورج بروسيا) في حين لا تطرح تلك التطورات على القمة العربية، وأن يوفد الأولون مبعوثا إلى بيروت لعرض وجهة نظر أولئك القادة (التي تبنت الموقف الإسرائيلي) بينما لا نكاد نلمح أثرا لتحرك عربي على مسرح الأزمة. إذا عدت إلى موجبات عقد القمة العربية فإنني أوجزها في النقاط التالية:
أولاً: ليس خافيا أن العالم العربي أصبح مسرحا لاستباحة غير مسبوقة تكاد تذكرنا بهجوم التتار على بغداد، الذي أهلك الحرث والنسل، ولم يبق فيها على شيء باستثناء الجيف المتعفنة والحيوانات الضالة. وهو ما عد صفحة سوداء ووصمة عار في تاريخ البشرية، هذه الاستباحة بلغت ذروتها القصوى في فلسطين المحتلة ولبنان والعراق. وهي المناطق التي تتعرض لصنوف مختلفة من القهر والتدمير والتفتيت، تهدر فيها كرامة الإنسان ويخرب العمران، وتدمر فيها المجتمعات والأوطان. ولا أتصور أن يحدث ذلك الهول كله على أرض الواقع، ونرى فيه رأي العين نذر تقويض البنيان العربي وتهديد أمن الأمة، وإبادة الشعوب والدول، ثم يقف منه القادة العرب موقف المحايد أو المتفرج، في حين أن ثمة عهودا وتوافقات عربية منه، تفرض على الأنظمة العربية استحقاقات بذاتها في مواجهة طارئ من هذا القبيل، لها حدها الأقصى المتمثل في معاهدة الدفاع المشترك وحدها الأدنى الذي يوجب التعبير عن التضامن ويستدعي تقديم الدعم من خلال القمم التشاورية.
لسنا في مقام استدعاء شواهد التاريخ، ومنها قصة المرأة التي صرخت ذات يوم قائلة وا اسلاماه فتحركت جيوش المسلمين لنصرتها واستنقاذها، ذلك أننا في موقف أكبر بكثير وأخطر، فثمة نداءات وصرخات تصم الآذان، تطلقها شعوب بأكملها بمختلف مفردات ومصطلحات الاستغاثة واستدعاء العون، ولا بد أن يكون لتلك النداءات صداها، في محيط الأمة التي يفترض أنها كما الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، كما يقول الحديث النبوي، ليس ذلك فحسب، وإنما ذلك الذي يجري في فلسطين ولبنان والعراق، يظل نموذجا قابلا للتكرار في أي قطر عربي آخر، يرفض الانصياع ويتحدى قوى الهيمنة ومخططاتها الشريرة.
والأمر كذلك، فإننا لا نتحدث فقط عن نعرة نابعة من مقتضيات الشهامة أو الدفاع عن كرامة الإنسان وشرفه، وإنما نتحدث أيضا عن تحسب للدفاع عن النفس، يتوسل بالتضامن والدعم حتى لا ينطبق علينا قول «أكلت يوم أكل الثور الأبيض».
ثانيا: إن ثمة تطورا مهما في الخطاب السياسي العربي حدث في الآونة الأخيرة يتمثل في إعلان الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى، أن عملية السلام ماتت وفشلت وأن العرب خدعوا وضحك عليهم في تلك العملية. وهو اعتراف خطير ومثير رغم انه جاء متأخرا لأن هذا الكلام ردده من قبل قطاع عريض من المحللين والسياسيين العرب والغربيين لكن وجه الخطورة والإثارة فيه يكمن في انه صدر عن الأمين العام للجامعة العربية الأمر الذي يعد إشهارا رسمياً لفشل التعاطي مع الملف الفلسطيني من خلال اتفاقات السلام أو خطط إحلاله التي رعتها الدول الغربية في الولايات المتحدة إلى الرباعية الأوروبية وهذا الإشهار يستدعي سؤالا مهما للغاية هو:
ما العمل إذن؟
صحيح أن اجتماع مجلس وزراء العرب قرر إعادة الملف إلى مجلس الأمن الا ان ذلك لا يوفر الإجابة العربية عن السؤال وأحسب ان مناقشة تلك الإجابة المنشودة كان لها ان تتم في إطار اجتماعات وزراء الخارجية العرب أما القرار أو القرارات الخاصة بها فان القمة العربية وحدها هي الجهة المنوط بها إصدارها إذ لا أتصور أن يصدر إعلان من ذلك القبيل عن الأمين العام للجامعة العربية ثم يترك مصير الملف الفلسطيني معلقا في الهواء لتستبيحه وتنفرد به إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة.
ثالثا: بات واضحا لكل ذي عينين ان القرار الدولي اصبح قرارا صهيونيا بالأساس الامر الذي يعني مباشرة انه يمثل تحديا خطيرا للإرادة والمصير العربيين ذلك ان سيطرة المحافظين الجدد المتحالفين مع اسرائيل على القرار السياسي في الولايات المتحدة أدت بدرجة ما الى نقل مركز الثقل في القرار الامريكي الى ايدي «اللوبي» الصهيوني في الولايات المتحدة ومعهم، من قبلهم ـ ان شئت الدقة ـ حكومة تل أبيب. بسبب من ذلك فان الموقف الاسرائيلي ازاء ايه قضية من فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الى اسر الجنود الاسرائيليين في فلسطين ولبنان اصبح يتبنى بسرعة من قبل الحكومة الامريكية التي تفرضه على الرباعية الدولية ثم على مجلس الأمن والجمعية العامة، بالتالي فانه يصبح خلال فترة وجيزة تعبيرا عن الارادة الدولية في حين انه في الاصل تعبير عن المصالح الاسرائيلية وهذا التطور اضعف كثيرا من رصيد الثقة والاحترام بل وجهة النظر العربية على الاقل للامم المتحدة واغلب منظماتها بعدما تحولت بشكل فاضح ومكشوف الى ألعوبة في يد اسرائيل بالدرجة الاولى وهذا الوضع يستدعي مجددا السؤال: ما العمل وما هي الاستراتيجية العربية التي يتعين الالتزام بها في مواجهة هذا التطور والإجابة عن سؤال من هذا القبيل يفترض الا تتأتى إلا من خلال انعقاد القمة العربية.
رابعا: يعلم الجميع ان مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي طرحته وتبنته الولايات المتحدة يهدف بين ما يهدف الى تذويب الهوية العربية في اطاره وصولا الى ادماج اسرائيل في خرائط المنطقة وإلحاق الجميع بمخططات السياسة الامريكية وهذا كلام ليس جديدا، لكن الجديد فيه ان الولايات المتحدة اناطت مهمة تفعيل المشروع بالحكومة التركية التي وقع وزير خارجيتها عبد الله جول اتفاقا بهذا الخصوص في واشنطون الاسبوع الماضي وهو ما يعني ان المرحلة المقبلة يفترض ان تشهد تحركا في ذلك الاتجاه وليس مستبعدا ان تكون الحملة الاسرائيلية الشرسة على لبنان التي استهدفت القضاء على حزب الله وتجريده من سلاحه تمهيدا لدخول الجيش اللبناني الى الجنوب بدعوى بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على كافة اراضيها، هذه الحملة من بين اهدافها فتح الطريق وتمهيده امام تنفيذ مشروع الشرق الاوسط وازالة العقبات التي تعترض طريقه وهذا التحليل اذا صح فانه يطرح اسئلة اضافية لا يُرد عليها إلا من القمة العربية.
خامسا: لا يخفى على احد ان الفجوة تزداد اتساعا بين الانظمة والشعوب العربية خصوصا في الآونة الاخيرة وهذا الوضع ليس في صالح استقرار العالم العربي يقينا، وليس سرا ان الشارع العربي في الوقت الراهن يحفل بالهواجس والشكوك التي عمقت من ازمة الثقة في الانظمة العربية حتى بدا وكأن الحكومات تقف في جانب بينما الشعوب تقف في جانب آخر رغم ان الجميع نظريا على الاقل في خندق واحد. بكلام آخر فنحن أحوج ما نكون في الوقت الراهن الى تضييق تلك الفجوة واستعادة الثقة المفترضة بين الجانبين وذلك لا يتأتى الا من خلال موقف رصين وشريف تعبر عنه القمة العربية فهل يتحقق الامل وتكون القمة عند حسن ظن القاعدة ارجو ذلك.